بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾[1].
اللغة: حقيقة الاشتراء: الاستبدال. والعرب تقول لمن تمسك بشيء، وترك غيره: قد اشتراه، وليس ثم شراء ولا بيع.
وقد ذكرت ﴿الضَّلَالَةَ﴾ ست مرات في القرآن الكريم، منها مرتين في سورة البقرة.
يقول الطبرسي في تفسيره، للعلماء فيه وجوه:
(أحدها: إن المراد ب ﴿اشْتَرَوُا﴾ استحبوا واختاروا، لأن كل مشتر مختار ما في يدي صاحبه على ما في يديه، عن قتادة.
وثانيها: إنهم ولدوا على الفطرة، فتركوا ذلك إلى الكفر، فكأنهم استبدلوه به.
وثالثها: إنهم استبدلوا بالإيمان الذي كانوا عليه قبل البعثة كفرا، لأنهم كانوا يبشرون بمحمد، ويؤمنون به صلى الله عليه وآله وسلم، فلما بعث كفروا به، فكأنهم استبدلوا الكفر بالإيمان، عن الكلبي، ومقاتل.
ويحتمل أن يكون ذكر ذلك على التقابل، وهو أن الذين اشتروا الضلالة بالهدى لم يربحوا، كما أن الذين اشتروا الهدى بالضلالة ربحوا)[2].
ويقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيره: (كان بمقدور هؤلاء أن ينتخبوا أفضل طريق لحياتهم، لأنهم كانوا يعيشون إلى جانب ينبوع الوحي الصافي، وفي جوّ مفعم بالصدق والإخلاص والإيمان. لكنهم فوّتوا على أنفسهم هذه الفرصة الفريدة العظيمة، وأضاعوا ما وهبهم اللّه من هداية فطرية في ذواتهم، ومن هداية تشريعية في إطار نور الوحي، واشتروا الضلالة وسلكوا طريقا خالوا أنهم يستطيعون به أن يقضوا على الدعوة ويصلوا إلى مآربهم الخبيثة.
وكان في هذه المقايضة الخاطئة خسارتان:
الاولى: ضياع ثرواتهم المادية والمعنوية.
والثانية: فشلهم في تحقيق أهدافهم المشؤومة.
فالإسلام سرعان ما ضرب بجرانه في أرجاء الأرض فاضحا خطط المنافقين)[3].
فيكون معنى ﴿اشْتَرَوُا﴾: أي استبدلوا، لان أصل الشراء الاستبدال، وليس يقع في مثله إشكال.
والضلالة التي اشتروها بالهدى: كفرهم بالنبي صلى الله عليه وآله وجحدهم لنبوته استبدلوه بالإيمان به، وهم وإن لم يقصدوا أن يضلوا بدلا من أن يهتدوا فقد قصدوا الكفر بالنبي صلى الله عليه وآله بدلا من الايمان به، وذلك ضلال بدلا من هدى، فقد قصدوا الضلال بدلا من الهدى، وإن لم يقصدوه من وجه أنه ضلال. ولا يجوز أن يقول: قصدوا أن يضلوا؛لأنه يوهم أنهم قصدوه من هذا الوجه، كما ينبئ علموا أنهم يضلون غير أنهم علموه من هذا الوجه، ويجوز قصدوا الضلال، وعلموا الضلال، لأنه لا ينبئ على هذا الوجه وإنما علموه، وقصدوه من وجه آخر، وهو جحدهم محمدا صلى الله عليه وآله بدلا من التصديق به.
وقد ورد عن اَلْإِمَامِ مُوسَى بْن جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ: ((أُولئِكَ اَلَّذِينَ اِشْتَرَوُا اَلضَّلالَةَ بِالْهُدى بَاعُوا دِينَ اَللهِ واِعْتَاضُوا مِنْهُ اَلْكُفْرَ بِاللهِ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ أَيْ مَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ فِي اَلْآخِرَةِ لِأَنَّهُمُ اِشْتَرَوُا اَلنَّارَ وأَصْنَافَ عَذَابِهَا بِالْجَنَّةِ اَلَّتِي كَانَتْ مُعَدَّةً لَهُمْ لَوْ آمَنُوا وما كانُوا مُهْتَدِينَ إِلَى اَلْحَقِّ واَلصَّوَابِ))[4].
وقَالَ الإمامُ عليٌّ عليه السلام في وصيَّتِهِ لابنِهِ الحَسنِ عليه السلام: ((دَعِ القَولَ فيما لا تَعرِفُ، والخِطابَ فيما لَم تُكَلَّفْ، وأمسِكْ عَن طريقٍ إذا خِفتَ ضَلالَتَهُ؛ فإنَّ الكَفَّ عِندَ حَيرَةِ الضَّلالِ خَيرٌ مِن رُكوبِ الأهوالِ))[5].
_________________________________________
[1] سورة البقرة، الآية: 16.
[2] تفسير مجمع البيان، ج 1، ص 110.
[3] الامثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 103.
[4] بحار الأنوار، ج 65، ص 106.
[5] نهج البلاغة، الكتاب: 31.
تعليق