بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
عند مراجعة كتب السيرة والتاريخ نجد أن هناك تفاوتاً كبيراً في الروايات التي ذكرت عمر خديجة عليها السلام حين اقترانها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان العمر الذي ابتدأت به هذه الروايات (خمساً وعشرين سنة) (دلائل النبوة للبيهقي: ج2، ص71).
بينما العمر الذي انتهت به كان (ستاً وأربعين سنة)( انساب الأشراف للبلاذري: ص98) ومن خلال هذا التفاوت نلمس انه هناك حقيقة ضائعة وهي التي تحدد لنا حقيقة عمرها حينما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكي نتمكن من الوصول إلى هذه الحقيقة اعتمدنا على الأمور التالية:
المسألة الأولى: رواية البيهقي (المتوفى سنة 458هـ)
ذكر البيهقي في الدلائل: أن عمر خديجة عليها السلام حين الوفاة كان (خمسين) سنة، ولقد عدّه العمر الصحيح وهذا قوله: (لقد بلغت خديجة خمساً وستين سنة، ويقال خمسين وهو أصح)( دلائل النبوة: ج2، ص71).
المسألة الثانية: رواية الحافظ ابن كثير (المتوفى سنة 774هـ)
ولقد اعتمد الحافظ ابن كثير أيضاً على رواية البيهقي، إذ ذهب إلى أن عمر خديجة عليها السلام حين الوفاة كان خمسين سنة(سيرة ابن كثير: ج1 ص264).
المسألة الثالثة: رواية الحاكم النيسابوري (المتوفى سنة 405هـ)
المسألة الرابعة: رواية محمد بن إسحاق المطلبي صاحب السير (المتوفى سنة 151هـ)
المسألة الخامسة: رواية الحافظ ابن عساكر الدمشقي (المتوفى سنة 571هـ)
أما الحاكم النيسابوري فقد عدّ القول الذي ذكر أن عمر خديجة حين الوفاة كان خمساً وستين قولاً شاذاً وأضـاف: (إنّ الـذي عندي أنها لم تبلغ الستين سنة)( المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج3، ص182).
لكنّ الحاكم النيسابوري قد بيّن العمر الذي بلغته خديجة حين الوفاة وذلك من خلال الرواية التي أخرجها عن محمد بن إسحاق الذي ذكر أن خديجة كان لها يوم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمان وعشرون سنة، ولم يذكر سواها.
وهذا يعني أن عمرها حين الوفاة كان اثنين وخمسين سنة، لأن الفترة التي عاشتها خديجة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت خمساً وعشرين سنة(تاريخ الخميس: ج1، ص264).
أي: إن محمد بن إسحاق يشير إلى أن عمر خديجة عليها السلام حين الوفاة كان: اثنين وخمسين سنة.
أما ابن عساكر فقد ذكر: أنها توفيت عن عمر ناهز الخمس والخمسين سنة(كتاب الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين لابن عساكر الدمشقي: ص52).
إذن:
هذه الأقوال تدل على ان العمر الذي بلغته أم المؤمنين خديجة عليها السلام حين الوفاة كان في الخمسين، فلْنأتِ الآن وننظر إلى أقوال المؤرخين في تحديد السنة التي توفيت فيها كي نصل إلى معرفة السنة التي تزوجت فيها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكم كان لها من العمر حين الزواج؟.
أولاً: وفاتها في السنة العاشرة من البعثة
ذكر أكثر المؤرخين أن خديجة توفيت في السنة العاشرة من البعثة قبل الهجرة بثلاث سنين(التبيين في أنساب القرشيين: ص73).
وهذا يعني: أن عمرها حينما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أربعين سنة، وهو العمر الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
بمعنى أدق: أنها كانت بعمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ثانيا: زواجها قبل البعثة بخمس عشرة سنة
أما عمرها حين الزواج فقد ذكروا: «أنها تزوجت قبل البعثة بخمسة عشر عاماً»( حدائق الأنوار: ج1، ص155) مما يدل على أنها حينما اقترنت بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان عمرها خمساً وعشرين سنة؟
لأنها عليها السلام عاشت مع النبي الأكرم (خمساً وعشرين) سنة منها خمس عشرة سنة قبل البعثة وعشر سنوات بعدها وتوفيت ولها من العمر خمسون سنة.
ثالثا: عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان خمساً وعشرين سنة
وإذا أخذنا بأكثر الأقوال شهرةً في عمر النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عندما تزوج بها عليها السلام وهو «خمس وعشرون سنة»( التاريخ الصغير للبخاري: ج1، ص43) فان عمر خديجة حين الزواج سيكون مساوياً لعمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
رابعا: إن عمره صلى الله عليه وآله وسلم حينما تزوج خديجة عليها السلام كان خمساً وثلاثين سنة
أما في حال الأخذ بالروايات التي ذكرت عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين الزواج كان «ثلاثين» ( تاريخ الخميس: ج1، ص263) و«خمسة وثلاثين» ( الأوائل لأبي هلال العسكري: ج1، ص161) و«سبعة وثلاثين» ( العقد الثمين: ج1، ص224) فهذا يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أكبر من خديجة عليها السلام عندما اقترن بها بـ:
1. خمس سنوات لأن عمرها كان خمساً وعشرين سنة وعمر النبي ثلاثين وذلك وفق الرواية الأولى.
2. أو انه صلى الله عليه وآله وسلم أكبر من خديجة بعشر سنوات على وفق الرواية الثانية.
3. أو أنه يكبرها بـ«اثنتي عشرة» سنة على وفق الرواية الثالثة.
وهو عكس ما ذكر من أنها عليها السلام كانت أسن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وعليه:
فإننا نستدل من خلال ما ذكر أن عمر خديجة عليها السلام وقت الزواج كان خمساً وعشرين سنة وهو نفس العمر الذي بلغه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الزواج والذي قال به أكثر المؤرخين والمحققين وما نسخته أيدي أهل السير.
فضلاً عن أن كثيراً من المصادر قد ذكرت أن عمر خديجة عليها السلام كان «خمساً وعشرين» (السيرة النبوية لابن كثير: ج1، ص265) سنة؛ وبعضهم قد اقتصر على رواية واحدة وهي: أن عمرها كان «ثمانياً وعشرين» (مستدرك الحاكم: ج3، ص82) مما يدل على أنهم يرون أن عمرها كان مقارباً لعمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يكن هو أكبر منها لما ذكر سابقاً.
أما ما ذكره البعض من ان أم المؤمنين خديجة عليها السلام كان عمرها في الأربعين حين تزوجها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وانها تزوجت قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رجلين لم تعرفهما شعاب مكة ولم تطأ أقدامهما بواديها.
فهو مما صاغته يد المتزلفة للحكام الأمويين وغيرهم من أصحاب الأغراض والأمراض ــ زادهم الله مرضا ــ وهو غيض من فيض مما عصفت به تلك الأكاذيب بمقدرات الإسلام والمسلمين.
بالوسائل الإعلامية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية كافة حتى سجل التاريخ الإسلامي بذلك سابقة فريدة لم يشهدها تاريخ أمّة من الأمم، فأي أمّة اجتمعت على أن تشن حرباً ضروساً ضد امرأة وهي لا تملك من الناصر سوى بعلها حتى ماتت مقتولة، ومضت إلى ربها شهيدة ومحتسبة
تعليق