إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

عبق الولادات..مداد الكلمات

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عبق الولادات..مداد الكلمات

    قصة قصيرة: بعنوان (تائهون في زمن الغيبة​)

    بقلم الكاتبة:أ.م.د.زينة كاظم محسن



    جلس الحاج علي الذي ظهرت على ملامح وجهه إشارات استرجاع ذكرياته، وملأت عيناه صور شبابه التي كان فيها باحثا، وقد عصفت على خديه دمعات الخوف والرجاء، وأخذ شريط عمره يسير به كأنه في محطة قطار كالذي يمضي تحت الأرض ليذكره بما كان مظلما من سني عمر، ثم تتلوها لحظات صمت وخوف وغفلة فهذه الدقائق تمضي كأنها سنوات عجاف وكأنّه يحرك شفتيه صارخا متأوها متألما لما مرّ به من أهوال، فقد كان لا يبصر وله عينين، لا يتحرك فيه حساسات البصر في قلبه، فكانّه يستذكر قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )( الحج/ 46)، فهذا اللحظات التي عصفت به فجأة ولا يعلم هل هو الآن في عِداد الأموات أم الأحياء؟

    حاج علي مخاطبا نفسه:
    هل خرجت روحي لبارئها؟
    هل التحقت بركب البرزخ السائرين لتتمة سيرهم في حصاد أعمالهم؟

    كأنّي الآن أتذكر صديقيّ باقر وجواد...
    آه كم كانت أيام شائقة مع لوحات السواد ولقطات الحزن، ومع البحث والتيه فقد كنّا(، تائهون في زمن الغيبة)
    يا إلهي ما ألطفك! وأكرمك! ( وبِكَ عَرَفْتُكَ وَاَنْتَ دَلَلْتَني عَلَيْكَ وَدَعَوْتَني اِلَيْكَ، وَلَوْلا اَنْتَ لَمْ اَدْرِ ما اَنْت..

    كانت أيام عجاف حين أدركتني رحمتك يا مولاي يا صاحب الزمان إذ أنّي سمعت أستاذنا عبد الزهرة في الجامعة وإلى الآن تهمس في أذني نبرات صوته المميزة إذ ذكر اسم المهدي قائلا: ماذا تعرفون عن الإمام المهدي ( عجّل الله فرجه) فحين قال المهدي!!!
    - أخذتني الدهشة
    - من المــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدي؟ !
    ألا يكفيني أنّي أعرف الحسين "عليه السلام"، وأعرف بعض المعلومات عن كربلاء ممّا أسمعه في المجالس أو الإذاعات فقد كنت أحبّ أن أسمع كثيرا، حتى مع تشويش الكلام في القنوات الإذاعية، فقد كنت أمسك بهوائي نقل الاذاعة حتى يهدأ فقد كان هذا التشويش يشبه تماما ما أعانيه بداخلي، فقد كنت أتمنى أن يمسك أحدهم بنبضات قلبي ويحركها نحو الإشارة القوية الصحيحة المستقيمة... كانت عواصف الانحراف في الخارج تجتاحني كثيرا، ولم أكن استطع أن أميز بين الصواب والغلط، لكنّي كنت أحبُّ الحسين كثيرا وأطلب منه أن يساعدني، وكنت على يقين أن سيد الشهداء لم يتركني أبدا، فقد استقبل الحرّ وكان أول شهيد بين يديه فأين كان وأين صار؟؟؟
    بعد المحاضرة سألت باقر سمعت د.عبد الزهرة يذكر دعاء الفرج، كيف يكون هذا الدعاء؟

    ردّ عليّ باقر بلطف وهدوء، وكأنّه معلم يمسح على رأس تلميذ يتيم، حيث قال لي: إنّه دعاء موجود في مفاتيح الجنان ندعو به للإمام المهدي: فقلت اكتبه لي:
    فكتبه في ورقة صغيرة بخطه مضى على احتفاظي به لأكثر من أربعين سنة، منذ أن كنّا في المرحلة الأولى من الجامعة،
    كان في وسط الصفحة.

    دعاء الفرج
    (اللهم كن لوليك الحجّة بن الحسن صلوات عليك وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا برحمتك يا أرحم الراحمين)( ).

    اخذت الورقة ووضعتها في محفظتي كأنّي حصلت على صك غالي الأثمان، بل لا يمكن تقديره بثمن لسعادتي بهذه الورقة، وهنا بدأت اتساءل كيف هو غائب؟
    وِلمَ لا يظهر؟
    مالأمر الذي يؤخره؟



    وبين هذه الأيام القلائل بين تحرك نحو الحق، ونزغات الشيطان، وهوى النفس، وطيش الشباب، جاء موعد محاضرة الدكتور عبد الزهرة وإذا به في هذه المحاضرة يضحنا برهة ويبكينا برهة، وإذا به هذه المرأة يذكر لنا الزهراء "عليها السلام"
    وحادثة الباب، فزادني بكاءً فحرت في أمري، علام أبكي؟!
    أخذتني الحيرة وكأنّ لسان حالي: ( إلهي اَعِنّي بِالْبُكاءِ عَلى نَفْسي، فَقَدْ اَفْنَيْتُ بِالتَّسْويفِ وَالاْمالِ عُمْري، وَقَدْ نَزَلْتُ مَنْزِلَةَ الاْيِسينَ مِنْ خَيْري).
    فجأة وأنا في شواطئ الحيرة والتيه، وأمطار عيني، انتبهت فجأة لقول الأستاذ:
    - من اللبيب فيكم يكتب بحثا عن المهدي "عليه السلام" عن غيبتيه الصغرى والكبرى، ويقارنها بالنبي موسى (عليه وعلى نبينا وآله السلام)، رفعت يدي لا شعوريا وكأنّي أود النداء بأعلى صوت لا أعرفه، هل لي من معرفة يا مولاي؟؟!!
    وأنا في هذه الزحمة التي أستشعرها بداخلي ورفع جواد يده بودّه أن يكتب ويبحث، وافق الدكتور على طلبه فقال:
    أنت وعلي ستكتبان البحث، وكأنّه وضع لنا تحديا في أن نتمكن في كتابة البحث واتباع خطواته بصورته الصحيحة فضلا عن مطالعة الكتب التراثية من كتاب الغيبة للنعماني والكتاب ذاته للشيغ لطوسي، وللشيخ المفيد كتاب بعنوان الرسائل العشرة في الغيبة، وكمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق، وغيرها من الكتب التي أتعرفها لأول مرة في حياتي كلّها عن الإمام المهدي، وقال: عنوان بحثكما هو الشبه بين غيبة النبي موسى والإمام المهدي (عليهما السلام).. ابحثا واقرآ وحاولا أن تثبتا لي تشابه الغيبتين، وسوف أناقشكما به، وستحصلان على درجة في مادة علوم القرآن كونه نشاط علمي، وهنا تملّكتنا الرهبة في أنّ المسألة صارت حقيقية وليست مجرد رفع يد، ولم نكن سابقا قد كتبنا بحثا مختصا، فضلا عن ضعف معرفتنا بإمام الزمان، فقد كنّا تائهون في زمن الغيبة، ومن هنا بدأت مواطن العناية الإلهية تأخذ بأيدينا نحو الأمان نحو ابن فاطمة بعد أن تشعبت علينا الطرق وأخذتنا تصاريف الزمان بقلة الإيمان وعد الإيقان بإمام الزمان...
    - ها هي أشعة النور تشير لنا نحو الإمام (عليه السلام)، ﴿وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ ٦٩﴾[الزُّمَر:69].
    أمضيت مع صديقي جواد أجمل الساعات والأيام في البحث والتباحث، وكتبه لنا أخوه حينها فقد كانت كتابته أجمل وأوضح، ومضت بنا السنوات والأعوام تلو الأعوام بعد أن أبحرت أمواج أفكارنا في بحر الغيبة الكبرى ووزمنها، واستوقفتنا روايات الغيبة حتى وجدنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر).
    فجأة انتبه حاج علي أنه كان في جميل الذكريات، وشريط معرفة إمام الزمان (عليه السلام) وبقي متأملا وهو جالس في حديقته عندما بدأت أشعة الشمس ترسل خيوطها على وجنته المبتلتان بدمع التوسل لإمام الزمان (عليه السلام) أن يرزقه معرفته، وإلا مات ميتتة جاهلية( )، فلا تكفي المعرفة الواردة في الكتب، قال حاج علي مخاطبا إمام زمانه:
    قرأتك في الكتب... وجدتك في الكتب السماوية، استعرضتك في الروايات والصادر الحديثية، لكن أملي يا مولاي أن أجدك في نفس علي، وفي قلب علي، وفي شعور علي، وفي كلّ عليّ... متى أخرج من تيه الغيبة إلى الحضور، ومتى أجدك يا مولاي فقد أمضيت عمرا طويلا في البحث عنك، وقد كنت تائها في زمن الغيبة، وأنت الدليل..
    فمتى اعتقادي بحضرتك يكون أهلا لرؤيتك، ويكون صكا لمحبتك، ويكون اسمك في انتظارك مؤهلا، ويكون إيماني لأنصارك مرشحا، فيا أمل قلوب المشتاقين..سأبقى على طريق حبك محاولا... فعسى أن تنالني من جنابك نظرة...، فذي تكفيني من الحياة وطولها، ما أجمل عندها أن تحين وفاتي..
    جاءت الحاجة فاطمة لتوقظ زوجها... كأنّه قد نام على كرسيه كعادته، كررت النداء بــــ يا حاج علي.......
    - يا حاج علي.....
    - لقد أشرقت الشمس امض لسريرك تستريح... لم يرد حاج على زوجته... وكأنّه أمله الموعود... قد منحه النظرة واللقاء، وتحققت معرفته حقا حقا، وجاءت منيته وحانت وفاته... ومضى لمثواه الأخير حبّا في مولاه (عجّل الله فرجه)، ورحل إلى رحمة الله حقا... فكان شريط الذكريات إيذانا لقرب وفاته... زما أجملها من أجنحة شوق لهذا المحبّ.. وسنوات تيه في طريق المحبة.. أوصلته للمحبوب في آخر الطريق...


  • #2
    اللهم صل على محمد وال محمد....وبارك الله بكم

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X