بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
تفسير بِسْمِ اللَّهِاللهم صلِّ على محمد وآل محمد
أنزل اللّه تعالى من السّماء مائة وأربع كتب وأودع علوم المائة في الأربع وهي التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، ثمّ أودع علوم هذه الأربعة في القرآن، ثمّ أودع علوم القرآن في المفصّل منه، ثمّ أودع علوم المفصّل في الحروف المقطّعة الّتي هي في أوائل السّور، ثمّ أودع علوم الكلّ في الفاتحة، ثمّ أودع علوم الفاتحة في « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم »، ثمّ أودع علوم « بسم اللّه الرحمن الرحيم » في بائها، ثمّ في نقطتها، فمن علم تفسير الفاتحة كمن علم تفسير جميع كتب اللّه المنزلة، ومن قرأها كمن قرأ التّوراة والإنجيل والزّبور والفرقان، ومن علم تفسير « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم » كمن علم تفسير الفاتحة بأجمعها، ومن علم تفسير باء « بسم اللّه الرّحمن الرّحيم » كمن علم تفسير « بسم اللّه الرحمن الرحيم » وكذلك تفسير النقطة وما ضمّنها .
ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: ((لَوْ شِئْتُ لَأَوْقَرْتُ سَبْعِينَ بَعِيراً مِنْ بَاءِ بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ))[1].[2].
وقيل: بالباء ظهر الوجود، وبالنقطة تميّز العابد عن المعبود.
وأيّ لسان يتمكّن من تفسير هذه الرّموز والإشارات، ومن الأسرار المندرجة تحت هذه الأخبار والآيات؟، وأيّ إنسان يقوم بكشف هذه الحقائق والدّقائق، الّتي يتضمّن هذه الألفاظ والكلمات؟، ومن يرفع حجاب هذه الوجوه الحسان الّتي هي خلف براقع التراكيب واللّغات؟، وإلى طائفة لهم الاطلاع والانكشاف على أمثال هذه اللّطائف والنكات؟، أشار الحقّ تعالى وقال:
﴿.. وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾[3].
بِسْمِ اللَّهِ: اختصار، والمعنى هو: أبدأ باسم اللّه، أو بدأت باسم اللّه، أو باسم اللّه أبدأ، أو ابتدأت، أو ابتدائي.
وقولنا: بِسْمِ اللَّهِ؛ أي: أبتدئ ببسم اللّه، أو ابتدائي ببسم اللّه. فهو خبر مبتدأ محذوف.
واشتقاق الاسم، من السّمو؛ وهو العلوّ والرّفعة. ومنه: سما الزّرع؛ أي: علا وارتفع.
ومنه اشتقاق السّماء؛ لارتفاعها وعلوّها.
بسم الله الجامع للكمالات المستوجبة للمحامد من الذاتية والوصفية والفعلية.
عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((أَوَّلُ كُلِّ كِتَابٍ نَزَلَ مِنَ اَلسَّمَاءِ «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ» فَإِذَا قَرَأْتَ «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ» فَلاَ تُبَالِي أَلاَّ تَسْتَعِيذَ وإِذَا قَرَأْتَ «بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ» سَتَرَتْكَ فِيمَا بَيْنَ اَلسَّمَاءِ واَلْأَرْضِ))[4].
وفي عيون اخبار الرضا والمعاني عن الرضا عليه السلام: (يعني بهذا أسِمُ نفسي بسمة من سمات الله وهي العبادة، قيل له ما السمة قال العلامة).
ولتوضيح ذلك: أنّ حقيقة العبوديّة وهي الفناء والعجز والحاجة والتّبعيّة والانقياد، وهي علامة الربوبيّة التي هي كمال الوجود والوجوب والغنى والجود والسلطنة والمولويّة، فإذا حصل في العبد نور العبوديّة، ظهرت فيه آية الربوبيّة، فمن وسم نفسه بسمة العبوديّة - وهي حالة العجز والحاجة والرّجاء والفقر والعدم والفناء - فقد وسم نفسه بسمة اللّه، حيث إن المخلوق ليس من جهة نفسه وذاته إلّا العدم والقابليّة لقبول فيض الحقّ وفعله وعطائه وإنعامه، ويعبّر عن هذه الحيثيّة بالذّات والماهيّة، وما سواها ليس إلّا فيض الوجود وهي آية الحقّ وتجلّيه .
وكما أنّ جهة ذاته جهة الأنانيّة، ومناط الاحتجاب، ومبدأ كلّ شرّ، يكون فيض الوجود - وهو جهة الربوبيّة - مبدأ كلّ خير، فكلّما اشتدّت فيه هذه الجهة كملت الذّات وكثرت منها الخيرات، لأن كلّ خير من آثار الوجود الذي هو بإفاضة اللّه وجوده، فعلى العبد أن يسأل حين إرادة القيام بوظائف.
[1] عوالي اللئالي، ج 4، ص 102.
[2] راجع تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم في تأويل كتاب العزيز المحكم، السيد حيدر الآملي، ج 1، ص 210، التعليق 13.
[3] سورة آل عمران، الآية: 7.
[4] الكافي، ج 3، ص 313.