بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾[1].
الخدع أن توهم صاحبك خلاف ما تريد به من المكروه وتصيبه به مع خوف واستحياء من المخادعة به.
وقيل: للإصابة، لأنّ مجرد الإرادة لا يكفي في تحقق الخدع.
وصيغة المخادعة تقتضي صدور الفعل من كل واحد من الجانبين متعلقا بالآخر، وخداعهم مع الله ليس على ظاهره، لأنّه لا يخفى عليه خافية، ولأنهم لم يقصدوا خديعته، بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف، أو على أنّ معاملة الرسول معاملة الله من حيث أنه خليفته، كما قال تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾[2].
ومعروف أنّ المشركين قبل الإسلام تميزوا بمزاولة الخديعة فيما بينهم ومع الآخرين، وعندما دخلوا الى الإسلام بقيّ البعض منهم على هذا المنهاج ولم تتغير نفوسهم، فمارسوا الخديعة مع رسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين، وتجلى ذلك أولاً برفض تطبيق بيعتهم لأمير المؤمنين عليه السلام وذلك من خلال الروايات التالية، علما أنّ الله عز وجل شدّد على البيعة بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ﴾[3].
فمنها ما روي عن موسى بن جعفر عليهما السلام: ((فَاتَّصَلَ ذَلِكَ مِنْ مُوَاطَاتِهِمْ وَقِيلِهِمْ فِي عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَسُوءِ تَدْبِيرِهِمْ عَلَيْهِ بِرَسُولِ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَدَعَاهُمْ وَعَاتَبَهُمْ فَاجْتَهَدُوا فِي اَلْأَيْمَانِ.
وَقَالَ أَوَّلُهُمْ: يَا رَسُولَ اَللهِ مَا اِعْتَدَدْتُ بِشَيْءٍ كَاعْتِدَادِي بِهَذِهِ اَلْبَيْعَةِ وَلَقَدْ رَجَوْتُ أَنْ يَفْسَحَ اَللهُ بِهَا لِي فِي اَلْجِنَانِ وَيَجْعَلَنِي فِيهَا مِنْ أَفْضَلِ اَلنُّزَّالِ وَاَلسُّكَّانِ.
وَقَالَ ثَانِيهِمْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللهِ مَا وَثِقْتُ بِدُخُولِ اَلْجَنَّةِ وَاَلنَّجَاةِ مِنَ اَلنَّارِ إِلاَّ بِهَذِهِ اَلْبَيْعَةِ وَاَللهِ مَا يَسُرُّنِي إِنْ نَقَضْتُهَا أَوْ نَكَثْتُ بَعْدَ مَا أَعْطَيْتُ مِنْ نَفْسِي مَا أَعْطَيْتُ وَإِنْ كَانَ لِي طِلاَعَ مَا بَيْنَ اَلثَّرَى إِلَى اَلْعَرْشِ لَئَالِي رَطْبَةٌ وَجَوَاهِرُ فَاخِرَةٌ.
وَقَالَ ثَالِثُهُمْ: وَاَللهِ يَا رَسُولَ اَللهِ لَقَدْ صِرْتُ مِنَ اَلْفَرَحِ بِهَذِهِ اَلْبَيْعَةِ مِنَ اَلسُّرُورِ وَاَلْفَتْحِ مِنَ اَلْآمَالِ فِي رِضْوَانِ اَللهِ مَا أَيْقَنْتُ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أَهْلِ اَلْأَرْضِ كُلِّهَا لَمُحِّصَتْ عَنِّي بِهَذِهِ اَلْبَيْعَةِ وَحَلَفَ عَلَى مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَعَنَ مَنْ بَلَّغَ عَنْهُ رَسُولَ اَللهِ خِلاَفَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَتَابَعَ بِهَذَا اَلاِعْتِذَارِ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ اَلْجَبَابِرَةِ وَاَلْمُتَمَرِّدِينَ فَقَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ: يُخادِعُونَ اَللّٰهَ يَعْنِي يُخَادِعُونَ رَسُولَ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِإِبْدَائِهِمْ خِلاَفَ مَا فِي جَوَانِحِهِمْ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ أَيْضاً اَلَّذِينَ سَيِّدُهُمْ وَفَاضِلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ))[4].
ومنها ما ورد عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في حديث طويل يقول في آخره: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لام سلمة رضي الله عنها: ((يَا أُمَّ سَلَمَةَ، اِسْمَعِي واِشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيِّدُ اَلْمُسْلِمِينَ وإِمَامُ اَلْمُتَّقِينَ وقَائِدُ اَلْغُرِّ اَلْمُحَجَّلِينَ وقَاتِلُ اَلنَّاكِثِينَ واَلْقَاسِطِينَ واَلْمَارِقِينَ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اَللهِ، مَنِ اَلنَّاكِثُونَ قَالَ: اَلَّذِي يُبَايِعُونَ بِالْمَدِينَةِ ويَنْكُثُونَ بِالْبَصْرَةِ.
قُلْتُ: ومَنِ اَلْقَاسِطُونَ قَالَ: مُعَاوِيَةُ وأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ اَلشَّامِ.
قُلْتُ: وَمَنِ اَلْمَارِقُونَ قَالَ: أَصْحَابُ اَلنَّهْرَوَانِ))[5].
ومن الخديعة الازدياد في الكفر كما ورد: في تفسير علي بن إبراهيم، قول الله عز وجل: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدادُوا كُفْراً﴾: نَزَلَتْ فِي اَلَّذِينَ آمَنُوا بِرَسُولِ اَللهُ إِقْرَاراً لاَ تَصْدِيقاً ثُمَّ كَفَرُوا لَمَّا كَتَبُوا اَلْكِتَابَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ لاَ يَرُدُّوا اَلْأَمْرَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ أَبَداً، فَلَمَّا نَزَلَتِ اَلْوَلاَيَةُ وَأَخَذَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اَلْمِيثَاقَ عَلَيْهِمْ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ آمَنُوا إِقْرَاراً لاَ تَصْدِيقاً، فَلَمَّا مَضَى رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا فَازْدَادُوا كُفْراً)[6].
[1]سورة البقرة، الآية: 9.
[2] سورة النساء، الآية: 80.
[3] سورة الفتح، الآية: 10.
[4] بحار الأنوار، ج 37، ص 141.
[5] معاني الأخبار للشيخ الصدوق، ص 204.
[6] تفسير علي بن إبراهيم القمي، ج 1، ص 156.
تعليق