بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِاللهم صلِّ على محمد وآل محمد
هي جملة في درجة "اسم الله الأعظم"، كما روي عَنْ عَبْدِ اَللهِ بْنِ يَحْيَى اَلْكَاهِلِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((«بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ» أَقْرَبُ إِلَى اِسْمِ اَللهِ اَلْأَعْظَمِ مِنْ نَاظِرِ اَلْعَيْنِ إِلَى بَيَاضِهَا))[1].
وفي حديث آخر عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: ((إِنَّ بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ أَقْرَبُ إِلَى اِسْمِ اَللَّهِ اَلْأَعْظَمِ مِنْ سَوَادِ اَلْعَيْنِ إِلَى بَيَاضِهَا قَالَ: وَقَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ: كَانَ أَبِي عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ قَالَ: بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ خَرَجْتُ بِحَوْلِ اَللهِ وَقُوَّتِهِ لاَ بِحَوْلِي وَقُوَّتِي بَلْ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ يَا رَبِّ مُتَعَرِّضاً بِهِ لِرِزْقِكَ فَأْتِنِي بِهِ فِي عَافِيَةٍ))[2].
وقد عرف عن الإمام علي عليه السلام أنه بدأ يفسّر لابن عباس آية البسملة من أول الليل إلى أن أسفر الصبح وهو لم يتجاوز تفسير الباء منها.[3]
وقد جرى كلامه تعالى هذا المجرى، فابتدأ الكلام في القرآن باسمه عزَّ اسمه، ليكون ما يتضمنه من المعنى معلماً باسمه مرتبطاً به، وليكون أدباً يؤدّب به العباد في الأعمال والأفعال والأقوال، فيبتدئوا باسمه ويعملوا به، فيكون ما يعملونه معلّماً باسمه منعوتاً بنعته تعالى مقصوداً لأجله سبحانه، فلا يكون العمل هالكاً باطلاً فانياً، لأنه ارتبط باسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه.
ولا بقاء لشيء إلّا وجهه الكريم، فما عمل لوجهه الكريم وصنع باسمه هو الذي يبقى ولا يفنى ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾[4]، وكل أمر من الأمور إنما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه من نصيب.
وفي رواية ((لَقَدْ دَخَلَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ يَحْيَى عَلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كُرْسِيٌّ فَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ فَجَلَسَ عَلَيْهِ فَمَالَ بِهِ حَتَّى سَقَطَ عَلَى رَأْسِهِ فَأَوْضَحَ عَنْ عَظْمِ رَأْسِهِ وَسَالَ اَلدَّمُ فَأَمَرَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمَاءٍ فَغَسَلَ عَنْهُ ذَلِكَ اَلدَّمَ ثُمَّ قَالَ اُدْنُ مِنِّي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى مُوضِحَتِهِ وَقَدْ كَانَ يَجِدُ مِنْ أَلَمِهَا مَا لاَ صَبْرَ لَهُ مَعَهُ وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَتَفَلَ فِيهَا فَمَا هُوَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى اِنْدَمَلَ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ قَطُّ ثُمَّ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ يَا عَبْدَ اَللَّهِ اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي جَعَلَ تَمْحِيصَ ذُنُوبِ شِيعَتِنَا فِي اَلدُّنْيَا بِمِحَنِهِمْ لِتَسْلَمَ لَهُمْ طَاعَاتُهُمْ وَيَسْتَحِقُّوا عَلَيْهَا ثَوَابَهَا. فَقَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ يَحْيَى - يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَفَدْتَنِي وَعَلَّمْتَنِي فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تُعَرِّفَنِي ذَنْبِيَ اَلَّذِي اُمْتُحِنْتُ بِهِ فِي هَذَا اَلْمَجْلِسِ حَتَّى لاَ أَعُودَ إِلَى مِثْلِهِ قَالَ تَرْكُكَ حِينَ جَلَسْتَ أَنْ تَقُولَ بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ - فَجَعَلَ ذَلِكَ لِسَهْوِكَ عَمَّا نُدِبْتَ إِلَيْهِ تَمْحِيصاً بِمَا أَصَابَكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حَدَّثَنِي عَنِ اَللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ بِسْمِ اَللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ فَقُلْتُ بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لاَ أَتْرُكُهَا بَعْدَهَا قَالَ إِذاً تَحْظَى بِذَلِكَ وَتَسْعَدَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اَللَّهِ بْنُ يَحْيَى يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَمَا تَفْسِيرُ بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ - قَالَ إِنَّ اَلْعَبْدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْمَلَ عَمَلاً فَيَقُولُ بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ - فَإِنَّهُ تُبَارَكُ لَهُ فِيهِ))[5].
وينبغي الانتباه إلى أن التأكيد على الابتداء بـ “بسم الله" ليس فقط في الكلام وإنما في الكتابة أيضاً كما في كتاب النبي سليمان عليه السلام إلى بلقيس. وفي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تدع البسملة ولو كتبت شعراً" ثم ذكر الإمام عليه السلام أنهم كانوا يبدؤون رسائلهم قبل الإسلام بعبارة "باسمك اللهم". ولما نزلت الآية الكريمة: "إنه من سليمان وإنه ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم﴾" بدأوا رسائلهم بعبارة "بسم الله".
[1] تهذيب الأحكام، ج 2، ص 289.
[2] عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج 2، ص 5.
[3] التفسير الأمثل، ج 1، ص: 25.
[4] سورة الرحمن، الآيتان: 26-27.
[5]بحار الأنوار، ج 89، ص: 240.