بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنِ اَلْمِسْمَعِيِّ:
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُوصِي وُلْدَهُ: ((إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فَأَجْهِدُوا أَنْفُسَكُمْ فَإِنَّ فِيهِ تُقَسَّمُ اَلْأَرْزَاقُ وَتُكْتَبُ اَلْآجَالُ وَفِيهِ يُكْتَبُ وَفْدُ اَللَّهِ اَلَّذِينَ يَفِدُونَ إِلَيْهِ وَفِيهِ لَيْلَةٌ اَلْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ اَلْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ))[1].
درج الائمة الاطهار عليهم السلام في توصية ابنائهم في الامور المهمة بعلاقتهم مع الله سبحانه وتعالى، واستغلال الوجود الدنيوي لأداء الاعمال المفروضة والمستحبة عليهم، وبالنتيجة هو امر نحن المعنيون فيه من بعدهم، فكما قَالَ أميرُ المؤمنين علي عليه السَّلام: ((يَا ابْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ..))[2]، ومن اهم الوصايا هي هذه الوصية الواردة في الرواية اعلاه بموضوع دخول شهر رمضان المبارك، فهو دخول بما فيه خير الانسان، وتغيّر في حياة هذا الانسان كي يكون من اهل التميز في العمل خلال هذا الشهر العظيم، والذي اكد الباري عز وجل في الكتاب الكريم عليه عندما قال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..﴾[3].
بعد ذلك الامام يرشد الى عملية الاجتهاد لهذه الاعمال المأثورة في هذا الشهر، وكما ذكر علماء اللغة بأنّ الاجتهاد: هو المثابرة وبذل الوسع والجهد، فعلى الانسان أنْ يبذل وسعه وجهده كي يكون من اهل هذا الشهر الفضيل، ويعلّل الامام سلام الله عليه فإنّ فيه تقسم الارزاق، ومن طبيعة الانسان يبحث عن العمل الذي يتحصل فيه على الرزق، هنا اشارة الامام الى أنّ تحصيل الرزق في هذا الشهر يكون لكل ما بقي من السنة الى شهر رمضان القادم، خذ قسمتك بالاهتمام بعلاقتك مع الله سبحانه وتعالى، واداء الاعمال المقربة اليه كي تكون قسمتك حاصلة من رزق الله عز وجل الذي هو الزيادة، فيما قد قسمه لك عز وجل في حياتك، وايضا فيه تكتب الآجال فمن عمل اعمالا حسنة كالصدقة مثلا فقد ورد عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ بَيَّاعِ اَلْهَرَوِيِّ قَالَ: ((كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَذَكَرُوا اَلْوَجَعَ فَقَالَ دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَمَا عَلَى أَحَدِكُمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقُوتِ يَوْمِهِ إِنَّ مَلَكَ اَلْمَوْتِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ اَلصَّكُّ بِقَبْضِ رُوحِ اَلْعَبْدِ فَيَتَصَدَّقُ فَيُقَالُ لَهُ رُدَّ عَلَيْهِ اَلصَّكَّ))[4].
فيدفع الباري عز وجل عن هذا الانسان ميتة السوء.
وايضا يزيد في عمره مثلا: عندما يزور الارحام ويحسن اليهم، ففي شهر رمضان ستكتب الآجال بحسب ما قدمت من العمل فمن قصر يقصر بعمره ومن زاد يزاد في عمره. كما قَالَ أَبُوعَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((إِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَصِلُ رَحِمَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ ثَلاَثُ سِنِينَ، فَيَزِيدُ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي عُمُرِهِ ثَلاَثِينَ سَنَةً، إِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ اَلرَّجُلَ لَيَقْطَعُ رَحِمَهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلاَثُونَ سَنَةً، فَيَجْعَلُهَا اَللَّهُ ثَلاَثَ سِنِينَ، إِنَّ اَللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ))[5].
فيكمل الامام عليه السلام أنّ الملائكة تكتب في هذا الشهر العباد الذين أخلصوا في عملهم، فيفدون الى الله عز وجل، وأعظم ما في هذا الشهر كما يقول الامام: فيه ليلة العمل فيها خير من ألف شهر لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[6].
وعلى هذا الاساس فلا يفوتنكم الشهر الكريم، ولا تفوتنكم ليله القدر، لأنّها فرصة ممكن أنْ لا تعوض؛ لأنّ الانسان ليس بضامن لعمره، فعليكم بالاهتمام بالعمل من صيام وقيام وأعمال في ايام وليالي هذا الشهر المبارك وفي ليلة تتويج العمل ليلة القدر.
[1] تهذيب الاحكام، ج 4، ص 192.
[2] نهج البلاغة: الحكمة 254.
[3] سورة البقرة، الآية: 185.
[4] وسائل الشيعة، ج 9، ص 375.
[5] قرب الاسناد، ج 1، ص 355.
[6] سورة القدر، الآيات: 1-5.
تعليق