بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾[1]
المراد انهم يؤمنون بالأنبياء السابقين وما نزل عليهم من الكتب ولا ينكرون ان الله تعالى أرسل الانبياء السابقين وانهم كانوا قبل النبي (صلى الله عليه واله) وانهم من الله وانهم حق من الله تعالى ويؤمنون بالنبي (صلى الله عليه واله) وانه خاتمهم وسيدهم وان المطلوب من الجميع سواء من كان على ديانة سماوية كاليهود والنصارى او ديانة ارضية كالمشركين وعبدة النار فعليهم جميعا اتباع خاتم الانبياء وما جاء به من الله.
وليس المراد انهم يكونون يهودا او مسيحا ولا المراد ان يجمع بين كل هذه المذاهب.
فالخطاب لرسول الله (صلى الله عليه واله) والمعنى: لا بد أن يكون مع الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، الإيمان بنبوتك يا محمد، وأيضاً لا بد من الإيمان بكل نبي آمنت أنت بنبوته وما أُنزل إليه من الوحي، هذا هو الأصل الثالث من أصول الإسلام، فمن آمن بالله ونبوة محمد، ولم يؤمن بالآخرة فليس بمسلم، وكذلك من آمن بالله واليوم الآخر، ولم يؤمن بنبوة محمد (صلى الله عليه واله).
قال بعضهم: هذه الآية تناولت مؤمني العرب خاصة، بدلالة قوله فيما بعد ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾ الآية، فهذا في مؤمني أهل الكتاب، إذ لم يكن للعرب كتاب قبل القرآن، وهذا غير صحيح، لأنه لا يمتنع أن تكون الآية الأولى عامة في جميع المؤمنين، وإن كانت الثانية خاصة في قوم منهم. ويجوز أن يكون المراد بالآيات قوما واحدا وصفوا بجميع ذلك، بأن جمع بين أوصافهم بواو العطف، كقول الشاعر:
إلى الملك القرم، وابن الهمام، وليث الكتيبة في المزدحم ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾[2].
وقد ورد عن الإمام العسكري عليه السلام: ((ثُمَّ وَصَفَ بَعْدَ هَؤُلاَءِ اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاَةَ فَقَالَ: وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ» يَا مُحَمَّدُ «وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» عَلَى اَلْأَنْبِيَاءِ اَلْمَاضِينَ، كَالتَّوْرَاةِ وَاَلْإِنْجِيلِ وَاَلزَّبُورِ، وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَسَائِرِ كُتُبِ اَللَّهِ تَعَالَى اَلْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، بِأَنَّهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ مِنْ عِنْدِ رَبِّ اَلْعَالَمِينَ، اَلْعَزِيزِ، اَلصَّادِقِ، اَلْحَكِيمِ))[3].
وورد عن الإمام العسكري عليه السلام: [وَقَالَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ]: ((مَنْ دَفَعَ فَضْلَ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ بَعْدَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَدْ كَذَّبَ بِالتَّوْرَاةِ وَاَلْإِنْجِيلِ وَاَلزَّبُورِ وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَسَائِرِ كُتُبِ اَللَّهِ اَلْمُنَزَّلَةِ، فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ شَيْءٌ مِنْهَا إِلاَّ وَأَهُمُّ مَا فِيهِ بَعْدَ اَلْأَمْرِ بِتَوْحِيدِ اَللَّهِ تَعَالَى وَاَلْإِقْرَارِ بِالنُّبُوَّةِ: اَلاِعْتِرَافُ بِوَلاَيَةِ عَلِيٍّ وَاَلطَّيِّبِينَ مِنْ آلِهِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ))[4].
وَ لَقَدْ قَالَ رَجُلٌ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِهِ وَيُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ وَيُصَلِّي وَيُزَكِّي وَيَصِلُ اَلرَّحِمَ وَيَعْمَلُ اَلصَّالِحَاتِ لَكِنَّهُ يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ لاَ أَدْرِي اَلْحَقَّ لِعَلِيٍّ أَوْ فُلاَنٍ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: ((مَا تَقُولُ أَنْتَ فِي رَجُلٍ يَفْعَلُ هَذِهِ اَلْخَيْرَاتِ كُلَّهَا إِلاَّ أَنَّهُ يَقُولُ لاَ أَدْرِي اَلنَّبِيُّ مُحَمَّدٌ أَوْ مُسَيْلَمَةُ هَلْ يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ اَلْأَفْعَالِ فَقَالَ لاَ قَالَ فَكَذَلِكَ صَاحِبُكَ هَذَا كَيْفَ يَكُونُ مُؤْمِناً بِهَذِهِ اَلْكُتُبِ مَنْ لاَ يَدْرِي أَمُحَمَّدٌ نَبِيٌّ أَمْ مُسَيْلَمَةُ وَكَذَلِكَ كَيْفَ يَكُونُ مُؤْمِناً بِهَذِهِ اَلْكُتُبِ وَاَلْآخِرَةِ أَوْ مُنْتَفِعاً بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ مَنْ لاَ يَدْرِي أَعَلِيٌّ مُحِقٌّ أَمْ فُلاَنٌ))[5].
هذا التعبير القرآني ورد في موضعين. هذا أحدهما هنا والآخر في سورة النساء، إذ يقول: ﴿لَٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[6].
[1]سورة البقرة، الآية: 4.
[2]مجمع البيان، ج 1، ص 87.
[3] تفسير كنز الدقائق، ج 1، ص 131.
[4] تفسير الإمام العسکري علیه السلام، ج 1، ص 88.
[5] بحار الأنوار، ج 65، ص 285.
[6] سورة النساء، الآية: 162.
تعليق