م
على طرفي أمنية
كيف يستطيع هذا الرأس الصغير أن يحمل العالم كله بمعانيه المذهلة؟ ربما حياته الهادئة جعلته يعشق الدخول الى عمق كل مسألة، ويناقشها من عدة أوجه.. الأمر الذي جعل الاستفسارات تتشعب، فتأخذ بجلباب فضول صاحبه الذي راح يستفسر عن كثير من الأمور، ويحاوره بما يسمع من الآخرين:ـ عباس، هل حقاً أن الايمان وحده لا يكفي في الحرب؟
أجابه بهدوء متسائلاً:ـ وهل نحن نقاتل بالإيمان وحده؟
صاح مستفسراً:ـ ما دور الايمان إذن؟
:ـ الايمان يصقل النصر، يهذبه يجعله راشداً؛ كي لا يفقد في يوم ما معناه، ومثل هذه المحاورات تحدث دائماً، وتستوقف ذهنه الكثير من كلماته.
:ـ عباس، لماذا تحب أن ينادوك بالشهيد عباس؟ ثم يردف سؤاله بأسئلة أخرى تكون مفتاحاً لأسئلة جديدة.
:ـ عباس كيف لنا أن نحمل الشهادة ونحن أحياء؟
فيجيبه عباس بهدوء الصابرين:ـ المقاتل يا صديقي مشروع دائم للشهادة في كل آن ومكان.
كان عباس شاب محبوب من قبل الجميع، وهو كان يحبه لدرجة لا يطيق أن يراه صامتاً، بصريّ تطوع منذ بداية النداء المبارك، وعاشر الحرب بكل صمتها وصخبها، سأله يوماً أحد المقاتلين:ـ ماذا ستسميه؟
:ـ من؟
:ـ ولدك؟
:ـ سأسميه إن شاء الله.. عباس.
من هنا تبدأ أطر الحكاية التي أذهلت الجميع، ست سنوات زواج لم تثمر عن مولود، راجعوا الأطباء الى أن شعروا باليأس، فتوجهوا بعدها الى مراقد الأئمة (عليهم سلام الله)، يرفعون يد الدعاء: إلهي بحق الحسين عليك ارزقني ولداً، يحمل من بعدي اسمي، قبل التحاقي بركب الحسين شهيداً.
أشياء أذهلت عقلية أصدقائه لامتلاكه أمنيتين حادتين في نفس الوقت، يتمنى أن يكون أباً وهو على ابواب تحقيق الأمنية، الزوجة في الشهر التاسع من الحمل، والمولود قادم بعون الله تعالى.. وهذه القضية بعثت في نفسه الكثير من الرضا بأن المنجز وليد الدعاء.
الابن قربت ولادته، ولم يتبق من الانتظار الطويل إلا خاتمته السعيدة، والأمنية الثانية هي الالتحاق بركب الشهادة، كيف لمن ينتظر مولوده أن يتعلق بأمنية أخرى تغيب وجوده، كيف له أن يتمنى الشهادة بهذه البهجة المطمئنة، ولهذا أصبح اسم الابن الجنين وهو مجرد مقترح، يشعر من حوله بعظمة هذا المؤثر الايماني، ومع هذا هم يطالبوه بتغيير الاسم وبإلحاح غريب.
الاسم المكرور يدفعهم للقلق على حياته، وذات فجر حصل أمر مقلق، إذ رأى طائرة تحوم، توجس منها، سرعان ما اكتشف الأمر، صاح:ـ إنه انزال مخطط يقع خلف وحداتنا.
وبدون تردد.. ركض باتجاه التلال القريبة، نصب لهم كميناً ثم شاغلهم باسم الله.. وافشل لوحده الانزال لوحده.. وبعدها احتضنه أصدقاؤه بطلاً مضمخاً بالجراح.
:ـ جراحك خطيرة يا عباس..! التفت صوب صاحبه مبتسماً: لا تقلق أبداً.. السماء كربلائية والركب الحسيني قريب، خذ موبايلي عندك أخبرهم بأمنيتي.. بشرهم بما حققت من فوز.. وأخبرهم أن يكون اسم ولدي عباس.. سينادونه حين يكبر عباس عباس.
على طرفي أمنية
كيف يستطيع هذا الرأس الصغير أن يحمل العالم كله بمعانيه المذهلة؟ ربما حياته الهادئة جعلته يعشق الدخول الى عمق كل مسألة، ويناقشها من عدة أوجه.. الأمر الذي جعل الاستفسارات تتشعب، فتأخذ بجلباب فضول صاحبه الذي راح يستفسر عن كثير من الأمور، ويحاوره بما يسمع من الآخرين:ـ عباس، هل حقاً أن الايمان وحده لا يكفي في الحرب؟
أجابه بهدوء متسائلاً:ـ وهل نحن نقاتل بالإيمان وحده؟
صاح مستفسراً:ـ ما دور الايمان إذن؟
:ـ الايمان يصقل النصر، يهذبه يجعله راشداً؛ كي لا يفقد في يوم ما معناه، ومثل هذه المحاورات تحدث دائماً، وتستوقف ذهنه الكثير من كلماته.
:ـ عباس، لماذا تحب أن ينادوك بالشهيد عباس؟ ثم يردف سؤاله بأسئلة أخرى تكون مفتاحاً لأسئلة جديدة.
:ـ عباس كيف لنا أن نحمل الشهادة ونحن أحياء؟
فيجيبه عباس بهدوء الصابرين:ـ المقاتل يا صديقي مشروع دائم للشهادة في كل آن ومكان.
كان عباس شاب محبوب من قبل الجميع، وهو كان يحبه لدرجة لا يطيق أن يراه صامتاً، بصريّ تطوع منذ بداية النداء المبارك، وعاشر الحرب بكل صمتها وصخبها، سأله يوماً أحد المقاتلين:ـ ماذا ستسميه؟
:ـ من؟
:ـ ولدك؟
:ـ سأسميه إن شاء الله.. عباس.
من هنا تبدأ أطر الحكاية التي أذهلت الجميع، ست سنوات زواج لم تثمر عن مولود، راجعوا الأطباء الى أن شعروا باليأس، فتوجهوا بعدها الى مراقد الأئمة (عليهم سلام الله)، يرفعون يد الدعاء: إلهي بحق الحسين عليك ارزقني ولداً، يحمل من بعدي اسمي، قبل التحاقي بركب الحسين شهيداً.
أشياء أذهلت عقلية أصدقائه لامتلاكه أمنيتين حادتين في نفس الوقت، يتمنى أن يكون أباً وهو على ابواب تحقيق الأمنية، الزوجة في الشهر التاسع من الحمل، والمولود قادم بعون الله تعالى.. وهذه القضية بعثت في نفسه الكثير من الرضا بأن المنجز وليد الدعاء.
الابن قربت ولادته، ولم يتبق من الانتظار الطويل إلا خاتمته السعيدة، والأمنية الثانية هي الالتحاق بركب الشهادة، كيف لمن ينتظر مولوده أن يتعلق بأمنية أخرى تغيب وجوده، كيف له أن يتمنى الشهادة بهذه البهجة المطمئنة، ولهذا أصبح اسم الابن الجنين وهو مجرد مقترح، يشعر من حوله بعظمة هذا المؤثر الايماني، ومع هذا هم يطالبوه بتغيير الاسم وبإلحاح غريب.
الاسم المكرور يدفعهم للقلق على حياته، وذات فجر حصل أمر مقلق، إذ رأى طائرة تحوم، توجس منها، سرعان ما اكتشف الأمر، صاح:ـ إنه انزال مخطط يقع خلف وحداتنا.
وبدون تردد.. ركض باتجاه التلال القريبة، نصب لهم كميناً ثم شاغلهم باسم الله.. وافشل لوحده الانزال لوحده.. وبعدها احتضنه أصدقاؤه بطلاً مضمخاً بالجراح.
:ـ جراحك خطيرة يا عباس..! التفت صوب صاحبه مبتسماً: لا تقلق أبداً.. السماء كربلائية والركب الحسيني قريب، خذ موبايلي عندك أخبرهم بأمنيتي.. بشرهم بما حققت من فوز.. وأخبرهم أن يكون اسم ولدي عباس.. سينادونه حين يكبر عباس عباس.