بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
سؤال يرد في فكر الانسان عندما يتأمل للحظة أنّه لماذا الصوم؟ فهي فريضة من الله اوجبها على عباده وفيها الكثير من الاسرار والآثار والفوائد، وفيها نمو لعلاقة الانسان مع الخالق الكريم، ولعل احدى الاجابات هي الرواية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه واله عندما قال: ((صُومُوا تَصِحُّوا))[1].
فالذي يستغرب عندما يقول أنّ الصوم هو عبارة عن الامتناع عن الاكل والشرب، وكثير من الناس عندما تصوم تنزل أو تنخفض اوزانهم ويصابوا بالوهن والضعف فكيف هي الصحة؟ الجواب على ذلك: يوجد نوعان للصحة الأولى الصحة النفسية، والثانية الصحة الجسدية، ومعرض الحديث هي الصحة النفسية وهذه تحصل من خلال:
اولاً: عندما يكون العبد من الذين أخلصوا في نيتهم لأنّه بصيامه هذا امتنع عن الاكل والشرب، وعن الفواحش والمعاصي لماذا؟ لانّ الله سبحانه وتعالى امره بذلك؛ فلما يمتثل لأمر الله عز وجل وحده سيكون من الذين أخلصوا لله عز وجل، وذلك يبيّنه حديث السيدة الزهراء سلام الله عليها للقوم عندما قالت: ((فَفَرَضَ اَلْإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ اَلشِّرْكِ وَاَلصَّلاَةَ تَنْزِيهاً عَنِ اَلْكِبْرِ وَاَلزَّكَاةَ زِيَادَةً فِي اَلرِّزْقِ وَاَلصِّيَامَ تَثْبِيتاً لِلْإِخْلاَصِ))[2].
وبما أنّه عبادة وهي متوقفة على النية والنية هي أنّ الانسان يصوم لكي يتقرب الى الله سبحانه وتعالى، فهذا اخلاص من العبد لله عز وجل من دون رياء وسمعة وجاه وعجب.
ونتيجة هذا الامر أنّ الانسان تكون لديه صحة نفسية، ولا شيء من العوامل النفسية يؤثر على هذا العبد فيكون لديه نوع من الصحة.
ثانياً: بالصوم الانسان يصبر على مفارقة الطعام والشراب لساعات النهار، وهذا الصبر يؤدي به الى أنّه يصبر على كل افات هذه الحياة، فيتحمل الامراض والعلل والهموم والغموم التي يمر بها في هذه الحياة، وهو ما ورد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : ((فِيمَا كَتَبَ إِلَيْهِ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ عِلَّةُ اَلصَّوْمِ لِعِرْفَانِ مَسِّ اَلْجُوعِ وَاَلْعَطَشِ لِيَكُونَ اَلْعَبْدُ ذَلِيلاً مُسْتَكِيناً مَأْجُوراً مُحْتَسِباً صَابِراً وَيَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلاً لَهُ عَلَى شَدَائِدِ اَلْآخِرَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ اَلاِنْكِسَارِ لَهُ عَنِ اَلشَّهَوَاتِ وَاعِظاً لَهُ فِي اَلْعَاجِلِ دَلِيلاً عَلَى اَلْآجِلِ لِيَعْلَمَ شِدَّةَ مَبْلَغِ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ اَلْفَقْرِ وَاَلْمَسْكَنَةِ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ))[3].
ثالثا: الشعور بالفقراء والمحتاجين في هذا الشهر؛ وعندما يستشعر الانسان الفقراء ويعطي للفقير ما يفرح به من طعام وشراب وملبس، فتغمره السعادة ويذهب عنه الهم والغم، ويكون في راحة نفسية وهذه صحة، فقد سَأَلَ هِشَامُ بْنُ اَلْحَكَمِ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ : ((عَنْ عِلَّةِ اَلصِّيَامِ فَقَالَ: إِنَّمَا فَرَضَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ اَلصِّيَامَ لِيَسْتَوِيَ بِهِ اَلْغَنِيُّ وَاَلْفَقِيرُ وَذَلِكَ أَنَّ اَلْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ اَلْجُوعِ فَيَرْحَمَ اَلْفَقِيرَ لِأَنَّ اَلْغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ وَأَنْ يُذِيقَ اَلْغَنِيَّ مَسَّ اَلْجُوعِ وَاَلْأَلَمِ لِيَرِقَّ عَلَى اَلضَّعِيفِ فَيَرْحَمَ اَلْجَائِعَ))[4].
رابعا: الشعور بالتذلل لله تعالى وابعاد التكبر، فهو ذهاب لمرض الكبر النفسي، واستحضار وتفعيل للتذلل بين يدي الله تعالى، وهو ما تحدث به امير المؤمنين عليه السلام: ((وَعَنْ ذَلِكَ مَا حَرَسَ اَللهُ عِبَادَهُ اَلْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَوَاتِ وَاَلزَّكَوَاتِ وَمُجَاهَدَةِ اَلصِّيَامِ فِي اَلْأَيَّامِ اَلْمَفْرُوضَاتِ تَسْكِيناً لِأَطْرَافِهِمْ وَتَخْشِيعاً لِأَبْصَارِهِمْ وَتَذْلِيلاً لِنُفُوسِهِمْ وَتَخْفِيضاً لِقُلُوبِهِمْ وَإِذْهَاباً لِلْخُيَلاَءِ عَنْهُمْ))[5].
خامسا: الغاء سيطرة الشهوات، فيكون الصائم بحق ذا قوة وإرادة نفسية تمنعه من مرض حب الشهوات والبحث عنها، ففِي عُيُونِ اَلْأَخْبَارِ فِي بَابِ اَلْعِلَلِ اَلَّتِي ذَكَرَ اَلْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ فِي آخِرِهَا: إِنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ «فَإِنْ قَالَ»: فَلِمَ أُمِرَ بِالصَّوْمِ؟ ((فَيَسْتَوْجِبَ اَلثَّوَابَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ اَلاِنْكِسَارِ عَنِ اَلشَّهَوَاتِ))[6]، فالصوم يعرِّف الإنسان على قدرته على السيطرة على شهواته لينظمها بدل أن تجرفه إلى حيث تميل هي.
أخيرا هذه بعض العوامل التي من عمل بها يغنم بها الصحة النفسية.
[1] مستدرك الوسائل، ج 7، ص 502.
[2] علل الشرائع، ص 248.
[3] نهج البلاغة، خطبة 192.
[4] من لا يحضره الفقيه، ج2، 73.
[5] المصدر السابق، ج14، ص471.
[6] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 163.
تعليق