اللهم صل على محمد وآل محمد
《القضاء والقدر》
القضاء والقدر من صميم العقائد الإسلامية التي جاء بها الكتاب والسنة ، ولا يجوز إنكارهما ، فمن استطاع أن يفهمهما على الوجه الصحيح بلا إفراط ولا تفريط فبها ، وإلا فلا يجوز للمكلف أن يتكلف فهمهما والتدقيق فيهما ، لئلا يضل وتفسد عقيدته .
والقضاء : في اللغة له خمسة معانٍ :
1 ـ بمعنى الخلق : قال تعالى ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾(فصلت:11،12) ، أي خلقهن سبع سماوات .
2.بمعنى الأمر : قال تعالى ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... ﴾(الأسراء:23) أي أمر ربك .
3.بمعنى الإعلام : قال تعالى ﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾(الإسراء:4) يعني أعلمناهم ذلك وأخبرناهم به قبل وقوعه .
4 ـ بمعنى الفصل في الحكم : قال تعالى ﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾(غافر:20) أي يفصل في الحكم بالحق بين خلقه .
5 ـ بمعنى الفراغ من الأمر : قال تعالى ﴿ ... قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴾(يوسف:41) أي فُرِغ منه.
وقال تعالى ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ... ﴾(إبراهيم:22) .
إذا اتضح ما ذكرناه في معاني القضاء وأنه ليس له معنى واحد ، بل له معان متعددة ، يتبين أن معنى القضاء يكون بحسب الجملة التي ورد فيها ، فتارة يراد به الأمر ، وتارة يراد به الخلق ، وتارة يراد به الفصل في الحكم ، وتارة يراد به الفراغ من الشيء . . . وهكذا .
وأما القدر :
فالمراد به أن الله سبحانه وتعالى حدد كل شيء من الأرزاق والآجال وغيرها ، فجعل كل شيء بحد معلوم ، لا يزيد ولا ينقص .
قال سبحانه وتعالى ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ (الحجر:21) .
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ (القمر:49).
﴿ ... وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾(الفرقان:2) .
والحاصل أن أفعال المكلفين قضاها الله بمعنى جعل لها حكما شرعياً : إما أمر أو نهي .
وقدرها بمعنى أنه سبحانه وتعالى جعل لكل حكم حدوده . وأما في ما يتعلق بالآجال والأرزاق والحوادث الكونية فإن الله سبحانه وتعالى قضاها بمعنى أوجدها ، وقدرها بمعنى أنه جعل لها حداً وقدراً خاصاً في الزمان والمكان وغيرهما .
تعليق