بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾[1].
سفه فعل، سفه نفسه: سَفَّهها وامتهنها. أو جهلها واستخف بها. أو أهلكها وأوبقها، وفي الأصل: سَفِه نفسَه: جهل قدرها، سَفِهَ نَفْسَهُ: ظلم نفسه بسوء تدبيره.
إلا من سفه نفسه: جهل أنها مخلوقة لله يجب عليها عبادته أو استخف بها وامتهنها.
﴿وسَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾[2]: أي سيقول الجهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالهم، في سخرية واعتراض.
﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾[3]: لا تؤتوا أيها الأولياء من يُبَذِّر من الرجال والنساء والصبيان أموالهم التي تحت أيديكم فيضعوها في غير وجهها.
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً﴾[4]: خسروا في قتلهم أولادهم لأنهم سفهوا به سفها بغير علم.
يقول السيد عبد الاعلى السبزواري [طاب ثراه]:
السفه: هو الخفة وقلة التمييز بين الخير والشر والنفع والضرر، سواء كان في الأمور الدنيوية أو الأخروية فمن لا يعرف نفعه من ضره وخيره من شره بالنسبة إلى الجهات الأخروية يعد سفيهاً بالنسبة إليها، ولو كان رشيداً وملتفتاً إلى الأمور الدنيوية التفاتاً دقيقاً كان أن كل من كان متوجهاً وملتفتاً إلى أموره الأخروية وغير دقيق في أموره الدنيوية يعد عند الناس سفيها.
وهذا نزاع قديم بين الفريقين، فأهل الدنيا يعدون أهل الآخرة سفهاء، وأهل الآخرة يعدون أهل الدنيا من السفهاء.
الإنسان، لو تمادى في الغي والضلال، يفقد قدرة التشخيص، بل تنقلب لديه الموازين، ويصبح الذنب والإثم جزء من طبيعته. والمنافقون أيضا بإصرارهم على انحرافهم يتطبعون بخط النفاق، وتتراءى لهم أعمالهم بالتدريج وكأنهم أعمال إصلاحية، وتغدو بصورة طبيعة ثانية لهم.
علامتهم الأخرى: اعتدادهم بأنفسهم واعتقادهم أنهم ذووا عقل وتدبير، وأن المؤمنين سفهاء وبسطاء: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾؟
وهكذا تنقلب المعايير لدى هؤلاء المنحرفين، فيرون الانصياع للحق وإتباع الدعوة الإلهية سفاهة، بينما يرون شيطنتهم وتذبذبهم تعقلا ودراية!! غير أن الحقيقة عكس ما يرون: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ﴾.
أليس من السفاهة ألا يضع الإنسان لحياته خطا معينا، ويبقى يتلون بألوان مختلفة؟! أليس من السفاهة أن يضيع الإنسان وحدة شخصيته، ويتجه نحو ازدواجية الشخصية وتعدد الشخصيات في ذاته، ويهدر بذلك طاقاته على طريق التذبذب والتآمر والتخريب، وهو مع ذلك يعتقد برجاحة عقله؟[5].
وبحسب تأويل روايات أهل البيت عليهم السلام لهذه الآية: فقد ورد عن اَلْإِمَام مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ((إِذَا قِيلَ لِهَؤُلاَءِ اَلنَّاكِثِينَ لِلْبَيْعَةِ - قَالَ لَهُمْ خِيَارُ اَلْمُؤْمِنِينَ كَسَلْمَانَ، وَاَلْمِقْدَادِ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَمَّارٍ-: آمِنُوا بِرَسُولِ اَللهِ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) وَبِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) اَلَّذِي أَوْقَفَهُ مَوْقِفَهُ، وَأَقَامَهُ مَقَامَهُ، وَمَصَالِحَ اَلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا كُلَّهَا بِهِ، آمِنُوا بِهَذَا اَلنَّبِيِّ، وَسَلِّمُوا لِهَذَا اَلْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ اَلْأَمْرِ وَبَاطِنِهِ ، كَمَا آمَنَ اَلنَّاسُ اَلْمُؤْمِنُونَ كَسَلْمَانَ، وَاَلْمِقْدَادِ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَعَمَّارٍ.
قَالُوا فِي اَلْجَوَابِ لِمَنْ يُفْضُونَ إِلَيْهِ، لاَ هَؤُلاَءِ اَلْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُمْ لاَ يَجْسُرُونَ عَلَى مُكَاشَفَتِهِمْ بِهَذَا اَلْحَدِيثِ، وَلَكِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ لِمَنْ يُفْضُونَ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِيهِمُ اَلَّذِينَ يَثِقُونَ بِهِمْ مِنَ اَلْمُنَافِقِينَ، وَمِنَ اَلْمُسْتَضْعَفِينَ، وَمِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اَلَّذِينَ هُمْ بِالسَّتْرِ عَلَيْهِمْ وَاثِقُونَ يَقُولُونَ لَهُمْ: ﴿أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَأَصْحَابَهُ، لَمَّا أَعْطَوْا عَلِيّاً (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) خَالِصَ وُدِّهِمْ، وَمَحْضَ طَاعَتِهِمْ، وَكَشَفُوا رُءُوسَهُمْ لِمُوَالاَةِ أَوْلِيَائِهِ، وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِهِ ، فرد الله عليهم فقال: ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ اَلسُّفَهٰاءُ﴾ اَلْأَخِفَّاءُ اَلْعُقُولِ وَاَلْآرَاءِ، اَلَّذِينَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) حَقَّ اَلنَّظَرِ فَيَعْرِفُوا نُبُوَّتَهُ، وَيَعْرِفُوا بِهِ صِحَّةَ مَا أَنَاطَ بِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) مِنْ أَمْرِ اَلدِّينِ وَاَلدُّنْيَا))[6].
[1] سورة البقرة، الآية: 13.
[2] سورة البقرة، الآية: 142.
[3] سورة النساء، الآية: 105.
[4] سورة الأنعام، الآية: 140.
[5] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 95.
[6] تفسير البرهان، ج 1، ص 141.
تعليق