إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قراءة في تأريخ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة في تأريخ شهادة أمير المؤمنين عليه السلام


    قد يُقال أن حزن أتباع أهل البيت عليهم السلام على ما لاقاه ائمتهم من سلب حق وقتل وتشريد .. وما صدر عن الشيعة من ردود فعل كبيرة ، ثورات وانتفاضات وانقلابات .. قد أحدث شرخاً كبيراُ في جسد الأمّة وضرراً في حياة المسلمين ، نتج عنها انشقاقات عقائدية وفقهية وحتى تصدعات اجتماعية .. الخ .

    وفي الواقع وما يفرضه الإنصاف أن صاحب هذه التهمة أحق بها ممن يتهمهم بها ، لأننا لو رجعنا الى التاريخ لوجدنا أن ما سببه مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان وردود الفعل المبالغة بها من قبل مريديه ومطالبتهم بدمه ورفعهم لقميصه نفاقاً وكذباً ، لا لشيء إلا لغرض معاداة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وتأليب الأمور عليه وإفساد انقياد الأمة له .. سواء ما حصل من قبل السيدة عائشة وطلحة والزبير ومواجهتهم لأمير المؤمنين بحرب الجمل في البصرة ، أو ما قام به معاوية في الشام الذي رفع قميص عثمان وتمرد على طاعة الخليفة الشرعي وواجهه بحرب صفين .. أكبر ضرراً وأعمق شرخاً في الأمة وأكثر مفسدة لأمرها ..

    بل لا يقاس ما خلّفه الحزن على أهل البيت بما أورثته المطالبة بدم عثمان .. وما مقتل أمير المؤمنين والحسن والحسين والائمة من ذرية الحسين عليهم السلام وما تلقاه شيعتهم من حيف ومآسي إلا سيئات ردات فعل مقتل الخليفة الثالث ..!! .

    لا يعادل غصب خلافة الرسول في تغيير مسار الأمة وحرف بوصلتها الإلهية إلا ما حصل بعد مقتل عثمان .. هذان الحدثان وراء كل ظلم وسيئة وتأخير في تاريخ الإسلام والمسلمين وإلى يومنا هذا ..

    ***

    فقميص عثمان خلّف لنا حربا الجمل وصفّين ، وصفين ورّثت لنا الخوارج وحرب النهروان ، وكذلك فرعنة معاوية في الشام ، والخوارج سببت لنا اغتيال أمير المؤمنين عليه السلام ومن ثم تقوية شوكة معاوية وسحب بساط الخلافة من الإمام الحسن عليه السلام ، ومعه انتهت الخلافة الراشدة كما يقولون هم ، وبدأ حكم بني أمية ومن وراءهم حكم بني العباس وما أدراك ما حكم بني أمية وبني العباس .. !!

    بهذا السيناريو ينبغي أن نفهم تسلسل الأحداث وخلفيات شهادة أهل البيت عليهم السلام وتخندق المسلمين وراء مذاهب عقائدية وفقهية وذهاب دولتهم وتهاوي قوتهم حتى طمع بهم الشرق والغرب وأصبحوا لقمة سائغة لكل حاقد على الإسلام وطامع بخيرات المسلمين ..

    فاجتمع على أمير المؤمنين عليه السلام بعد مقتل عثمان وتسنّمه مسؤولية الخلافة عدد من الأمور ، كلها أدّت الى ضرب هامته الشريفة بسيف اللعين ابن ملجم :

    الأول : كره المرأة له وكره بني أمية لبني هاشم وللإسلام عموماً ، يقول طه حسين ( ان السيدة عائشة وجدت على الامام ـ من الناحية النفسية ـ فحسدته لعقمها ، ولأن عقب الرسول قد انحصروا في بنيه من فاطمة زوج علي ) . أما تاريخ بني أمية فهذا أوضح من أن يُذكر ..!

    الثاني : جهل الكثير من المسلمين بأحقية الإمام وخداع المنتفضين بوجهه ومكرهم على الإسلام ، حتى اندلعت في أيامه ثلاث معارك داخل الجسد المسلم ، الناكثون ( طلحة والزبير وعائشة ) ومن دار حولهم ، والقاسطون ( معاوية ومن وراءه جيش الشام ) ، والمارقون ( وهم الخوارج ) .

    الثالث : عدالة أمير المؤمنين وعدم المساومة بدين الله ، لم يرض بأنصاف الحلول ولم يداهن على حكم أو مبدأ إسلامي وخاصة مع الذين كانوا منعّمين في خيرات المسلمين ومتسلّطين عليهم أيّام خلافة عثمان بن عفان - ومن قبله - والذي تشكّلت في أيّامه طبقتان ، الأولى يمثلها معاوية ، وكان يأكل ولا يشبع ، والثانية يمثلها أبو ذر الغفاري الذي مات طريداً شريداً في الربذة .

    كانت ثروة الزبير بن العوام عند وفاته : خمسون ألف دينار ، وألف فرس ، وألفاً من العبيد والاماء.. الخ ، وأما طلحة بن عبيد الله التميمي فكان دخله من ممتلكاته بالعراق وحدها ألف دينار في اليوم الواحد .

    فلم يحتملوا عدالة علي عليه السلام السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وقصته مع أخيه عقيل أشهر من أن تذكر عندما حمى له حديدة ..

    ***

    كان أمير المؤمنين عليه السلام بين إرادتين في الأمّة ، واحدة تريد أن تستمر سياسة الخلفاء الثلاثة وخاصة الأخير منهم ، وأن تبقى العطايا والهبات وإقطاع الأراضي والإستئثار بالمناصب خاصة بطبقة دون أخرى .. سنّة الشيخين وطريقة إدارة الخليفة الثالث هي الإرادة الأولى التي واجهها عليه السلام ، وكان يمثل هذه الإرادة شخصيّات لها ثقلها ونفوذها وقتئذ ، كالسيدة عائشة وطلحة والزبير ومعاوية .. هؤلاء كأنهم رفعوا شعار ( لا حكم إلا للشيخين وعثمان ) ..

    أما الإرادة الثانية فهي إرادة الخوارج ، فهؤلاء رفضوا أيضاً حكم أمير المؤمنين عليه السلام ولكنهم رفعوا شعار ( لا حكم الا لله ) ، هذا الشعار الذي وصفه عليه السلام بأنه ( كلمة حق يراد بها باطل ) ..

    بهذا التشرذم عاش علي بن أبي طالب أيام خلافته ، وبهكذا أجواء تشتتٍ ورفضّ كان زمان إدارته وقيادته للأمّة .. فلم يجد حلّاً إلا أن يقبض بذي الفقار ، هذا السيف الذي أرسى قواعد الإسلام في معارك التنزيل ، لا بد له أن يحافظ على ما أرساه في معارك التأويل .. هذه المعارك التي كان يشير إليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حياته ، في حديث رواه العامّة والخاصة ، ففي مستدرك الصحيحين ، روى الحاكم بطريقين عن أبي سعيد قال : كنّا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فانقطعت نعله ، فتخلّف علي ( عليه السلام ) يخصفها فمشى قليلاً ثم قال : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر ، قال: أبو بكر : أنا هو ؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو ؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل يعني علياً ( عليه السلام ) ، فأتيناه فبشرناه فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال الحاكم : هذا حديث صحح على شرط الشيخين .

    وقد نظّمها الصحابي الجليل عمار بن ياسر ( رضوان الله تعالى عليه ) في شعره الذي كان يرتجز به في معركة صفين التي استشهد فيها ، فكان من رجزه :

    نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله

    ***

    الأمة الإسلامية التي كانت في زمن أمير المؤمنين عليه السلام تتصف بصفتين خطرتين على كل أمّة :

    الأولى : أنها أمّة لا تعرف قادتها الحقيقيين ، ولا تهتدي إليهم ، وإن عرفتهم فإنها غير مهيأة لتقديمهم والسير خلفهم فضلاً عن المحافظة عليهم .. فهي فاقدة لموازين مصلحتها واختيار ما ينفعها في هذا الجانب .

    الثانية : ونتيجة للأولى فإنها باتت أمة ساخطة على نفسها غير راضية على من يتولّى أمرها ، تقتل قياداتها وأصبحت الرئاسة من أقل المناصب أماناً وإستقراراً فيها ، فمات عمر بن الخطاب مقتولاً على يد أبي لؤلؤة ، وعثمان بن عفان مات قتلاً على يد جماعة انتفضت ناقمة على خلافته ، وكذلك الإمام علي بن أبي طالب رحل الى ربّه أثر ضربة ابن ملجم .. !

    فالأمّة التي هذه صفتها هي شبه أمّة ، سفينة بلا ربّان وسط بحر هائج ، بدأت تُغرق نفسها بنفسها وتنسف كل ما بناه لها الإسلام ، حتى ظهرت ملامح الجاهلية فيها مرةً أخرى ، ولهذا نسمع أمير المؤمنين يخاطب الناس ( يا معشر المسلمين الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله الى الإسلام ، وأكرمكم به ، وقطع به عنكم أمر الجاهلية ، واستنقذكم به من لكفر ، وألف به بينكم ، ترجعون الى ما كنتم عليه كفاراً ) .

    ولهذا كان الإصلاح الداخلي وإنعاش ما تبقّى من حياة هو الطريق الذي يفرضه الواقع ويقرّه العقل . فما كانت حروب الناكثين والقاسطين والمارقين إلا عمليات جراحية ، ولكنها للأسف وكأنها تُجرى على ميّت قد فارق الحياة قبل إسعافه ..!

    وقع سيف ابن ملجم على الأمل الأخير لإنقاذ هذه الأمة قبل أن يقع على رأس أمير المؤمنين عليه السلام ..

    ***

    أربعة عناوين استهدفت ضربة ابن ملجم :

    العنوان الأول : عنوان الإمامة والخلافة
    العنوان الثاني : عنوان الصلاة والصيام
    العنوان الثالث : عنوان المكان ، مسجد الكوفة
    العنوان الرابع : عنوان الزمان ، شهر رمضان

    نفهم من اجتماع هذه العناوين في الضربة التي أستشهد على أثرها إمامنا علي بن أبي طالب حقائق عقائدية ووقائع تاريخية مهمة ، منها :

    + أنها تبيّن عظمة أمير المؤمنين عليه السلام وعلوّ مقامه ومنزلته وشأنه عند الله تعالى حينما اختار له هذه الشهادة المباركة ، كان عند اغتياله إماماً للمسلمين وقائداً لهم ، وكذلك كان عند الضربة صائماً وقائماً يصلي الفجر وفي شهر رمضان في محراب أحد أعظم مساجد الله تعالى على الأرض .. فهل تعرفون نظيراً لهكذا مقام وهكذا شهادة ..! ولهذا حقَّ له عليه السلام أن يقول ( فزت ورب الكعبة ) .

    + تظهر لنا الشقاوة التي كان عليها قاتل أمير المؤمنين وأي مسخ كان عليه هذا الملعون وهو يتجرأ على الله وعلى هذه العناوين المقدسة التي كانت تمثّل أعلى مقامات وتجليات عبادة حضرة القدس الالهي في الأرض .. فقد روي أنه ( عليه السلام ) كان يقول على المنبر : " ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم " ويضع يده على شيبته (عليه السلام ) .

    + نعرف أي مستوى من التسافل وصلت إليه الأمّة وأي تقهقر كان عليه المسلمون وأي ضعف ووهن حينها بحيث يتجرأ مثل ابن ملجم على إمامهم وخليفتهم وفي قلب عاصمة دولتهم ومقدساتهم ..!

    هكذا تنبيهات - وغيرها - ينبغي أن تُقرأ من بين سطور حادثة شهادة أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو شهيد الوضع الفاشل والمتردي الذي وصلت إليه الأمّة الإسلامية على أثر تولّي أمرها مَن لا يستحق هذه الولاية ، كان عليه السلام والائمة من ابناءه ضحيّة انحراف كبير اقترفه المسلمون بعد رحيل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله .. هي ليست جريمة قتل اقترفها شخص وتحمّل جرمها الجاني المباشر فقط .. وإنّما هي شهادة فشل ذريع منحها المسلمون لأنفسهم وحفظها التاريخ لأجيالهم .. آجركم الله​

  • #2

    احسنتم ويبارك الله بكم
    اعظم الله اجوركم
    شكرا لكم كثيرا​​

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X