بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد
اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد
غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ اَلضّٰالِّينَ
يتضح من الآية الكريمة أن المغضوب عليهم والضالين مجموعتان لا مجموعة واحدة،
وأما الفرق بينهما ففيه ثلاثة أقوال:
1 - يستفاد من استعمال التعبيرين في القرآن أن " المغضوب عليهم " أسوأ وأحط من " الضالين "، أي إن الضالين هم التائهون العاديون، والمغضوب عليهم هم المنحرفون المعاندون، أو المنافقون، ولذلك استحقوا لعن الله وغضبه.
قال تعالى: ﴿..وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلۡكُفۡرِ صَدۡرٗا فَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ مِّنَ ٱللَّهِ ..﴾[1].
وقال سبحانه: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۖ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾[2].
المغضوب عليهم إذن يسلكون - إضافة إلى كفرهم - طريق اللجاج والعناد ومعاداة الحق، ولا يألون جهدا في توجيه ألوان التنكيل والتعذيب لقادة الدعوة الإلهية.
2 - ذهب جمع من المفسرين إلى أن المقصود من الضالين المنحرفون من النصارى، والمغضوب عليهم المنحرفون من اليهود.
هذا الفهم ينطلق من مواقف هذين الفريقين تجاه الدعوة الإسلامية. فالقرآن يصرح مرارا أن المنحرفين من اليهود كانوا يكنون عداءً شديدا وحقدا دفينا للإسلام، لقوله تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ ..﴾[3].
مع أن علماء اليهود كانوا من مبشري ظهور الإسلام، لكنهم تحولوا إلى أعداء ألداء للإسلام لدى انتشار الدعوة لأسباب عديدة لا مجال لذكرها، منها تعرض مصالحهم المادية للخطر. (تماما مثل موقف الصهاينة اليوم من الإسلام والمسلمين).
تعبير المغضوب عليهم ينطبق تماما على هؤلاء اليهود، لكن هذا لا يعني حصر مفهوم المغضوب عليهم بهذه المجموعة من اليهود، بل هو من قبيل تطبيق الكلي على الفرد.
أما منحرفو النصارى فلم يكن موقفهم تجاه الإسلام يبلغ هذا التعنت، بل كانوا ضالين في معرفة الحق. والتعبير عنهم بالضالين هو أيضا من قبيل تطبيق الكلي على الفرد.
الأحاديث الشريفة أيضا فسرت المغضوب عليهم باليهود، والضالين بمنحرفي النصارى، والسبب في ذلك يعود إلى ما ذكرناه
3 - من المحتمل أن الضالين إشارة إلى التائهين الذين لا يصرون على تضليل الآخرين، بينما المغضوب عليهم هم الضالون والمضلون الذين يسعون إلى جر الآخرين نحو هاوية الانحراف.
الشاهد على ذلك حديث القرآن عن المغضوب عليهم بوصفهم، إذ يقول: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾[4]، [5].
أمّا روايات أهل ابيت فقد اشارت الى أنّ المقصود من المغضوب عليهم هم اليهود، وإنّ المقصود من الضّالين هم النّصارى، وأفاد بعضُها أنّ المغضوب عليهم هم النّواصب اللذين ينصبون العداء لأهل البيت عليهم السلام وأنّ الضّالين هم الشّكّاكون اللذين لا يعرفون الإمام عليه السلام أي اللذين لا يُؤمنون بإمامته، ومنها:
أولاً: عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ اِبْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : فِي قَوْلِهِ غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِاَلضَّالِّينَ قَالَ: ((اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اَلنُّصَّابُ وَاَلضَّالِّينَ اَلشُّكَّاكُ وَاَلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ اَلْإِمَامَ))[6].
ثانياً: عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ اَلْعَسْكَرِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ أَبَا اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((إِنَّ مَنْ تَجَاوَزَ بِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلْعُبُودِيَّةَ فَهُوَ مِنَ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَمِنَ اَلضّٰالِّينَ وَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: لاَ تَتَجَاوَزُوا بِنَا اَلْعُبُودِيَّةَ))[7].
ثالثاً: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ أَقُولُ آمِينَ إِذَا قَالَ اَلْإِمَامُ «غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ اَلضّٰالِّينَ» قَالَ: ((هُمُ اَلْيَهُودُ وَاَلنَّصَارَى وَلَمْ يُجِبْ فِي هَذَا))[8].
[1] سورة النحل، الآية: 106.
[2] سورة الفتح، الآية: 6.
[3] سورة المائدة، الآية: 82.
[4] سورة الشورى، الآية: 16.
[5] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 1، ص 59-61.
[6] تفسير القمي، ج 1، ص 29.
[7] الاحتجاج، ج 2، ص 438.
[8] تهذيب الأحكام، ج 2، ص 75.
تعليق