بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
حب اللّه و رسوله الكريم لا ينفك عن اتّباع دينه و الاستنان بسنّته ، و الاِتيان بأوامره و الانتهاء عن نواهيه ، و لا يعقل أبداً أن يكون المرء محباً لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أشدَّ الحب ، و مع ذلك يخالفه فيما يبغضه و لا يرضيه ، فمن ادّعى حباً في نفسه و خالفه في عمله فقد جمع بين شيئين متخالفين متضادين .
و لنعم ما روي عن الاِمام جعفر الصادق (عليه السلام) في هذا الصدد موجهاً كلامه إلى مدّعي الحب الاِلهي كذباً :
تعصي الاِله وأنتَ تظهر حبَّه هـذا لعمري في الفعال بديع
لـو كان حبك صادقاً لاَطعتَه إنّ الـمحب لمن يحب مطيع
للحبِّ مظاهر و راء الاتباع :
نعم لا يقتصر أثر الحب على هذا ، بل له آثار أُخرى في حياة المحب ، فهو يزور محبوبه و يكرمه و يعظمه و يزيل حاجته و يذبّ عنه و يدفع عنه كل كارثة و يهيىَ له ما يريحه و يسره إذا كان حياً .
و إذا كان المحبوب ميتاً أو مفقوداً حزن عليه أشد الحزن ، و أجرى له الدموع كما فعل النبي يعقوب (عليه السلام) عندما افتقد ولده الحبيب يوسف (عليه السلام) فبكاه حتى ابيضّت عيناه من الحزن ، و بقي كظيماً حتى إذا هبّ عليه نسيم من جانب ولده الحبيب المفقود ، هشَّ له و بشَّ ، و هفا إليه شوقاً و حبّاً .
بل يتعدّى أثر الحب عند فقد الحبيب و موته هذا الحد ، فنجد المحب يحفظ آثار محبوبه ، و كل ما يتصل به ، من لباسه و أشيائه كقلمه و دفتره و عصاه و نظارته ، كما و يحترم أبناءه و أولاده ، و يحترم جنازته و مثواه ، و يحتفل كل عام بميلاده و ذكرى موته ، و يكرمه و يعظمه حباً به ومودة له .
إلى هنا ثبت أنّ حب النبي و تكريمه أصل من أُصول الاِسلام لا يصح لاَحد إنكاره ، و من المعلوم أنّ المطلوب ليس الحب الكامن في القلب من دون أن يُرى أثره على الحياة الواقعية ، و على هذا يجوز للمسلم القيام بكل ما يعد مظهراً لحب النبي شريطة أن يكون عملاً حلالاً بالذات و لا يكون منكراً في الشريعة ، نظير :
1. تنظيم السنّة النبوية ، و إعراب أحاديثها و طبعها و نشرها بالصور المختلفة ، و الاَساليب الحديثة ، و فعل مثل هذا بالنسبة إلى أقوال أهل البيت و أحاديثهم .
2. نشر المقالات و الكلمات ، و تأليف الكتب المختصرة و المطولة حول حياة النبي (صلى الله عليه وآله) و عترته ، و إنشاء القصائد بشتى اللغات و الاَلسن في حقّهم ، كما كان يفعله المسلمون الاَوائل .
فالاَدب العربي بعد ظهور الاِسلام يكشف عن أنّ إنشاء القصائد في مدح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كان ممّا يعبّـر به أصحابها عن حبهم لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) .
فهذا هو كعب بن زهير ينشىَ قصيدة مطولة في مدح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) منطلقاً من إعجابه وحبه له (صلى الله عليه وآله) فيقول في جملة ما يقول :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول مـتيّم إثـرها لـم يُفد مكبول
نُـبِّئتُ أنّ رسول اللّه أوعدني و العفو عند رسول اللّه مأمول
و يقول :
مـهلاً هـداك الـذي أعطاك نا فلة القرآن فيها مواعيظ و تفصيل
إنّ الـرسول لـنور يستضاء به مـهنّد مـن سـيوف اللّه مسلول
و قد ألقى هذه القصيدة في مجلس رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) و أصحابه ، و لم ينكر عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) .
و هذا هو حسّان بن ثابت الاَنصاري يرثي النبي (صلى الله عليه وآله) ، و يذكر فيه مدائحه ، و يقول :
بـطيبة رسم للرسول و مَعْهَد مُنير و قد تعفو الرسومُ و تهمدُ
إلى أن قال :
يدل على الرحمان من يقتدي به و ينقذ من هول الخزايا و يرشد
إمـام لـهم يهديهم الحق جاهداً معلّم صدقٍ إن يطيعوه يَسْعدُوا
و هذا هو عبد اللّه بن رواحة ينشىَ أبياتاً في هذا السياق فيقول فيها :
خلّوا بني الكفار عن سبيله خلّوا فكل الخير في رسوله
يـا رب إنّـي موَمن بقيله أعرف حق اللّه في قبوله
هذه نماذج ممّا أنشأها الشعراء المعاصرون لعهد الرسالة في النبي (صلى الله عليه وآله) و نكتفي بها لدلالتها على ما ذكرنا .
و لو قام باحث بجمع ما قيل من الاَشعار و القصائد في حق النبي (صلى الله عليه وآله) لاحتاج في تأليفه إلى عشرات المجلدات .
إنّ مدح النبي كان الشغلَ الشاغل للمخلصين و الموَمنين منذ أن لبّى الرسول دعوة ربّه ، و لا أظن أنّ أحداً عاش في هذه البسيطة نال من المدح بمقدار ما ناله الرسول (صلى الله عليه وآله) من المدح بمختلف الاَساليب و النظم .
و هناك شعراء مخلصون أفرغوا فضائل النبي و مناقبه في قصائد رائعة و خالدة مستلهمين ما جاء في الذكر الحكيم و السنّة المطهرة في هذا المجال ، فشكر اللّه مساعيهم الحميدة و جهودهم المخلصة .
3. تقبيـل كل ما يمـت إلى النبي بصلة كباب داره ، و ضريحه و أستار قبره انطلاقاً من مبدأ الحب الذي عرفت أدلّته .
و هذا أمر طبيعي و فطري فبما أنّ الاِنسان الموَمن لا يتمكّن بعد رحلة النبي (صلى الله عليه وآله) من تقبيل الرسول (صلى الله عليه وآله) فيقبّل ما يتصل به بنوع من الاتصال ، و هو كما أسلفنا ، أمر طبيعي في حياة البشر حيث يلثمون ما يرتبط بحبيبهم و يقصدون بذلك نفسه ، فهذا هو المجنون العامري كان يقبّل جدار بيت ليلى و يصرّح بأنّه لا يقبّل الجدار ، بل يقصد تقبيل صاحب الجدار ، يقول :
أمـرّ على الديار ديار ليلى أُقبّل ذا الجدار و ذا الجدارا
فما حب الديار شغفن قلبي و لكن حب من سكن الديارا
4. إقامة الاحتفالات في مواليدهم و إلقاء الخطب و القصائد في مدحهم و ذكر جهودهم و درجاتهم في الكتاب و السنّة ، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالمنهيات و المحرمات .
و من دعا إلى الاحتفال بمولد النبي في أيّ قرن من القرون ، فقد انطلق من هذا المبدأ أي حب النبي الذي أمر به القرآن و السنّة بهذا العمل .
هذا هو موَلف تاريخ الخميس يقول في هذا الصدد : لا يزال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده ، و يعملون الولائم ، و يتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، و يظهرون السرور ، و يزيدون في المبرّات ، و يعتنون بقراءة مولده الشريف ، و يظهر عليهم من كراماته كل فضل عظيم .
و قال أبو شامة المقدسي في كتابه : و من أحسن ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده (صلى الله عليه وآله) من الصدقات و المعروف بإظهار الزينة و السرور ، فإنّ في ذلك مع ما فيه من الاِحسان للفقراء شعاراً لمحبته .
و قال القسطلاني : و لا زال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده (عليه السلام) ، و يعملون الولائم ، و يتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، و يظهرون السرور ، و يزيدون في المبرّات ، و يعتنون بقراءة مولده الكريم ، و يظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم . . . فرحم اللّه امرءاً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض و أعيا داء .
إذا عرفت ما ذكرناه فلا تظن أن يشك أحد في جواز الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وآله) ، احتفالاً دينياً فيه رضى اللّه و رسوله ، و لا تصح تسميته بدعة ، إذ البدعة هي التي ليس لها أصل في الكتاب و السنّة ، و ليس المراد من الاَصل ، الدليل الخاص ، بل يكفي الدليل العام في ذلك .
و يرشدك إلى أنّ هذه الاحتفالات تجسيد لتكريم النبي ، وجدانك الحر ، فانّه يقضي ـ بلا مرية ـ على أنّها إعلاء لمقام النبي و إشادة بكرامته و عظمته ، بل يتلقاها كل من شاهدها عن كثب على أنّ المحتفلين يعزّرون نبيّهم و يكرمونه و يرفعون مقامه اقتداءً بقوله سبحانه : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) .
السنّة النبوية و كرامة يوم مولده (صلى الله عليه وآله) :
1. أخرج مسلم في صحيحه ، عن أبي قتادة أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) سئل عن صوم يوم الاثنين فقال : ((فيه ولدت ، و فيه أُنزل عليّ )) .
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ عند الكلام في استحباب صيام الاَيام التي تتجدّد فيها نعم اللّه على عباده ـ ما هذا لفظه : إنّ من أعظم نعم اللّه على هذه الاَُمّة إظهار محمد (صلى الله عليه وآله) و بعثته و إرساله إليهم ، كما قال اللّه تعالى : ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) فصيام يوم تجدّدت فيه هذه النعمة من اللّه سبحانه على عباده الموَمنين حسن جميل ، و هو من باب مقابلة النعم في أوقات تجدّدها بالشكر .
2. روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ قال : لمّا قدم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسُئلوا عن ذلك ، فقالوا : هو اليوم الذي أظفر اللّه موسى و بني إسرائيل على فرعون ، و نحن نصوم تعظيماً له ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : (( نحن أولى بموسى )) و أمر بصومه .
و قد استدل ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي على ما نقله الحافظ السيوطي ، فقال : فيستفاد منه فعل الشكر للّه تعالى على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة ، أو دفع نقمة و يعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، و الشكر للّه يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود و الصيام و الصدقة و التلاوة ، و أي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم .
3. و للسيوطي أيضاً كلام آخر نأتي بنصه ، يقول : و قد ظهر لي تخريج عمل المولد على أصل آخر ، و هو ما أخرجه البيهقي عن أنس انّ النبي (صلى الله عليه وآله) عقّ عن نفسه بعد النبوة مع أنّه قد ورد أنّ جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته ، و العقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على أنّ الذي فعله النبي (صلى الله عليه وآله) إظهار للشكر على إيجاد اللّه إيّاه رحمة للعالمين و تشريفاً لاَُمته كما كان يصلّي على نفسه ، لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالاجتماع ، و إطعام الطعام ، و نحو ذلك من وجوه القربات و إظهار المسرّات .
4. أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أنّ رجلاً من اليهود ، قال له : يا أمير الموَمنين! آية في كتابكم تقروَنها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتّخذنا ذلك اليوم عيداً . فقال : أيّ آية ؟ قال : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم و المكان الذي نزلت فيه على النبي (صلى الله عليه وآله) و هو قائم بعرفة يوم جمعة .
وأخرج الترمذي عن ابن عباس نحوه و قال : فيه نزلت في يوم عيد من يوم جمعة و يوم عرفة ، و قال الترمذي : و هو صحيح .
و في هذا الاَثر موافقة عمر بن الخطاب على اتخاذ اليوم الذي حدثت فيه نعمة عظيمة ، عيداً لاَنّ الزمان ظرف للحدث العظيم ، فعند عود اليوم الذي وقعت فيه الحادثة كان موسماً لشكر تلك النعمة ، و فرصة لاِظهار الفرح و السرور .
نرى أنّ المسيح عندما دعا ربه أن ينزل مائدة عليه و على حوارييه قال : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
فقد اتّخذ يوم نزول النعمة المادية التي تشبع البطون عيداً ، و الرسول (صلى الله عليه وآله) نعمة عظيمة منّ بها اللّه على المسلمين بميلاده ، فلم لا نتّخذه يوم فرح و سرور ؟
إجماع المسلمين على تكريم مولده (صلى الله عليه وآله) :
ذكروا أنّ أوّل من أقام المولد هو الملك المظفر صاحب اربل ، و قد توفي عام 630 هـ ، و ربّما يقال : أوّل من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون ، أوّلهم المعز لدين اللّه ، توجّه من المغرب إلى مصر في شوال 361 هـ ، و قيل في ذلك غيره ، و على أيّ تقدير فقد احتفل المسلمون حقباً و أعواماً من دون أن يعترض عليهم أيّ ابن أُنثى ، و على أيّ حال فقد تحقّق الاِجماع على جوازه و تسويغه و استحبابه قبل أن يولد باذر هذه الشكوك ، فلماذا لم يكن هذا الاِجماع حجة ؟! مع أنّ اتفاق الاَُمّة بنفسه أحد الاَدلّة ، و كانت السيرة قائمة على تبجيل مولد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن جاء ابن تيمية ، و عبد العزيز بن عبد السلام و الشاطبي فناقشوا فيه و وصفوه بالبدعة ، مع أنّ الاِجماع فيه انعقد قبل هوَلاء بقرنين أو قرون ، أو ليس انعقاد الاِجماع في عصر من العصور حجة بنفسه ؟
إلى هنا وقفت على أنّ شرعية الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وآله) يثبتها القرآن الكريم و السنّة النبوية و اتفاق المسلمين و من فارقهم فقد فارق الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ، قال سبحانه : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ).
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
حب اللّه و رسوله الكريم لا ينفك عن اتّباع دينه و الاستنان بسنّته ، و الاِتيان بأوامره و الانتهاء عن نواهيه ، و لا يعقل أبداً أن يكون المرء محباً لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أشدَّ الحب ، و مع ذلك يخالفه فيما يبغضه و لا يرضيه ، فمن ادّعى حباً في نفسه و خالفه في عمله فقد جمع بين شيئين متخالفين متضادين .
و لنعم ما روي عن الاِمام جعفر الصادق (عليه السلام) في هذا الصدد موجهاً كلامه إلى مدّعي الحب الاِلهي كذباً :
تعصي الاِله وأنتَ تظهر حبَّه هـذا لعمري في الفعال بديع
لـو كان حبك صادقاً لاَطعتَه إنّ الـمحب لمن يحب مطيع
للحبِّ مظاهر و راء الاتباع :
نعم لا يقتصر أثر الحب على هذا ، بل له آثار أُخرى في حياة المحب ، فهو يزور محبوبه و يكرمه و يعظمه و يزيل حاجته و يذبّ عنه و يدفع عنه كل كارثة و يهيىَ له ما يريحه و يسره إذا كان حياً .
و إذا كان المحبوب ميتاً أو مفقوداً حزن عليه أشد الحزن ، و أجرى له الدموع كما فعل النبي يعقوب (عليه السلام) عندما افتقد ولده الحبيب يوسف (عليه السلام) فبكاه حتى ابيضّت عيناه من الحزن ، و بقي كظيماً حتى إذا هبّ عليه نسيم من جانب ولده الحبيب المفقود ، هشَّ له و بشَّ ، و هفا إليه شوقاً و حبّاً .
بل يتعدّى أثر الحب عند فقد الحبيب و موته هذا الحد ، فنجد المحب يحفظ آثار محبوبه ، و كل ما يتصل به ، من لباسه و أشيائه كقلمه و دفتره و عصاه و نظارته ، كما و يحترم أبناءه و أولاده ، و يحترم جنازته و مثواه ، و يحتفل كل عام بميلاده و ذكرى موته ، و يكرمه و يعظمه حباً به ومودة له .
إلى هنا ثبت أنّ حب النبي و تكريمه أصل من أُصول الاِسلام لا يصح لاَحد إنكاره ، و من المعلوم أنّ المطلوب ليس الحب الكامن في القلب من دون أن يُرى أثره على الحياة الواقعية ، و على هذا يجوز للمسلم القيام بكل ما يعد مظهراً لحب النبي شريطة أن يكون عملاً حلالاً بالذات و لا يكون منكراً في الشريعة ، نظير :
1. تنظيم السنّة النبوية ، و إعراب أحاديثها و طبعها و نشرها بالصور المختلفة ، و الاَساليب الحديثة ، و فعل مثل هذا بالنسبة إلى أقوال أهل البيت و أحاديثهم .
2. نشر المقالات و الكلمات ، و تأليف الكتب المختصرة و المطولة حول حياة النبي (صلى الله عليه وآله) و عترته ، و إنشاء القصائد بشتى اللغات و الاَلسن في حقّهم ، كما كان يفعله المسلمون الاَوائل .
فالاَدب العربي بعد ظهور الاِسلام يكشف عن أنّ إنشاء القصائد في مدح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) كان ممّا يعبّـر به أصحابها عن حبهم لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله) .
فهذا هو كعب بن زهير ينشىَ قصيدة مطولة في مدح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) منطلقاً من إعجابه وحبه له (صلى الله عليه وآله) فيقول في جملة ما يقول :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول مـتيّم إثـرها لـم يُفد مكبول
نُـبِّئتُ أنّ رسول اللّه أوعدني و العفو عند رسول اللّه مأمول
و يقول :
مـهلاً هـداك الـذي أعطاك نا فلة القرآن فيها مواعيظ و تفصيل
إنّ الـرسول لـنور يستضاء به مـهنّد مـن سـيوف اللّه مسلول
و قد ألقى هذه القصيدة في مجلس رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) و أصحابه ، و لم ينكر عليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) .
و هذا هو حسّان بن ثابت الاَنصاري يرثي النبي (صلى الله عليه وآله) ، و يذكر فيه مدائحه ، و يقول :
بـطيبة رسم للرسول و مَعْهَد مُنير و قد تعفو الرسومُ و تهمدُ
إلى أن قال :
يدل على الرحمان من يقتدي به و ينقذ من هول الخزايا و يرشد
إمـام لـهم يهديهم الحق جاهداً معلّم صدقٍ إن يطيعوه يَسْعدُوا
و هذا هو عبد اللّه بن رواحة ينشىَ أبياتاً في هذا السياق فيقول فيها :
خلّوا بني الكفار عن سبيله خلّوا فكل الخير في رسوله
يـا رب إنّـي موَمن بقيله أعرف حق اللّه في قبوله
هذه نماذج ممّا أنشأها الشعراء المعاصرون لعهد الرسالة في النبي (صلى الله عليه وآله) و نكتفي بها لدلالتها على ما ذكرنا .
و لو قام باحث بجمع ما قيل من الاَشعار و القصائد في حق النبي (صلى الله عليه وآله) لاحتاج في تأليفه إلى عشرات المجلدات .
إنّ مدح النبي كان الشغلَ الشاغل للمخلصين و الموَمنين منذ أن لبّى الرسول دعوة ربّه ، و لا أظن أنّ أحداً عاش في هذه البسيطة نال من المدح بمقدار ما ناله الرسول (صلى الله عليه وآله) من المدح بمختلف الاَساليب و النظم .
و هناك شعراء مخلصون أفرغوا فضائل النبي و مناقبه في قصائد رائعة و خالدة مستلهمين ما جاء في الذكر الحكيم و السنّة المطهرة في هذا المجال ، فشكر اللّه مساعيهم الحميدة و جهودهم المخلصة .
3. تقبيـل كل ما يمـت إلى النبي بصلة كباب داره ، و ضريحه و أستار قبره انطلاقاً من مبدأ الحب الذي عرفت أدلّته .
و هذا أمر طبيعي و فطري فبما أنّ الاِنسان الموَمن لا يتمكّن بعد رحلة النبي (صلى الله عليه وآله) من تقبيل الرسول (صلى الله عليه وآله) فيقبّل ما يتصل به بنوع من الاتصال ، و هو كما أسلفنا ، أمر طبيعي في حياة البشر حيث يلثمون ما يرتبط بحبيبهم و يقصدون بذلك نفسه ، فهذا هو المجنون العامري كان يقبّل جدار بيت ليلى و يصرّح بأنّه لا يقبّل الجدار ، بل يقصد تقبيل صاحب الجدار ، يقول :
أمـرّ على الديار ديار ليلى أُقبّل ذا الجدار و ذا الجدارا
فما حب الديار شغفن قلبي و لكن حب من سكن الديارا
4. إقامة الاحتفالات في مواليدهم و إلقاء الخطب و القصائد في مدحهم و ذكر جهودهم و درجاتهم في الكتاب و السنّة ، شريطة أن لا تقترن تلك الاحتفالات بالمنهيات و المحرمات .
و من دعا إلى الاحتفال بمولد النبي في أيّ قرن من القرون ، فقد انطلق من هذا المبدأ أي حب النبي الذي أمر به القرآن و السنّة بهذا العمل .
هذا هو موَلف تاريخ الخميس يقول في هذا الصدد : لا يزال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده ، و يعملون الولائم ، و يتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، و يظهرون السرور ، و يزيدون في المبرّات ، و يعتنون بقراءة مولده الشريف ، و يظهر عليهم من كراماته كل فضل عظيم .
و قال أبو شامة المقدسي في كتابه : و من أحسن ما يفعل في اليوم الموافق ليوم مولده (صلى الله عليه وآله) من الصدقات و المعروف بإظهار الزينة و السرور ، فإنّ في ذلك مع ما فيه من الاِحسان للفقراء شعاراً لمحبته .
و قال القسطلاني : و لا زال أهل الاِسلام يحتفلون بشهر مولده (عليه السلام) ، و يعملون الولائم ، و يتصدّقون في لياليه بأنواع الصدقات ، و يظهرون السرور ، و يزيدون في المبرّات ، و يعتنون بقراءة مولده الكريم ، و يظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم . . . فرحم اللّه امرءاً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً ، ليكون أشد علّة على من في قلبه مرض و أعيا داء .
إذا عرفت ما ذكرناه فلا تظن أن يشك أحد في جواز الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وآله) ، احتفالاً دينياً فيه رضى اللّه و رسوله ، و لا تصح تسميته بدعة ، إذ البدعة هي التي ليس لها أصل في الكتاب و السنّة ، و ليس المراد من الاَصل ، الدليل الخاص ، بل يكفي الدليل العام في ذلك .
و يرشدك إلى أنّ هذه الاحتفالات تجسيد لتكريم النبي ، وجدانك الحر ، فانّه يقضي ـ بلا مرية ـ على أنّها إعلاء لمقام النبي و إشادة بكرامته و عظمته ، بل يتلقاها كل من شاهدها عن كثب على أنّ المحتفلين يعزّرون نبيّهم و يكرمونه و يرفعون مقامه اقتداءً بقوله سبحانه : ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) .
السنّة النبوية و كرامة يوم مولده (صلى الله عليه وآله) :
1. أخرج مسلم في صحيحه ، عن أبي قتادة أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) سئل عن صوم يوم الاثنين فقال : ((فيه ولدت ، و فيه أُنزل عليّ )) .
يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ عند الكلام في استحباب صيام الاَيام التي تتجدّد فيها نعم اللّه على عباده ـ ما هذا لفظه : إنّ من أعظم نعم اللّه على هذه الاَُمّة إظهار محمد (صلى الله عليه وآله) و بعثته و إرساله إليهم ، كما قال اللّه تعالى : ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) فصيام يوم تجدّدت فيه هذه النعمة من اللّه سبحانه على عباده الموَمنين حسن جميل ، و هو من باب مقابلة النعم في أوقات تجدّدها بالشكر .
2. روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنه ـ قال : لمّا قدم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء ، فسُئلوا عن ذلك ، فقالوا : هو اليوم الذي أظفر اللّه موسى و بني إسرائيل على فرعون ، و نحن نصوم تعظيماً له ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) : (( نحن أولى بموسى )) و أمر بصومه .
و قد استدل ابن حجر العسقلاني بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي على ما نقله الحافظ السيوطي ، فقال : فيستفاد منه فعل الشكر للّه تعالى على ما منّ به في يوم معين من إسداء نعمة ، أو دفع نقمة و يعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، و الشكر للّه يحصل بأنواع العبادة ، كالسجود و الصيام و الصدقة و التلاوة ، و أي نعمة أعظم من نعمة بروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم .
3. و للسيوطي أيضاً كلام آخر نأتي بنصه ، يقول : و قد ظهر لي تخريج عمل المولد على أصل آخر ، و هو ما أخرجه البيهقي عن أنس انّ النبي (صلى الله عليه وآله) عقّ عن نفسه بعد النبوة مع أنّه قد ورد أنّ جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته ، و العقيقة لا تعاد مرة ثانية ، فيحمل ذلك على أنّ الذي فعله النبي (صلى الله عليه وآله) إظهار للشكر على إيجاد اللّه إيّاه رحمة للعالمين و تشريفاً لاَُمته كما كان يصلّي على نفسه ، لذلك فيستحب لنا أيضاً إظهار الشكر بمولده بالاجتماع ، و إطعام الطعام ، و نحو ذلك من وجوه القربات و إظهار المسرّات .
4. أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب أنّ رجلاً من اليهود ، قال له : يا أمير الموَمنين! آية في كتابكم تقروَنها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتّخذنا ذلك اليوم عيداً . فقال : أيّ آية ؟ قال : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .
قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم و المكان الذي نزلت فيه على النبي (صلى الله عليه وآله) و هو قائم بعرفة يوم جمعة .
وأخرج الترمذي عن ابن عباس نحوه و قال : فيه نزلت في يوم عيد من يوم جمعة و يوم عرفة ، و قال الترمذي : و هو صحيح .
و في هذا الاَثر موافقة عمر بن الخطاب على اتخاذ اليوم الذي حدثت فيه نعمة عظيمة ، عيداً لاَنّ الزمان ظرف للحدث العظيم ، فعند عود اليوم الذي وقعت فيه الحادثة كان موسماً لشكر تلك النعمة ، و فرصة لاِظهار الفرح و السرور .
نرى أنّ المسيح عندما دعا ربه أن ينزل مائدة عليه و على حوارييه قال : ( قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) .
فقد اتّخذ يوم نزول النعمة المادية التي تشبع البطون عيداً ، و الرسول (صلى الله عليه وآله) نعمة عظيمة منّ بها اللّه على المسلمين بميلاده ، فلم لا نتّخذه يوم فرح و سرور ؟
إجماع المسلمين على تكريم مولده (صلى الله عليه وآله) :
ذكروا أنّ أوّل من أقام المولد هو الملك المظفر صاحب اربل ، و قد توفي عام 630 هـ ، و ربّما يقال : أوّل من أحدثه بالقاهرة الخلفاء الفاطميون ، أوّلهم المعز لدين اللّه ، توجّه من المغرب إلى مصر في شوال 361 هـ ، و قيل في ذلك غيره ، و على أيّ تقدير فقد احتفل المسلمون حقباً و أعواماً من دون أن يعترض عليهم أيّ ابن أُنثى ، و على أيّ حال فقد تحقّق الاِجماع على جوازه و تسويغه و استحبابه قبل أن يولد باذر هذه الشكوك ، فلماذا لم يكن هذا الاِجماع حجة ؟! مع أنّ اتفاق الاَُمّة بنفسه أحد الاَدلّة ، و كانت السيرة قائمة على تبجيل مولد النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن جاء ابن تيمية ، و عبد العزيز بن عبد السلام و الشاطبي فناقشوا فيه و وصفوه بالبدعة ، مع أنّ الاِجماع فيه انعقد قبل هوَلاء بقرنين أو قرون ، أو ليس انعقاد الاِجماع في عصر من العصور حجة بنفسه ؟
إلى هنا وقفت على أنّ شرعية الاحتفال بمولد النبي (صلى الله عليه وآله) يثبتها القرآن الكريم و السنّة النبوية و اتفاق المسلمين و من فارقهم فقد فارق الطريق المستقيم الذي لا عوج فيه ، قال سبحانه : ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ).
تعليق