بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ۚ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[1].الصيب على فيعل من صاب يصوب، وأصله صَيوِبْ، والصيب المطر.
قال الشيخ الطوسي: (وفي تأويل الآية، وتشبيه المثل أقاويل: فالأول: ما روي عن ابن عباس: أنه مثل للقرآن. شبه المطر المنزل من السماء بالقرآن وما فيه الظلمات بما في القرآن من الابتلاء. وما فيه من الرعد بما في القرآن من الزجر. وما فيه من البرق بما فيه من البيان. وما فيه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد آجلا، والدعاء الى الجهاد عاجلا.
والثاني وقيل: إنه مثل للدنيا وما فيها من الشدة والرخاء، والبلاء كالصيب الذي يجمع نفعاً وضراً، فان المنافق يدفع عاجل الضر، ويطلب آجل النفع.
والثالث: انه مثل القيمة لما يخافونه من وعيد الآخرة، لشكهم في دينهم وما فيه من البرق بما فيه من إظهار الإسلام، من حقن دمائهم، ومناكحتهم، ومواريثهم. وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل.
والرابع: أنه ضرب الصيب مثلا بضرب إيمان المنافق. ومثل ما في الظلمات بضلالته. وما فيه من البرق بنور إيمانه. وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.
والقول الأخير أشبه بالظاهر، وأليق بما تقدم)[2].
قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(ره): (صوّر القرآن حياة المنافقين بشكل ليلة ظلماء مخوفة خطرة، يهطل فيها مطر غزير، وينطلق من كل ناحية منها نور يكاد يخطف الأبصار، ويملأ الجو صوت مهيب مرعب يكاد يمزق الآذان. وفي هذا المناخ القلق ضل مسافر طريقه، وبقي في بلقع فسيح لا ملجأ فيه ولا ملاذ، لا يستطيع أن يحتمي من المطر الغزير، ولا من الرعد والبرق، ولا يهتدي إلى طريق لشدة الظلام.
المنافقون مثل هؤلاء المسافرين، يعيشون بين المؤمنين المتزايدين المتدفقين كالسيل الهادر وكالمطر الغزير، لكنهم لم يتخذوا لهم ملجأ آمنا يقيهم من شرّ صاعقة العقاب الإلهي.
نهوض المسلمين بواجبهم الجهادي المسلح بوجه أعداء الإسلام يشكل صواعق وحمما تنزل على رؤوس المنافقين. وتسنح أحيانا لهؤلاء المنافقين فرصة للهداية واليقظة، لكن هذه الفرصة لا تلبث طويلا، إذ تمر كما يمر نور البرق، ويعود الظلام يطبق عليهم، ويعودون إلى ضلالهم وحيرتهم)[3].
انتشار الإسلام بسرعة كالبرق الخاطف قد أذهلهم.
وهذا ما بيّنه اَلْإِمَامُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ حيثُ قَالَ: ((ثُمَّ ضَرَبَ اَللّهُ لِلْمُنَافِقِينَ مَثَلاً آخَرَ، فَقَالَ: مَثَلُ مَا خُوطِبُوا بِهِ مِنْ هَذَا اَلْقُرْآنِ اَلَّذِي أَنْزَلَنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مُشْتَمِلاً عَلَى بَيَانِ تَوْحِيدِي وَإِيضَاحِ حُجَّةِ نُبُوَّتِكَ، وَاَلدَّلِيلِ اَلْبَاهِرِ عَلَى اِسْتِحْقَاقِ أَخِيكَ عَلِيٍّ لِلْمَوْقِفِ اَلَّذِي وَقَفْتَهُ، وَاَلْمَحَلِّ اَلَّذِي أَحْلَلْتَهُ، وَاَلرُّتْبَةِ اَلَّتِي رَفَعْتَهُ إِلَيْهَا، وَاَلسِّيَاسَةِ اَلَّتِي قَلَّدْتَهُ إِيَّاهَا فِيهِ، فَهِيَ كَصَيِّبٍ مِنَ اَلسَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ قَالَ:يَا مُحَمَّدُ! كَمَا أَنَّ فِي هَذَا اَلْمَطَرِ هَذِهِ اَلْأَشْيَاءَ وَمَنِ اُبْتُلِيَ بِهِ خَافَ فَكَذَلِكَ هَؤُلاَءِ فِي رَدِّهِمْ بَيْعَةَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) وَخَوْفِهِمْ أَنْ تَعْثُرَ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ عَلَى نِفَاقِهِمْ كَمَنْ هُوَ فِي هَذَا اَلْمَطَرِ وَاَلرَّعْدِ وَاَلْبَرْقِ يَخَافُ أَنْ يَخْلَعَ اَلرَّعْدُ فُؤَادَهُ، أَوْ يَنْزِلَ اَلْبَرْقُ بِالصَّاعِقَةِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هَؤُلاَءِ يَخَافُونَ أَنْ تَعْثُرَ عَلَى كُفْرِهِمْ فَتُوجِبَ قَتْلَهُمْ وَاِسْتِيصَالَهُمْ ﴿يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ اَلصَّواعِقِ حَذَرَ اَلْمَوْتِ﴾ كَمَا يَجْعَلُ هَؤُلاَءِ اَلْمُبْتَلُونَ بِهَذَا اَلرَّعْدِ وَاَلْبَرْقِ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِئَلاَّ يَخْلَعَ صَوْتُ اَلرَّعْدِ أَفْئِدَتَهُمْ، فَكَذَلِكَ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ إِذَا سَمِعُوا لَعْنَكَ لِمَنْ نَكَثَ اَلْبَيْعَةَ، وَوَعِيدَكَ لَهُمْ إِذَا عَلِمْتَ أَحْوَالَهُمْ. ﴿يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ اَلصَّواعِقِ حَذَرَ اَلْمَوْتِ﴾ لِئَلاَّ يَسْمَعُوا لَعْنَكَ ولاَ وَعِيدَكَ فَتَغَيَّرَ أَلْوَانُهُمْ فَيَسْتَدِلُّ أَصْحَابُكَ أَنَّهُمُ اَلْمَعْنِيُّونَ بِاللَّعْنِ واَلْوَعِيدِ، لِمَا قَدْ ظَهَرَ مِنَ اَلتَّغْيِيرِ واَلاِضْطِرَابِ عَلَيْهِمْ فَيَتَقَوَّى اَلتُّهَمَةُ عَلَيْهِمْ فَلاَ يَأْمَنُونَ هَلاَكَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى يَدِكَ وحُكْمِكَ. ثُمَّ قَالَ: ﴿واَللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ﴾ مُقْتَدِرٌ عَلَيْهِمْ ولَوْ شَاءَ أَظْهَرَ لَكَ نِفَاقَ مُنَافِقِيهِمْ، وأَبْدَى لَكَ أَسْرَارَهُمْ، وأَمَرَكَ بِقَتْلِهِمْ))[4].
[1] سورة البقرة، الآية: 19.
[2] التبيان في تفسير القرآن، ج 1، ص 91.
[3] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 109.
[4] بحار الأنوار، ج 31، ص 567
تعليق