بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين
روى الشيخ في مصباحه 2 : 842 و السيد بن طاووس في الإقبال 3 : 331 أن مما يدعى به في ليلة النصف من شعبان الدعاء التالي :
(( اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها ، وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها فضلا ، فتمت كلمتك صدقا وعدلا ، لا مبدل لكلماتك ولا معقب لآياتك ، نورك المتألق وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور ، جل مولده وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله ناصره ومؤيده إذا آن ميعاده والملائكة امداده .
سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو ، مدار الدهر ونواميس العصر وولاة الامر وولاة الامر والمنزل عليهم ما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر ، وتراجمه وحيه وولاة امره ونهيه . اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم ، المستور عن عوالمهم ، وأدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه ، واجعلنا من أنصاره ، واقرن ثارنا بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه ، واحينا في دولته ناعمين وبصحبته غانمين ، وبحقه قائمين ، ومن السوء سالمين يا ارحم الراحمين .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى أهل بيته الصادقين وعشرته الناطقين ، والعن جميع الظالمين ، واحكم بيننا وبينهم يا احكم الحاكمين )) .
ويشتمل هذا الدعاء بنحو من الإيجاز على عدة مواضيع :
◀️1ـ فضل ليلة النصف .
وقد بين الدعاء أن لها فضل في نفسها ثم أضيف إليها فضل ولادة ولي الله الأعظم ( عليه السلام ) فيها ، (اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها ، وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها فضلا).
وقد فرع الدعاء على تحقق هذا الاقتران تمام كلمات الله تعالى على نحو الحتم غير القابل للتبديل والتغيير (فتمت كلمتك صدقا وعدلا ، لا مبدل لكلماتك ولا معقب لآياتك) .
إن هذا المقطع من الدعاء يضع القارئ أمام مجموعة من الأسئلة الجديرة بالبحث والتأمل : ما هي عظمة هذه الليلة ؟ وما هو المقصود من حقها ؟ وعلى من يثبت هذا الحق ؟ وما هي مقتضياته ومتطلباته ؟ ولماذا قرن الله فضلها بولادة خاتم الأوصياء (عليهم السلام) ؟ وما العلاقة بين هذا القرن وتمام الكلمة بالنحو الحتمي ؟
إن للكلمة في القرآن عدة احتمالات ، فإنه من المحتم أن يراد منها (كن) التي هي بداية كل شيء حادث ، ومن المحتمل أن يراد بها نفس الخلقة إذ وجود الكائنات مظاهر الحق ودلائل وجوده وهي تشي بالوجود المطلق كما تشي الكلمات بالمعاني الموضوعة لها ، ويحتمل أن يراد بالكلمة وجود شريف خاص كالكلمات التي تلقاها آدم من ربه و ابتلي بها آدم فكانت سببا لتوبة الأول ، ورفعة الثاني (سلام الله عليهما ) ، وعلى جميع هذه الاحتمالات وغيرها فإن تمام هذه الحقيقة على مستوى الحقيقة والواقع الناجز وعلى مستوى اتصاف هذا الواقع بالحسن والعدل لم يكن إلا في اقتران هذه الليلة بالمولد المهدوي الشريف ، فأي سير منطوي في هذا الاقتران ترتب عليه هذا الأثر العظيم الذي به تمام الصدق والعدل ؟
إن هذه العظمة هي التي جعلت الدعاء يمارس التوسل بالليلة ومن اقترنت ولادته بهذه الليلة ، وهذا ما يعني أن ليلة ميلاد الحجة (عليه السلام) ليلة العروج إلى الله وتخطي حجب اللقاء به.
◀️2ـ عظمة المولود .
فقد وصفه الدعاء بالأوصاف العظيمة التي تبين جلالة قدره وعظم دوره وموقعية الإيمان به في الدين .
( نورك المتألق وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور جل مولده وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله ناصره ومؤيده إذا آن ميعاده والملائكة امداده .
سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو ، مدار الدهر ونواميس العصر وولاة الامر وولاة الامر والمنزل عليهم ما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر ، وتراجمه وحيه وولاة امره ونهيه).
فالمولود نور ، ولكنه ليس مطلق النور بل نور الله المتألق ، ولهذه الإضافة دلالة ، فهي إضافة إلى الضمير (ك) الراجع إلى ذات الله المستجمعة لجميع الصفات ، فهو تجل الذات بما تحويه من كمالات لا حد لها ، و شرافته ليست في الإضافة إلى الذات المتعينة في صفة خاصة ، بل بالإضافة إلى الله ، وهذا النحو من المظهرية للذات أكد عليه الدعاء بعطف (ضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ) فهو نور وضياء مشرق يحمل في ذاته بالإضافة الإشراقية إلى الذات المتعالية فاعلية الإشراق ، فليس قابلاً عاكساً وإننا هو فاعل منعكس يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد بحسب قابلياتها المتفاوتة والتي قد تبلغ موانع استقبالها حد التراكب وهذا ما يستفاد من إضافة (طخياء الديجور) فإن الطخياء الليلة المظلمة ، والديجور هو الظلمة ، فنوره المشرق الفعال يبلغ قلوب طلاب الهداية في ليلة الظلمة المظلمة .
وقد تسأل : كيف كان (عليه السلام ) مشرقاً ينعكس نوره في مرآيا القلوب وهو مجرى نور الله ومنه وبه صار نوراً ؟
والجواب : هو أن قربه من الذات أوجب ترتب آثارها عليه فكان مشرقا بإشراقها ، نظير الذهب المنصهر بالنار ، فإنه ليس ناراً حقيقة ، ولكن تجري عليه آثارها وهذا أحد معاني ( لا فرق بينك وبينه إلا أنهم عبادك وخلقك).
في ظل هذه الحقيقة ينبغي أن نتحدث عن كل ما يرتبط بهذا المولود ، فهو وإن كان مستوراً إلا أنه ظاهر بنفسه مظهر لغيره لأنه النور المشرق ، وإذ كان مظهر الذات فجليل و عظيم مولده وكريم محتده أي أصله ، والملائكة شده وأعوانه ، والله ناصره لأنه خليفته والنائب عنه ، والقائم بأمره ، فهو سيف الله الذي لا ينبو أي لا يرتد بلا أن يقطع وينفذ ما يراد منه ، وهو (ونوره الذي لا يخبو ) أي لا ينطفئ و ( ذو الحلم الذي لا يصبو) ويرجع إلى الجهل كالصبية عديمي المعرفة فاقدي الأنات والتأمل وإذ كان هو تمام الكلمة في الصدق والعدل فهو ( مدار الدهر) و حول مصباحه تحلق فراشات الحقيقة ، يجذبها بجماله ، وترى في قربه كمالها والإنس الذي يرفع من فؤادها وحشة الظلمة .
◀️3ـ العظيم واحد من عظماء .
بعد أن بين الدعاء عظمة المولود بين لنا أن هذا المولود لا يتفرد بكونه مظهر الحق ومستودع تجلياته ، ومحط تأييداته فقال (ونواميس العصر وولاة الامر وولاة الامر والمنزل عليهم ما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر ، وتراجمه وحيه وولاة امره ونهيه) ، فهو (عليه السلام) ابن الخيرة المهذبين ، و ابن الغطارفة الأنجبين ، و ابن الأطائب المطهرين ، و ابن الخضارمة المنتجبين ، و ابن القماقمة الأكرمين ، و ابن البدور المنيرة ، و ابن السرج المضيئة ، و ابن الشهب الثاقبة ، و ابن الأنجم الزاهرة ، و ابن السبل الواضحة ، و ابن الاعلام اللائحة ، و ابن العلوم الكاملة ، و ابن السنن المشهورة . ابن المعالم المأثورة ، و ابن المعجزات الموجودة ، و ابن الدلائل المشهورة ، و ابن الصراط المستقيم ، و ابن النبأ العظيم ، و ابن من هو في أم الكتاب لدى الله علي حكيم ، و ابن الآيات البينات ، و ابن الدلائل الظاهرات ، وابن البراهين الباهرات ، و ا بن الحجج البالغات ، و ابن النعم السابغات ، و ابن طه والمحكمات ، و ابن يس والذاريات ، و ابن الطور والعاديات ،و ابن من دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، دنوا واقترابا من العلي الاعلى .
◀️ 4ـ فضل الكون معه والعمل في خدمته وخدمة أهدافه .
(وأدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه ، واجعلنا من أنصاره ، واقرن ثارنا بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه)
إن الكون معه بالنحو المطلوب لا يكون إلا بالاستعداد الناسب له ، وهو المراد من الانتظار للفرج الذي عد في جملة من الروايات أفضل الأعمال ، فإن انتظار كل شيء بحسبه وانتظار نور الله وتجليه الأعظم والقائم بأمره ، وخليفته المعظم لا يكون إلا بإعداد العقل لصدقه ، والقلب لمودته ، والفعل لعدله ، وتتميم العقل والقلب والفعل ليكون موافقاً لتمام الكلمة الإلهية صدقاً وعدلاً يترتب عليه تسامي النفي عن (الأنا) ومحوريتها في مقام الإرادة ، وهذا معنا ( واقرن ثأرنا بثأره واكتبنا في أعوانه وخلصائه ) فإن المؤمن الخالص من يجعل منطلقاته الثأر لله تعالى لا إشباع غريزته الذاتية ، ولهذا هو يقرن ثأره بثأر الله تعالى ، ويكون طلبه لله عز وجل .
وهكذا تنزل بنا الدعاء من منطقة العلم والعقل النظري ، إلى منطقتي الجوانح والجوارح لينتظم الإنسان في عمله وفق عقل عملي يتناغم في خطواته مع ما يدركه العقل النظري من معرفة لله ولأوليائه .
◀️5ـ كمال الموقف العملي .
فقد بين الدعاء أن كمال الموقف العملي الذي يتناسب مع المدرك المعرفي في التوحيد والنبوة والإمامة يتمثل في الولاية لله ولأوليائه ، والبراءة من أعدائهم ، فالدعاء من جهة يقول : (اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم ، المستور عن عوالمهم ، وأدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه ، واجعلنا من أنصاره ، واقرن ثارنا بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه ، واحينا في دولته ناعمين وبصحبته غانمين ، وبحقه قائمين ، ومن السوء سالمين يا ارحم الراحمين ) وبهذا يكون مبيناً للولاية كسلوك عملي يكشف عن المشاعر و الأحاسيس القلبية التي اقتضت الصلاة عليهم وطلب الكون معهم ومعاونتهم .
ومن جهة أخرى جاء في الدعاء : ( والعن جميع الظالمين ، واحكم بيننا وبينهم يا احكم الحاكمين ) و هذا بيان للبراءة كبرنامج أساس في ليلة تمام الكلمة صدقاً وعدلاً ، فإن اللعن في هذا الدعاء تربية للداعي وبيان لموقف و إعلان للانحياز للحق على الباطل وممارسة للبراءة فهلا في كل ذلك ، فاللعن ثقافة عملية يربي عليها هذا الدعاء كما يربي عليها القرآن الكريم والروايات المتواترة عن أهل البيت (عليهم السلام).
والحمد لله رب العالمين
بقلم : سماحة الشيخ حيدر السندي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين
روى الشيخ في مصباحه 2 : 842 و السيد بن طاووس في الإقبال 3 : 331 أن مما يدعى به في ليلة النصف من شعبان الدعاء التالي :
(( اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها ، وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها فضلا ، فتمت كلمتك صدقا وعدلا ، لا مبدل لكلماتك ولا معقب لآياتك ، نورك المتألق وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور ، جل مولده وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله ناصره ومؤيده إذا آن ميعاده والملائكة امداده .
سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو ، مدار الدهر ونواميس العصر وولاة الامر وولاة الامر والمنزل عليهم ما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر ، وتراجمه وحيه وولاة امره ونهيه . اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم ، المستور عن عوالمهم ، وأدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه ، واجعلنا من أنصاره ، واقرن ثارنا بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه ، واحينا في دولته ناعمين وبصحبته غانمين ، وبحقه قائمين ، ومن السوء سالمين يا ارحم الراحمين .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد خاتم النبيين والمرسلين وعلى أهل بيته الصادقين وعشرته الناطقين ، والعن جميع الظالمين ، واحكم بيننا وبينهم يا احكم الحاكمين )) .
ويشتمل هذا الدعاء بنحو من الإيجاز على عدة مواضيع :
◀️1ـ فضل ليلة النصف .
وقد بين الدعاء أن لها فضل في نفسها ثم أضيف إليها فضل ولادة ولي الله الأعظم ( عليه السلام ) فيها ، (اللهم بحق ليلتنا هذه ومولودها ، وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها فضلا).
وقد فرع الدعاء على تحقق هذا الاقتران تمام كلمات الله تعالى على نحو الحتم غير القابل للتبديل والتغيير (فتمت كلمتك صدقا وعدلا ، لا مبدل لكلماتك ولا معقب لآياتك) .
إن هذا المقطع من الدعاء يضع القارئ أمام مجموعة من الأسئلة الجديرة بالبحث والتأمل : ما هي عظمة هذه الليلة ؟ وما هو المقصود من حقها ؟ وعلى من يثبت هذا الحق ؟ وما هي مقتضياته ومتطلباته ؟ ولماذا قرن الله فضلها بولادة خاتم الأوصياء (عليهم السلام) ؟ وما العلاقة بين هذا القرن وتمام الكلمة بالنحو الحتمي ؟
إن للكلمة في القرآن عدة احتمالات ، فإنه من المحتم أن يراد منها (كن) التي هي بداية كل شيء حادث ، ومن المحتمل أن يراد بها نفس الخلقة إذ وجود الكائنات مظاهر الحق ودلائل وجوده وهي تشي بالوجود المطلق كما تشي الكلمات بالمعاني الموضوعة لها ، ويحتمل أن يراد بالكلمة وجود شريف خاص كالكلمات التي تلقاها آدم من ربه و ابتلي بها آدم فكانت سببا لتوبة الأول ، ورفعة الثاني (سلام الله عليهما ) ، وعلى جميع هذه الاحتمالات وغيرها فإن تمام هذه الحقيقة على مستوى الحقيقة والواقع الناجز وعلى مستوى اتصاف هذا الواقع بالحسن والعدل لم يكن إلا في اقتران هذه الليلة بالمولد المهدوي الشريف ، فأي سير منطوي في هذا الاقتران ترتب عليه هذا الأثر العظيم الذي به تمام الصدق والعدل ؟
إن هذه العظمة هي التي جعلت الدعاء يمارس التوسل بالليلة ومن اقترنت ولادته بهذه الليلة ، وهذا ما يعني أن ليلة ميلاد الحجة (عليه السلام) ليلة العروج إلى الله وتخطي حجب اللقاء به.
◀️2ـ عظمة المولود .
فقد وصفه الدعاء بالأوصاف العظيمة التي تبين جلالة قدره وعظم دوره وموقعية الإيمان به في الدين .
( نورك المتألق وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب المستور جل مولده وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله ناصره ومؤيده إذا آن ميعاده والملائكة امداده .
سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو ، مدار الدهر ونواميس العصر وولاة الامر وولاة الامر والمنزل عليهم ما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر ، وتراجمه وحيه وولاة امره ونهيه).
فالمولود نور ، ولكنه ليس مطلق النور بل نور الله المتألق ، ولهذه الإضافة دلالة ، فهي إضافة إلى الضمير (ك) الراجع إلى ذات الله المستجمعة لجميع الصفات ، فهو تجل الذات بما تحويه من كمالات لا حد لها ، و شرافته ليست في الإضافة إلى الذات المتعينة في صفة خاصة ، بل بالإضافة إلى الله ، وهذا النحو من المظهرية للذات أكد عليه الدعاء بعطف (ضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ) فهو نور وضياء مشرق يحمل في ذاته بالإضافة الإشراقية إلى الذات المتعالية فاعلية الإشراق ، فليس قابلاً عاكساً وإننا هو فاعل منعكس يشرق من صبح الأزل فيلوح على هياكل التوحيد بحسب قابلياتها المتفاوتة والتي قد تبلغ موانع استقبالها حد التراكب وهذا ما يستفاد من إضافة (طخياء الديجور) فإن الطخياء الليلة المظلمة ، والديجور هو الظلمة ، فنوره المشرق الفعال يبلغ قلوب طلاب الهداية في ليلة الظلمة المظلمة .
وقد تسأل : كيف كان (عليه السلام ) مشرقاً ينعكس نوره في مرآيا القلوب وهو مجرى نور الله ومنه وبه صار نوراً ؟
والجواب : هو أن قربه من الذات أوجب ترتب آثارها عليه فكان مشرقا بإشراقها ، نظير الذهب المنصهر بالنار ، فإنه ليس ناراً حقيقة ، ولكن تجري عليه آثارها وهذا أحد معاني ( لا فرق بينك وبينه إلا أنهم عبادك وخلقك).
في ظل هذه الحقيقة ينبغي أن نتحدث عن كل ما يرتبط بهذا المولود ، فهو وإن كان مستوراً إلا أنه ظاهر بنفسه مظهر لغيره لأنه النور المشرق ، وإذ كان مظهر الذات فجليل و عظيم مولده وكريم محتده أي أصله ، والملائكة شده وأعوانه ، والله ناصره لأنه خليفته والنائب عنه ، والقائم بأمره ، فهو سيف الله الذي لا ينبو أي لا يرتد بلا أن يقطع وينفذ ما يراد منه ، وهو (ونوره الذي لا يخبو ) أي لا ينطفئ و ( ذو الحلم الذي لا يصبو) ويرجع إلى الجهل كالصبية عديمي المعرفة فاقدي الأنات والتأمل وإذ كان هو تمام الكلمة في الصدق والعدل فهو ( مدار الدهر) و حول مصباحه تحلق فراشات الحقيقة ، يجذبها بجماله ، وترى في قربه كمالها والإنس الذي يرفع من فؤادها وحشة الظلمة .
◀️3ـ العظيم واحد من عظماء .
بعد أن بين الدعاء عظمة المولود بين لنا أن هذا المولود لا يتفرد بكونه مظهر الحق ومستودع تجلياته ، ومحط تأييداته فقال (ونواميس العصر وولاة الامر وولاة الامر والمنزل عليهم ما ينزل في ليلة القدر وأصحاب الحشر والنشر ، وتراجمه وحيه وولاة امره ونهيه) ، فهو (عليه السلام) ابن الخيرة المهذبين ، و ابن الغطارفة الأنجبين ، و ابن الأطائب المطهرين ، و ابن الخضارمة المنتجبين ، و ابن القماقمة الأكرمين ، و ابن البدور المنيرة ، و ابن السرج المضيئة ، و ابن الشهب الثاقبة ، و ابن الأنجم الزاهرة ، و ابن السبل الواضحة ، و ابن الاعلام اللائحة ، و ابن العلوم الكاملة ، و ابن السنن المشهورة . ابن المعالم المأثورة ، و ابن المعجزات الموجودة ، و ابن الدلائل المشهورة ، و ابن الصراط المستقيم ، و ابن النبأ العظيم ، و ابن من هو في أم الكتاب لدى الله علي حكيم ، و ابن الآيات البينات ، و ابن الدلائل الظاهرات ، وابن البراهين الباهرات ، و ا بن الحجج البالغات ، و ابن النعم السابغات ، و ابن طه والمحكمات ، و ابن يس والذاريات ، و ابن الطور والعاديات ،و ابن من دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، دنوا واقترابا من العلي الاعلى .
◀️ 4ـ فضل الكون معه والعمل في خدمته وخدمة أهدافه .
(وأدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه ، واجعلنا من أنصاره ، واقرن ثارنا بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه)
إن الكون معه بالنحو المطلوب لا يكون إلا بالاستعداد الناسب له ، وهو المراد من الانتظار للفرج الذي عد في جملة من الروايات أفضل الأعمال ، فإن انتظار كل شيء بحسبه وانتظار نور الله وتجليه الأعظم والقائم بأمره ، وخليفته المعظم لا يكون إلا بإعداد العقل لصدقه ، والقلب لمودته ، والفعل لعدله ، وتتميم العقل والقلب والفعل ليكون موافقاً لتمام الكلمة الإلهية صدقاً وعدلاً يترتب عليه تسامي النفي عن (الأنا) ومحوريتها في مقام الإرادة ، وهذا معنا ( واقرن ثأرنا بثأره واكتبنا في أعوانه وخلصائه ) فإن المؤمن الخالص من يجعل منطلقاته الثأر لله تعالى لا إشباع غريزته الذاتية ، ولهذا هو يقرن ثأره بثأر الله تعالى ، ويكون طلبه لله عز وجل .
وهكذا تنزل بنا الدعاء من منطقة العلم والعقل النظري ، إلى منطقتي الجوانح والجوارح لينتظم الإنسان في عمله وفق عقل عملي يتناغم في خطواته مع ما يدركه العقل النظري من معرفة لله ولأوليائه .
◀️5ـ كمال الموقف العملي .
فقد بين الدعاء أن كمال الموقف العملي الذي يتناسب مع المدرك المعرفي في التوحيد والنبوة والإمامة يتمثل في الولاية لله ولأوليائه ، والبراءة من أعدائهم ، فالدعاء من جهة يقول : (اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم ، المستور عن عوالمهم ، وأدرك بنا أيامه وظهوره وقيامه ، واجعلنا من أنصاره ، واقرن ثارنا بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه ، واحينا في دولته ناعمين وبصحبته غانمين ، وبحقه قائمين ، ومن السوء سالمين يا ارحم الراحمين ) وبهذا يكون مبيناً للولاية كسلوك عملي يكشف عن المشاعر و الأحاسيس القلبية التي اقتضت الصلاة عليهم وطلب الكون معهم ومعاونتهم .
ومن جهة أخرى جاء في الدعاء : ( والعن جميع الظالمين ، واحكم بيننا وبينهم يا احكم الحاكمين ) و هذا بيان للبراءة كبرنامج أساس في ليلة تمام الكلمة صدقاً وعدلاً ، فإن اللعن في هذا الدعاء تربية للداعي وبيان لموقف و إعلان للانحياز للحق على الباطل وممارسة للبراءة فهلا في كل ذلك ، فاللعن ثقافة عملية يربي عليها هذا الدعاء كما يربي عليها القرآن الكريم والروايات المتواترة عن أهل البيت (عليهم السلام).
والحمد لله رب العالمين
بقلم : سماحة الشيخ حيدر السندي
تعليق