[ قِصَّة وَعِبْرَة ـ مَعَ السَّيِّدِ المَسِيح (ع) وَالحَوَارِيِّين ]
ـ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَـلَيْهِ السَّلام) قَالَ : مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (عَـلَيْهِ السَّلام) عـَلَى قَرْيَةٍ قَدْ مَاتَ أَهْـلُـهَا وَطَـيْرُهَا وَدَوَابُّـهَا ، فَـقَـالَ : أَمَا إنَّـهُـمْ لَـمْ يَمُوتُوا إِلا بِسُخْـطَـةٍ (1) وَلَـوْ مَاتُوا مـُتَـفَـرِّقِـينَ لَـتَدَافـَـنُـوا ،
فَـقَـالَ الحَوَارِيُّـون : يَا رُوحَ اللهِ وَكَلِمَـتَهُ ! اُدْعُ اللهَ أَنْ يُحْيِـيـهِمْ لَـنَا فيُخْبِرُونَا مَـا كَانَتْ أَعـمَـالُـهُـمْ فَـنَجـْتَـنِبُهَا (2) ،
ـ فَدَعَا عِيسَى (عَـلَيْهِ السَّلام) رَبَّـهُ فـَنُودِيَ مِنَ الجَوّ : أَنْ نَـادِهِمْ ، فَـقَـامَ عِيسَى (عَـلَيْهِ السَّلام) بِالليْلِ عـَلَى شَرَفٍ (3) مِنَ الأَرْض ِ، فَـقَـالَ : يَـا أَهْـلَ هَـذِهِ الـقَـريَة ! فَـأَجَابَـهُ مِنْـهُمْ مُجِيب : لـَـبَّيْكَ يَا رُوحَ اللهِ وَ كَلِمَـتَهُ !
فَـقَـالَ : ويْحَكُـمْ (4) مَا كَانَـتْ أَعمَالُـكُـمْ ؟
قـَالَ : عِـبَادَةُ الطَّاغُوت ، وَحُـبُّ الدُّنْـيَا ، مَـعَ خَوْفٍ قَـلِيل ،ٍ و َأَمَلٍ بَـعِـيدٍ ، وَغَـفْـلَـةٍ فِي لَـهْـوٍ وَ لَـعِـب ،
فَـقَـالَ : كَـيْفَ كَـانَ حـُـبُّكُـمْ لِـلدُّنْـيَا ؟
قـَالَ : كَحُبِّ الـصَّـبِيِّ لاُمِّـهِ ، إِذَا أَقْـبَـلتْ عَـلَـيْنَـا فَـرِحْـنَـا وَسُرِرْنَا ، وَإذَا أَدْبَـرَتْ عَـنَّـا بَـكَـيْـنَا وَحَزِنَّا ،
ـ قَـالَ : كَـيْفَ كَـانَتْ عِـبَادَتُـكُـمْ لِلطَّاغُوت ؟
قـَالَ : أَلـطَّاعَـةُ لأَهْـلِ الـمَـعَاصِي ،
قَـالَ : كَـيْفَ كَـانَ عَاقِـبَـةُ أَمْـرِكُـمْ ؟
قَالَ : بِـتْـنَا لَـيْلَـةً فِي عَافِـيَةٍ ، وَ أَصْبَحْـنَا فِي الـهَاوِيَة ، فَـقَـالَ : وَمَـا الـهَاوِيَة ؟
فَـقَـالَ : سِجِّـين ،
قـَالَ : وَمَا سِجِّين ؟
قَـالَ : جِـبَالٌ مِنْ جَـمْـرٍ ، تُـوقَـدُ عَـلَـيـْنَا إِلَى يَوْمِ الـقِـيَامَة ،
ـ قَـالَ : فَـمَا قُـلـْتُمْ وَمَـا قِـيلَ لَـكُـمْ ؟
قَـالَ : قُـلْـنَا رُدَّنا إِلَى الدُّنْـيَا فَـنَـزْهَدُ فِـيهَـا ،
قِيلَ لَـنَـا : كَذِبـْتُمْ !
قـَالَ : وَيْحَكَ ! كَـيْفَ لَـمْ يُكُـلِّمْـنِي غَـيْرُكَ مِنْ بَـيْـنِـهِـمْ ؟
قَـالَ : يَا رُوحَ الله ! إِنَّهُمْ مـُلْجَمُـونَ بِـلِـجامٍ مِنْ نَـار بِأَيْدِي مـَلائِـكَـةٍ غِـلاظٍ شِـدَادٍ ، وإِنّي كُـنْتُ فِيهِمْ وَلَـمْ أَكُـنْ مِنْـهُـمْ ،
ـ فَـلَـمَّـا نَـزَلَ الـعَذَابُ عَـمَّـنِي (5) مَعَـهُـمْ ، فَـأَنَا مُـعَـلَّـقٌ بِـشَعْـرَةٍ ، عَـلَى شَفِـيرِ جَـهَـنَّـم (6) ، لا أَدْرِي اُكَـبْكَـبُ (7) فِـيهَـا أَمْ أَنْجُو مِـنْـهَا ،
فَالْـتَفَـتَ عِيسَى (عَـلَيْهِ السَّلام) إِلَى الحَوَارِيِّين فَـقَـالَ : يَا أَوْلِـيَـاءَ الله ! أَكْـلُ الخـُبْـزِ الـيَابِسِ بالـمِـلْحِ الـجَـرِيش (8) وَالـنَّـوْمُ عَـلَى الـمَزَابِـلِ خَـيْرٌ كَـثِيرٌ مَـعَ عَـافِـيَةِ الدُّنُـيَا وَالآخِرَة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( الشَّرح ))
(1) ـ سُخْـطَة : غَضَب .
(2) ـ نَجْـتَـنِـبُـهَا : إِجْـتَـنَبَ الشَّيْء : إِبْـتَعَدَ عَـنْهُ .
(3) ـ الشَّرَف : المَكَـانُ العَالِي وَالـمَـوْضِعُ الـمُرْتِـفِـع .
(4) ـ وَيْحَكُـمْ : وَيْح بِمَـعْـنَى التَّرَحُّمْ وَالتَّوَجُّع ، كَمْا أَنَّ ( وَيْلٌ ) كَـلِمَـةُ الـعَـذَاب ، وَبَـعْضُ اللغَوِيّين يَسْتَـعْـمِل كُـلاً مِنْـهُمَـا مَكَـانَ الأخْرَى .
(5) ـ عَمـَّنِي : شَمَلَنِي .
(6) ـ شَفِير جَهَنَّم : طَرَفُهُ .
(7) ـ أكَـبْـكَـبُ : كَـبْكَبَ : رَمَاهُ فِي الـهُـوَّة .
(8) ـ الجَـرِيش : أَلذِي طَحْـنَـتُهُ غَيْرُ نَاعِم .
ـ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عَـلَيْهِ السَّلام) قَالَ : مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (عَـلَيْهِ السَّلام) عـَلَى قَرْيَةٍ قَدْ مَاتَ أَهْـلُـهَا وَطَـيْرُهَا وَدَوَابُّـهَا ، فَـقَـالَ : أَمَا إنَّـهُـمْ لَـمْ يَمُوتُوا إِلا بِسُخْـطَـةٍ (1) وَلَـوْ مَاتُوا مـُتَـفَـرِّقِـينَ لَـتَدَافـَـنُـوا ،
فَـقَـالَ الحَوَارِيُّـون : يَا رُوحَ اللهِ وَكَلِمَـتَهُ ! اُدْعُ اللهَ أَنْ يُحْيِـيـهِمْ لَـنَا فيُخْبِرُونَا مَـا كَانَتْ أَعـمَـالُـهُـمْ فَـنَجـْتَـنِبُهَا (2) ،
ـ فَدَعَا عِيسَى (عَـلَيْهِ السَّلام) رَبَّـهُ فـَنُودِيَ مِنَ الجَوّ : أَنْ نَـادِهِمْ ، فَـقَـامَ عِيسَى (عَـلَيْهِ السَّلام) بِالليْلِ عـَلَى شَرَفٍ (3) مِنَ الأَرْض ِ، فَـقَـالَ : يَـا أَهْـلَ هَـذِهِ الـقَـريَة ! فَـأَجَابَـهُ مِنْـهُمْ مُجِيب : لـَـبَّيْكَ يَا رُوحَ اللهِ وَ كَلِمَـتَهُ !
فَـقَـالَ : ويْحَكُـمْ (4) مَا كَانَـتْ أَعمَالُـكُـمْ ؟
قـَالَ : عِـبَادَةُ الطَّاغُوت ، وَحُـبُّ الدُّنْـيَا ، مَـعَ خَوْفٍ قَـلِيل ،ٍ و َأَمَلٍ بَـعِـيدٍ ، وَغَـفْـلَـةٍ فِي لَـهْـوٍ وَ لَـعِـب ،
فَـقَـالَ : كَـيْفَ كَـانَ حـُـبُّكُـمْ لِـلدُّنْـيَا ؟
قـَالَ : كَحُبِّ الـصَّـبِيِّ لاُمِّـهِ ، إِذَا أَقْـبَـلتْ عَـلَـيْنَـا فَـرِحْـنَـا وَسُرِرْنَا ، وَإذَا أَدْبَـرَتْ عَـنَّـا بَـكَـيْـنَا وَحَزِنَّا ،
ـ قَـالَ : كَـيْفَ كَـانَتْ عِـبَادَتُـكُـمْ لِلطَّاغُوت ؟
قـَالَ : أَلـطَّاعَـةُ لأَهْـلِ الـمَـعَاصِي ،
قَـالَ : كَـيْفَ كَـانَ عَاقِـبَـةُ أَمْـرِكُـمْ ؟
قَالَ : بِـتْـنَا لَـيْلَـةً فِي عَافِـيَةٍ ، وَ أَصْبَحْـنَا فِي الـهَاوِيَة ، فَـقَـالَ : وَمَـا الـهَاوِيَة ؟
فَـقَـالَ : سِجِّـين ،
قـَالَ : وَمَا سِجِّين ؟
قَـالَ : جِـبَالٌ مِنْ جَـمْـرٍ ، تُـوقَـدُ عَـلَـيـْنَا إِلَى يَوْمِ الـقِـيَامَة ،
ـ قَـالَ : فَـمَا قُـلـْتُمْ وَمَـا قِـيلَ لَـكُـمْ ؟
قَـالَ : قُـلْـنَا رُدَّنا إِلَى الدُّنْـيَا فَـنَـزْهَدُ فِـيهَـا ،
قِيلَ لَـنَـا : كَذِبـْتُمْ !
قـَالَ : وَيْحَكَ ! كَـيْفَ لَـمْ يُكُـلِّمْـنِي غَـيْرُكَ مِنْ بَـيْـنِـهِـمْ ؟
قَـالَ : يَا رُوحَ الله ! إِنَّهُمْ مـُلْجَمُـونَ بِـلِـجامٍ مِنْ نَـار بِأَيْدِي مـَلائِـكَـةٍ غِـلاظٍ شِـدَادٍ ، وإِنّي كُـنْتُ فِيهِمْ وَلَـمْ أَكُـنْ مِنْـهُـمْ ،
ـ فَـلَـمَّـا نَـزَلَ الـعَذَابُ عَـمَّـنِي (5) مَعَـهُـمْ ، فَـأَنَا مُـعَـلَّـقٌ بِـشَعْـرَةٍ ، عَـلَى شَفِـيرِ جَـهَـنَّـم (6) ، لا أَدْرِي اُكَـبْكَـبُ (7) فِـيهَـا أَمْ أَنْجُو مِـنْـهَا ،
فَالْـتَفَـتَ عِيسَى (عَـلَيْهِ السَّلام) إِلَى الحَوَارِيِّين فَـقَـالَ : يَا أَوْلِـيَـاءَ الله ! أَكْـلُ الخـُبْـزِ الـيَابِسِ بالـمِـلْحِ الـجَـرِيش (8) وَالـنَّـوْمُ عَـلَى الـمَزَابِـلِ خَـيْرٌ كَـثِيرٌ مَـعَ عَـافِـيَةِ الدُّنُـيَا وَالآخِرَة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(( الشَّرح ))
(1) ـ سُخْـطَة : غَضَب .
(2) ـ نَجْـتَـنِـبُـهَا : إِجْـتَـنَبَ الشَّيْء : إِبْـتَعَدَ عَـنْهُ .
(3) ـ الشَّرَف : المَكَـانُ العَالِي وَالـمَـوْضِعُ الـمُرْتِـفِـع .
(4) ـ وَيْحَكُـمْ : وَيْح بِمَـعْـنَى التَّرَحُّمْ وَالتَّوَجُّع ، كَمْا أَنَّ ( وَيْلٌ ) كَـلِمَـةُ الـعَـذَاب ، وَبَـعْضُ اللغَوِيّين يَسْتَـعْـمِل كُـلاً مِنْـهُمَـا مَكَـانَ الأخْرَى .
(5) ـ عَمـَّنِي : شَمَلَنِي .
(6) ـ شَفِير جَهَنَّم : طَرَفُهُ .
(7) ـ أكَـبْـكَـبُ : كَـبْكَبَ : رَمَاهُ فِي الـهُـوَّة .
(8) ـ الجَـرِيش : أَلذِي طَحْـنَـتُهُ غَيْرُ نَاعِم .
تعليق