تويت
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
صبراً صبرا.. فها هو شهر رمضان قادم فما هي إلّا أيام فيطل علينا بنوره وبركاته والرحمة الواسعة من الله عز وجل، لعباده الصائمين المحتسبين المنتظرين لقبول صيامهم وقيامهم.
ويتميز الشهر الشريف بكونه شهر الدعاء، وما على العبد إلّا أن يستغل فرصة الشهر ولا يضيّعها، كما ضيّع قوم نوح وجود نبي الله نوح عليه السلام بين ظهرانيهم بدعوته ودعائه لهم.
فنتحدث معهم ونقول صبراً صبرا.. تمر مئات السنين مغمّسةً بالألم والأذى والعدوان.. يثبون على نوح عليه السلام بالضرب المُبرح حتى يمكث في بعض الأوقات مغشياً عليه ثلاثة أيام، يجري الدم من أُذنه..
يدعوهم ليلاً ونهاراً ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا﴾، فيهربون ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾، ويدعوهم سراً فلا يُجيبون، ويدعوهم علانيةً فيولون ﴿ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾[1]، وبعد مئات السنين هَمَّ بالدعاء عليهم، فهبط إليه وفدٌ من السماء طالبين منه تأخير الدعاء على قومه.
قال: قد أخرت الدعاء عليهم..
وبعد مئات السنين جاء إليه شيعته وشكوا ما ينالهم من العامة والطواغيت وسألوه الدعاء بالفرج..
فدعا الله سبحانه، فجاء الجواب: قل لشيعتك يأكلوا التمر ويغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنهم.. فاستبشروا بذلك.. ولما أثمر طلبوا من نوح أن ينجز لهم الوعد..
فجاء الوحي مرةً ثانيةً قل لهم: كُلوا هذا التمر وأغرسوا النوى فإذا أثمر فرجت عنكم، فارتدّ منهم الثلث وثبت الثلثان..
فأكلوا التمر وغرسوا النوى ولما أثمر طلبوا من نوح أن ينجز لهم الوعد.. فسأل الله عز وجل في ذلك، فأوحى الله إليه قل لهم:
كُلوا هذا التمر، واغرسوا النوى، فارتّد الثلث الآخر وبقي الثلث..
فأكلوا التمر وغرسوا النوى، فملأ أثمر أتوا به نوحا عليه السلام وقالوا له: لم يبق منا إلا القليل ونحن نتخوف على أنفسنا بتأخير الفرج أن نهلك، فقد ورد أنّ مجموع ما عَمَّرهُ النبيُ نوحٍ عليه السلام بحسب ما وَرد في روايات أهل البيت عليهم السلام هو 2300 سنة ، فقد رُوِيَ عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قَالَ : ((عَاشَ نُوحٌ عليه السلام أَلْفَيْ سَنَةٍ وَثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ، مِنْهَا ثَمَانُمِائَةٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ، وَأَلْفُ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً وَهُوَ فِي قَوْمِهِ يَدْعُوهُمْ، وَخَمْسُمِائَةِ عَامٍ بَعْدَ مَا نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ وَنَضَبَ الْمَاءُ، فَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَأَسْكَنَ وُلْدَهُ الْبُلْدَانَ))[2].
فأوحى الله عز وجل إليه قد أجبت دعاءك فاصنع الفلك.
فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ..﴾[3].
فبدأوا ببناء السفينة.. سفينة!!! في وسط صحراء رملية قاحلة، لقد جُنّ القوم.
وما شأن الفرج بالسفينة، أن يأتي الفرج من حيث لا نحتسب؟
لقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءِ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾[4].
عَنِ اَلْهَرَوِيِّ قَالَ: قَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((لَمَّا هَبَطَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى اَلْأَرْضِ كَانَ هُوَ وَ وُلْدُهُ وَ مَنْ تَبِعَهُ ثَمَانِينَ نَفْساً فَبَنَى حَيْثُ نَزَلَ قَرْيَةً فَسَمَّاهَا قَرْيَةَ اَلثَّمَانِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا ثَمَانِينَ))[5].
لا تظن أن الامتحان لمرةٍ واحدةٍ أو من نوعٍ واحد، لا تظن أنه لعمرٍ محدد أو لفئة محددة.. ولا تيأس إذا تأخر الفرج فبينك وبينه كلمح البصر، ما عليك إلّا أن تلتجأ للدعاء في شهر رمضان الكريم، فيستجيب لك ربُّ العزة وتقضى حوائجك.
[1] سورة نوح، الآيات: 5+6+9.
[2] الكافي، ج 8، ص 284.
[3] سورة هود، الآية: 38.
[4] سورة هود، الآية: 40.
[5] بحار الأنوار، ج 11، ص 322.
تعليق