إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حرية لاعبودية - قصة قصيرة / حميدة العسكري

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حرية لاعبودية - قصة قصيرة / حميدة العسكري

    حرية لا عبودية .....
    قصة قصيرة

    بعد ان استقر الحال بتلك العوائل النازحة باتخاذها مسار المغادرة نحو الجنوب وبعد غزوة اكلت الاخضر واليابس .. نجت بعض الاسر من الفتك ففرت مهرولة بتقاطر نحو الجنوب وقد اخذ بعض الشباب على عاتقهم حمل ماتمكنوا من حمله من الملابس والافرشة والطعام والبعض الاخر تولى حمل الاطفال والشيوخ والعجائز .. كان في القافلة ذات المشهد الجنائزي الصاخب ، طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها وهي تلوذ بخمار جدتها التي يبدو انها في الخمسين من العمر ..لا ادري لماذا استشعرت بكاءها الصامت وهي على تلك الحال ،ترى من فقدت من اسرتها هل قتلوا اباها امامها او احد افراد اسرتها؟ تحركت في نفسي عاطفة الامومة رغم انني لم اتجاوز السابعة عشرة من عمري ولم اتزوج بعد ، فتمنيت ان احتضنها واواسيها لولا انني سمعت جدتها تصيح محفزة اياها :
    - اركضي خلف امك يا نور ، لاتبقي ورائي تعبت .. منك تجرين بخماري .
    لكن الفتاة تأبى الا ان تبقى ممسكة بالخمار لاتريم عنه . بل تصر على ان تجر اليها اكبر ما امكنها من ذلك الخمار المتدلي على ظهر الجدة لتغطي به رأسها .. امر عجيب الشمس لم تشرق بعد والجو لطيف جدا يبعث بنسمات باردة منعشة تشجع على السير، وزاد فضولي لاعرف سر بكاء الطفلة والتخلف عن القافلة . كانت اختاي تحاولان التقدم مسابقتين خطى العجوز وهما تحثانني على السير معهما ، لكني كنت اعاندهما وبقيت امشي في مسار لايتقدم خطوة ابدا عن تلك الصغيرة .
    حاولت برهة ان اكون بمحاذاتها لاسترق نظرة الى وجهها علّي ارزق بتفسير لما يدور بشأن عنادها بل وبكائها الذي استشعره في اعماقي وان لم اره ، تقدمت قليلا دون ان اشعرها بخطواتي و هاقد نجحت اخيرا في سرقة نظرة من ذلك الوجه الوردي الملامح وفي زمن مقتضب جالت عيناي بين زوايا وجهها و بين قبضتيها المحمرتين من شدة قبضهما على خمار جدتها ، لمحت دموعها تهطل بصمت ولما رأتني خجلت وطأطأت نحو الارض .. ادركتُ خجلها فاخّرتْ خطاي ، القافلة تمشي بتلك الرتابة والطريق تستطيل .
    هاهو الجسر يلوح لنا عن بعد ، ثمة مزرعة عند رقبته وقد تجمهر عندها الناس ليرتاحوا تحت ظلال اشجارها بعد ان بدأت حرارة الجو بالتصاعد شيئا . جلس المسنّون هنا وهناك فيما راح الشباب يبحثون عن مصدر ماء ليبردوا حرارتهم بعد ان حميت بغائلة سيرهم المسرع مع الاحمال التي على ظهورهم .والآن اجدني احرص على ملازمة تلك الصغيرة ولن اغادرها قيد انملة لعلي التقيها في هذه الفسحة واعرف سرها في تلك الافياء ، . تمنيت لحظة لو ان بين امتعتي دمية لامنحها اياها .
    علّها تسلّيها ، لكن وا اسفاه ، تبقى الامنيات امنيات ، وانّى لي بدمية الآن ؟
    فالفوضى الجسدية والنفسية تنتهب كل شيء حولنا من فقد الديار والجيران والمصائب المتواترة كانت على قلوبنا الاشد وقعا . تقدمنا باتجاه الجسر ، خطوات وبلغناه ... ونحن نمشي عليه بدأت الخطى تتصاغر لان ضيق ظهر الجسر حجّم من حركة الجميع المارين فوقه . بقيت انا مباشرة خلف تلك الصغيرة الجميلة وقد بدا لي انني اتقن التخفي خلفها بعد يقيني بخجلها لذا كانت آمنة وهي تردد:
    "يارقية .. يارقية " .
    وكأنها تندب صديقة لها ... لا حتما كانت تلك النورانية تندب صغيرة مولاي الحسين ، فتنهدت وقد غزت حلقومي غصة كبيرة وانا استذكر ما مر على قافلة السبايا من اهوال السبي ترى هل كانت الصغيرة نور تندب اباها ؟ تصورت ذلك لحظات فمرت بروحي مرارة اليتم ولم افق من تلك الفورة الا على صوت رجل كان يتقدم الجميع وهو ينادي :
    -اين ابنتي نور فاطمة ؟ اسرعي اسرعي يا حبيبتي .انه يشيرالى صغيرته . اذن ابوها حي .
    وازدادات فجوة تعجبي اتساعا !!! يا الهي اذن فيم بكاؤها ؟
    اناخ جميع من غادروا الجسر هنا وهنا في المزرعة وافياء الاشجار تتأبطهم بحنو يمسح عنهم قهرا لايوصف .ورغم تفرق الجميع كل اخذ لجسده فسحة ، فمن متمدد على عشب المزرعة الاخضر ومن متمطّ باطرافه ليستريح من شد الطريق والمشي المضني . لكن من عجب ان تلك الطفلة ماتزال متمسكة بذلك الخمار !! هي تغطي وجهها وشعرها به والجدة في تذمر مستمر هي الاخرى من هذا الوضع لكن لائذة بصبر موشك على النفاد. حاولت ان اقتنص نظرة من الجدة ولن افوّت فيها فرصة السؤال عن امر الصغيرة .فرحت اراقب ذلك السيناريو وانا متيقظة جدا حريصة على السؤال ، وها جدتها تنظر الي .. ابتسمتْ فابتسمتْ ابتسامة فاترة ، فانتهزت الفرصة وكأنني عثرت على كنز ثمين .. لم يثنني تقطيب تلك المرآة المتذمرة بسبب الشد الواقع على ظهرها من يدي الصغيرة نور فاطمة .. فسألتها :
    - هل فقدتِ الصغيرة شيئا؟
    - قالت الجدة بصبر فارغ :
    - لم تلحق ان تلبس حجابها حين داهمنا الوحوش السود. فظلت طوال الطريق تجر حجابي اليها وهي تعرقل خطاي ، ان ظهري موجَع جدا بسبب جرها.
    اذن كانت تبكي حجابها !!! ورقية تلك كانت ابنة مولاي الحسين عليه السلام ؟ !!!!
    يارباه ما اعظم ذلك ! صغيرة تسير في قافلة مهجرة وقد فقدت عزّها وهي تندب مولاتها رقية .. ما اعظم ماربيت عليه هذه الرائعة !! اذن لم يبكها فقْد دمية او صديقة او اي شيء آخر ، لكن قناع تصون به وجهها ..شعرتْ بغصة كبيرة ووجدتني باحثة في حقيبتي عن حجاب لها وكم كانت فرحتي كبيرة وغامرة في ازاحة ذلك الاسى والذي خلفه الدمار الشامل الذي فتك بنا جميعا .
    قلت في نفسي وانا اجلس قبالتها : لو سألتها ان تخطو نحوي فانها لن تأتي تاركة حجاب جدتها فالقيت بالملابس المبعثرة في حضني على الارض مع الحقيبة لاهرع اليها والقي الحجاب على راسها واشده باحكام في استسلامها الي وأنسها بما أفعل . .. الان فقط حررتْ يديها المغلولتين الى حجاب جدتها وانفرجت شفاهها عن بسمة وليدة اقشعرت لها كل خلية في جسدي .. بهجة لاتضاهى عندما نكون سببا في رد بسمة فرت من ذهول عن شفاه صغير قهره الدمع .
    اااه ما اروعها بالحجاب والبسمة تاج تلك الشفاه الصغيرة !!!
    انه درس في الحجاب لابد ان يروى على مسامع الفتيات اللاتي يتساهلن فيه في المبدأ الذي خط فيه لصيانتهن .. نعم لابد ان تكون درسا آخر ..
    لم يمزق شرودي والسكون المنعش الذي غشي روحي سوى صيحة احدهم يستنهض الهمم لاستئناف المشي نحو الجنوب فحرارة الشمس بدأت تثقل بخطاها فوق الرؤوس ...
    ونور فاطمة تركض باستباق لخطى ابيها المتقدم قافلة عائلته .
    نعم .. انه الحجاب حرية ....

    لاعبودية السفور التي عرقلت الخطى .

    حميدة العسكري /البصرة
    9 /رمضان / 1436



  • #2
    نعم .. انه الحجاب حرية ....

    لاعبودية السفور التي عرقلت الخطى .

    رائعة انت حميدة وحرفك النابض فكرا ونورا
    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      مسددة بنور الله أيتها الأخت العزيزة

      تعليق


      • #4
        المشاركة الأصلية بواسطة بارقة ابو الشون مشاهدة المشاركة
        نعم .. انه الحجاب حرية ....

        لاعبودية السفور التي عرقلت الخطى .

        رائعة انت حميدة وحرفك النابض فكرا ونورا
        جزاك الله خيرا

        شكرا لمرورك الجميل غاليتي بارقة
        حياك الله وبياك
        تقديري واحترامي

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ابو امنة مشاهدة المشاركة
          مسددة بنور الله أيتها الأخت العزيزة
          شكرا لك ايها الاخ العزيز وجعلك ممن رضي عنهم وتقبل اعمالهم
          تقديري واحترامي

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X