ألوان الدعاء من أفواه المعصومين (عليهم السلام) في وداع شهر رمضان المبارك .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
الوداع الأول :
الشيخ جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس بن محمد الدوريستي في كتاب الحسنى باسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر رمضان ، فلما بصر بي قال لي : يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودعه وقل : ( اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه ، فان جعلته فاجعلني مرحوما ، ولا تجعلني محروما ) فإنه من قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين إما ببلوغ شهر رمضان من قابل ، وإما بغفران الله ورحمته.
الوداع الثاني :
وداع آخر لشهر رمضان وقد رويناه عن مولانا علي بن الحسين عليه السلام صاحب الأنفاس المقدسة الشريفة ، فيما تضمنه إسناد أدعية الصحيفة ، فقال : وكان من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان :
اللهم يا من لا يرغب في الجزاء ، ويا من لا يندم على العطاء ، ويا من لا يكافي عبده على السواء ، هبتك ابتداء ، وعطيتك تفضل ، وعقوبتك عدل ، وقضاؤك خيرة ، إن أعطيت لم تشب بمن ، وإن منعت لم يكن منعك بتعد ، تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك ، وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك ، تستر على من لو شئت فضحته ، وتجود على من لو أردت منعته ، وكلاهما منك أهل للفضيحة والمنع ، غير أنك بنيت أفعالك على التفضل ، وأجريت قدرتك على التجاوز ، وتلقيت من عصاك بالحلم ، وأمهلت من قصد لنفسه بالظلم ، تستنظرهم بأناتك إلى الإنابة ، و تترك معاجلتهم إلى التوبة ، لكيلا يهلك عليك هالكهم ، ولئلا يشقى بنقمتك شقيهم إلا عن طول الإعذار إليه ، وبعد ترادف الحجة عليه ، كرما من فعلك يا كريم وعائدة من عطفك يا حليم أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك ، وسميته التوبة ، وجعلت على ذلك الباب دليلا من رحمتك لئلا يضلوا عنه، فقلت " توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيأتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار " فما عذر من أغفل دخول ذلك الباب يا سيدي بعد فتحه ، وإقامة الدليل عليه ، وأنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك ، تريد ربحهم في متاجرتك ، وفوزهم بزيادتك فقلت " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها " ثم قلت " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة " وما أنزلت من نظائر هن في القرآن .
وأنت الذي دللتهم بقولك الذي من غيبك، وترغيبك الذي فيه من حظهم على ما لو سترته عنهم لم تدركه أبصارهم ، ولم تعه أسماعهم ، ولم تلحقه أوهامهم فقلت تباركت وتعاليت " اذكروني أذكركم " و " لئن شكرتم لأزيدنكم " و " وادعوني أستجب لكم " وقلت " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له " فذكروك و شكروك ودعوك وتصدقوا لك طلبا لمزيدك ، وفيها كانت نجاتهم من غضبك ، وفوزهم برضاك ولو دل مخلوق مخلوقا من نفسه على مثل الذي دللت عليه عبادك منك ، كان محمودا فلك الحمد ما وجد في حمدك مذهب ، وما بقي للحمد لفظ تحمد به ، ومعنى ينصرف إليه .
يا من تحمد إلى عباده بالاحسان والفضل ، وعاملهم بالمن والطول ، ما أفشا فينا نعمتك وأسبغ علينا منتك ، وأخصنا ببرك هديتنا لدينك الذي اصطفيت وملتك التي ارتضيت ، وسبيلك الذي سهلت ، وبصرتنا ما يوجب الزلفة لديك والوصول إلى كرامتك اللهم وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف ، وخصايص تلك الفروض شهر رمضان، الذي اختصصته من سائر الشهور، وتخيرته من جميع الأزمنة والدهور، وآثرته على جميع الأوقات بما أنزلت فيه من القرآن وفرضت فيه من الصيام ، وأجللت فيه من ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر ، ثم آثرتنا به على سائر الأمم، واصطفيتنا بفضله دون أهل الأديان ، فصمنا بأمرك نهاره ، وقمنا بعونك ليله ، متعرضين بصيامه وقيامه لما عرضتنا له من رحمتك ، وسببتنا إليه من مثوبتك ، وأنت الملئ بما رغب فيه إليك، الجواد بما سئلت من فضلك ، القريب إلى من حاول قربك ، وقد أقام فينا هذا الشهر مقام حمد وصحبنا صحبة السرور، وأربحنا أفضل أرباح العالمين ، ثم قد فارقنا عند تمام وقته ، وانقطاع مدته ، ووفاء عدده ، فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا و غمنا ، وأوحش انصرافه عنا فهمنا ، ولزمنا له الذمام المحفوظ ، والحرمة المرعية ، والحق المقضي. فنحن قائلون :
السلام عليك يا شهر الله الأكبر ، ويا عيد أوليائه الأعظم ، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ، ويا خير شهر في الأيام والساعات ، السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ، ويسرت فيه الأعمال ، السلام عليك من قرين جل قدره موجودا ، وأفجع فراقه مفقودا ، السلام عليك من أليف آنس مقبلا ، فسر وأوحش منقضيا ، فأمر ، السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب ، وقلت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان ، وصاحب سهل سبيل الاحسان السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك ، وما أسعد من رعى حرمته بك ، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لأنواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين ، وأهيبك في صدور المؤمنين ، السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام ، ومن شهر هو من كل أمر سلام ، السلام عليك غير كريه المصاحبة ، ولا ذميم الملابسة السلام عليك كما وردت علينا بالبركات ، وغسلت عنا دنس الخطيئات ، السلام عليك غير مودع سأما ، ولا متروك صيامه برما ، السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، و محزون عليه عند فوته ، السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا ، وكم من خير أفيض بك علينا ، السلام عليك وعلى ليلة القدر التي جعلها الله خيرا من ألف شهر السلام عليك وعلى فضلك الذي حرمناه، وعلى ما كان من بركاتك سلبناه ، السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك ، وأشد شوقنا غدا إليك .
اللهم إنا أهل هذا الشهر الذي شرفتنا به، ووفقتنا بمنك له، حين جهل الأشقياء فضله، وحرموا لشقائهم خيره وأنت ولي ما آثرتنا به من معرفته ، وهديتنا له من سنته، وقد تولينا بتوفيقك صيامه وقيامه على تقصير ، وأدينا من حقك فيه قليلا من كثير ، اللهم فلك إقرارنا بالإساءة واعترافنا بالإضاعة ، ولك من قلوبنا عقدة الندم ، ومن ألسنتنا صدق الاعتذار ، فأجرنا على ما أصبنا به من التفريط أجرا نستدرك به الفضل المرغوب فيه ، ونعتاض به من إحراز الذخر المحروص عليه ، وأوجب لنا عذرك على ما قصرنا فيه من حقك ، وأبلغ بأعمارنا ما بين أيدينا من شهر رمضان المقبل ، فإذا بلغتناه فأعنا على تناول ما أنت أهله من العبادة ، وأدنا إلى القيام بما نستحقه من الطاعة ، وأجر لنا من صالح العمل ما يكون دركا لحقك في الشهرين ، وفي شهور الدهر .
اللهم وما ألممنا به في شهرنا هذا من إثم ، وأوقعنا فيه من ذنب ، واكتسبنا فيه من خطيئة ، عن تعمد منا له ، أو على نسيان من ظلمنا فيه أنفسنا ، أو انتهاكنا فيه حرمة من غيرنا ، فاستره بسترك ، واعف عنا بعفوك ، ولا تنصبنا فيه لأعين الشامتين ولا تبسط علينا ألسنة الطاعنين واستعملنا بما يكون حطة وكفارة لما أنكرت منا فيه برأفتك التي لا تنفد ، وفضلك الذي لا ينقص .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجبر مصيبتنا بشهرنا ، وبارك لنا في يوم عيدنا واجعله من خير يوم مر علينا، أجلبه للعفو ، وأمحاه للذنب واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما علن ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا ، وأخرجنا بخروجه عن سيئاتنا ، واجعلنا من أسعد أهله به ، وأوفرهم قسما اللهم ومن رعا حرمة هذا الشهر حق رعايتها ، وحفظ حدوده حق حفظها ، واتقى ذنوبه حق تقاتها ، أو تقرب إليك بقربة أوجبت رضاك عنه ، وعطفت برحمتك عليه فهب لنا مثله من وجدك وإحسانك ، وأعطنا أضعافه من فضلك ، فان فضلك لا يغيض وإن خزائنك لا تنفد ، وإن معادن إحسانك لا تفنى ، وإن عطاءك للعطاء المهنا .
اللهم اكتب لنا مثل أجور من صامه بنية ، أو تعبد لك فيه إلى يوم القيامة ، اللهم إنا نتوب إليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمسلمين عيدا وسرورا ، ولأهل ملتك مجمعا ومحتشدا ، من كل ذنب أذنبناه ، أو سوء أسلفناه ، أو خطرة شر أضمرناه أو عقيدة سوء اعتقدناها ، توبة من لا ينطوي على رجوع إلى ذنب ، ولا عود في خطيئة توبة نصوحا خلصت من الشك والارتياب ، فتقبلها منا ، وارض بها عنا وثبتنا عليها ، اللهم ارزقنا خوف غم الوعيد وشوق ثواب الموعود حتى نجد لذة ما ندعوك به ، وكآبة ما نستجير بك منه ، واجعلنا عندك من التوابين ، الذين أوجبت لهم محبتك ، وقبلت منهم مراجعة طاعتك ، يا أعدل العادلين ، الله تجاوز عن آبائنا وأمهاتنا ، وأهل ديننا جميعا ، من سلف منهم ومن غبر إلى يوم القيامة ، وصل على نبينا وآله ، كما صليت على ملائكتك المقربين ، وأنبيائك المطهرين ، وعبادك الصالحين ، وسلم على آله كما سلمت على آل يس ، وصل عليهم أجمعين ، صلاة تبلغنا بركتها ، وينالنا نفعها ، وتغمرنا بأسرها ، ويستجاب دعاؤنا بها ، إنك أكرم من رغب إليه ، وأعطى من سئل من فضله ، وأنت على كل شيء قدير .
الوداع الثالث :
روي في إقبال الأعمال : وداع آخر لشهر رمضان رويناه بعدة طرق إلى محمد بن يعقوب بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في وداع شهر رمضان نقلناه من خط جدي أبي جعفر الطوسي رضي الله عنه : اللهم إنك قلت في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل ، صلواتك عليه ، وقولك حق " شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن " وهذا شهر رمضان قد تصرم ، فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامة ، إن كان بقي على ذنب لم تغفره لي أو تريد أن تعذبني عليه ، أو تقايسني به أن يطلع فجر هذه الليلة ، أو ينصرم هذا الشهر إلا وقد غفرته لي يا أرحم الراحمين .
اللهم لك الحمد بمحامدك كلها أولها وآخرها ، ما قلت لنفسك منها ، و ما قاله لك الخلائق الحامدون المجتهدون المعدودون المؤثرون في ذكرك ، و الشكر لك ، الذين أعنتهم على أداء حقك من أصناف خلقك من الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين ، وأصناف الناطقين المسبحين لك من جميع العالمين ، على أنك بلغتنا شهر رمضان ، وعلينا من نعمك وعندنا من قسمك وإحسانك وتظاهر امتنانك ، فبذلك لك منتهى الحمد الخالد الدائم الراكد المخلد السرمد الذي لا ينفد طول الأبد ، جل ثناؤك أعنتنا عليه حتى قضيت عنا صيامه ، وقيامه من صلاة، وما كان منا فيه من بر أو نسك أو ذكر .
اللهم فتقبله منا بأحسن قبولك ، وتجاوزك وعفوك وصفحك وغفرانك و حقيقة رضوانك حتى تظفرنا فيه بكل خير مطلوب ، وجزيل عطاء موهوب ، تؤمنا فيه من كل أمر مرهوب وذنب مكسوب ، اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك أحد من خلقك من كريم أسمائك ، وجزيل ثنائك، وخاصة دعائك ، أن تصلى على محمد وآل محمد ، وأن تجعل شهرنا هذا أعظم شهر رمضان مر علينا منذ أنزلتنا إلى الدنيا بركة في عصمة ديني وخلاص نفسي وقضاء حاجتي وتشفيعي في مسائلي وتمام النعمة على ، وصرف السوء عني ، ولباس العافية لي ، وأن تجعلني برحمتك ممن حزت له ليلة القدر ، وجعلتها له خيرا من ألف شهر في أعظم الأجر ، وكرائم الذخر ، وطول العمر ، وحسن الشكر ، ودوام اليسر .
اللهم وأسألك برحمتك وطولك وعفوك ونعمائك وجلالك وقديم إحسانك وامتنانك أن لا تجعله آخر العهد منا لشهر رمضان ، حتى تبلغناه من قابل على أحسن حال ، وتعرفني هلاله مع الناظرين إليه ، والمتعرفين له ، في أعفى عافيتك وأتم نعمتك ، وأوسع رحمتك ، وأجزل قسمك ، اللهم يا ربي الذي ليس لي رب غيره ، لا يكون هذا الوداع مني وداع فناء ، ولا آخر العهد من اللقاء ، حتى ترينيه من قابل في أسبغ النعم ، وأفضل الرجاء وأنا لك على أحسن الوفاء إنك سميع الدعاء وارحم تضرعي وتذللي لك ، واستكانتي وتوكلي عليك ، فأنا لك سلم لا أرجو نجاحا ، ولا معافاة ولا تشريفا ولا تبليغا إلا بك ومنك ، فامنن علي جل ثناؤك وتقدست أسماؤك بتبليغي شهر رمضان ، وأنا معافى من كل مكروه و محذور ، ومن جميع البوائق ، الحمد لله الذي أعاننا على صيام هذا الشهر وقيامه حتى بلغنا آخر ليلة منه .
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي - ره - في الأصل الذي نقلنا منه ، هذا الوداع بخطه ما هذا لفظه : إلى ههنا رواية الكليني ، وروي إبراهيم بن إسحاق الأحمري عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن أبي بصير وعن جماعة من أصحابه عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك وزاد فيه :
اللهم إني أسألك بأحب ما دعيت به ، وأرضى ما رضيت به عن محمد صلى الله عليه وآله أن تصلى على محمد وآل محمد ولا تجعل وداعي وداع شهر رمضان وداع خروجي من الدنيا ، ولا وداع آخر عبادتك فيه ، ولا آخر صومي لك ، وارزقني العود فيه ثم العود فيه برحمتك يا ولي المؤمنين ، ووفقني فيه لليلة القدر ، واجعلها لي خيرا من ألف شهر ، يا رب العالمين ، يا رب ليلة القدر ، وجاعلها خيرا من ألف شهر ، رب الليل والنهار ، والجبال والبحار ، والظلم والأنوار ، والأرض والسماء ، يا بارئ يا مصور ، يا حنان يا منان ، يا الله يا رحمان ، يا قيوم يا بديع ، لك الأسماء الحسنى ، والأمثال العليا ، والكبرياء والآلاء أسئلك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء وروحي مع الشهداء وإحساني في عليين ، وإساءتي مغفورة وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي ، وإيمانا لا يشوبه شك ، ورضا بما قسمت لي وأن تؤتيني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وأن تقيني عذاب النار .
اللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم ، وفيما تفرق من الأمر الحكيم ، في ليلة القدر ، من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل ولا يغير ، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام ، المبرور حجهم ، المشكور سعيهم ، المغفور ذنبهم ، المكفر عنهم سيئاتهم ، واجعل فيما تقضي وتقدر أن تعتق رقبتي من النار ، يا أرحم الراحمين .
اللهم إني أسئلك ولم يسأل العباد مثلك جودا وكرما ، وأرغب إليك ولم يرغب إلى مثلك ، أنت موضع مسألة السائلين ، ومنتهى رغبة الراغبين ، أسألك بأعظم المسائل كلها وأفضلها وأنجحها ، التي ينبغي للعباد أن يسئلوك بها ، يا الله يا رحمان ، وبأسمائك ما علمت منها وما لم أعلم ، وبأسمائك الحسنى ، وأمثالك العليا ، وبنعمتك التي لا تحصى ، وبأكرم أسمائك إليك ، وأحبها إليك ، و أشرفها عندك منزلة ، وأقربها منك وسيلة ، وأجزلها منك ثوابا وأسرعها لديك إجابة ، وباسمك المكنون المخزون ، الحي القيوم ، الأكبر الأجل الذي تحبه وتهواه ، وترضى عمن دعاك به ، وتستجيب له دعاءه ، وحق عليك ألا تخيب سائلك وأسألك بكل اسم هو لك في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، و بكل اسم دعاك به حملة عرشك ، وملائكة سمواتك ، وجميع الأصناف من خلقك من نبي أو صديق أو شهيد ، وبحق الراغبين إليك ، المقربين منك ، المتعوذين بك ، وبحق مجاوري بيتك الحرام حجاجا ومعتمرين ، ومقدسين ، والمجاهدين في سبيلك ، وبحق كل عبد متعبد لك في بر أو بحر أو سهل أو جبل أدعوك دعاء من قد اشتدت فاقته ، وكثرت ذنوبه ، وعظم جرمه ، وضعف كدحه ، دعاء من لا يجد لنفسه سادا ، ولا لضعفه معولا ، ولا لذنبه غافرا غيرك ، هاربا إليك متعوذا بك متعبدا لك غير متكبر ولا مستنكف ، خائفا بائسا فقيرا مستجيرا بك أسألك بعزتك وعظمتك وجبروتك وسلطانك ، وبملكك وببهائك وجودك وكرمك وبآلائك وحسنك وجمالك ، وبقوتك على ما أردت من خلقك أدعوك يا رب خوفا وطمعا ورهبة ورغبة وتخشعا وتملقا وتضرعا وإلحافا وإلحاحا خاضعا لك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، يا قدوس يا قدوس يا قدوس ، يا الله يا الله يا الله ، يا رحمان يا رحمان يا رحمان يا رحيم يا رحيم يا رحيم يا رب يا رب يا رب، أعوذ بك يا الله الواحد الأحد الصمد الوتر الكبير المتعالى ، وأسألك بجميع ما دعوتك به وبأسمائك التي تملاء أركانك كلها ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، واغفر لي وارحمني وأوسع علي من فضلك العظيم، وتقبل مني شهر رمضان وصيامه وقيامه ، وفرضه ونوافله ، واغفر لي وارحمني واعف عني ، ولا تجعله آخر شهر رمضان صمته لك وعبدتك فيه ، ولا تجعل وداعي إياه وداع خروجي من الدنيا ، اللهم وأوجب لي من رحمتك ومغفرتك ورضوانك وخشيتك أفضل ما أعطيت أحدا ممن عبدك فيه ، اللهم لا تجعلني آخر من سألك فيه، واجعلني ممن أعتقته في هذا الشهر من النار ، وغفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، و أوجبت له أفضل ما رجاك وأمله منك، يا أرحم الراحمين .
اللهم ارزقني العود في صيامه ، وعبادتك فيه ، واجعلني ممن كتبته في هذا الشهر من حجاج بيتك الحرام ، المبرور حجهم، المغفور ذنبهم ، المتقبل عملهم آمين آمين آمين رب العالمين ، اللهم لا تذع لي فيه ذنبا إلا غفرته ، ولا خطيئة إلا محوتها ، ولا عثرة إلا أقلتها ، ولا دينا إلا قضيته ، ولا عيلة إلا أغنيتها ، ولا هما إلا فرجته، ولا فاقة إلا سددتها، ولا عريا إلا كسوته ، ولا مرضا إلا شفيته ، ولا داء إلا أذهبته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها على أفضل أملي ورجائي فيك يا أرحم الراحمين .
اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، ولا تذلنا بعد إذ أعززتنا ، ولا تضعنا بعد إذ رفعتنا ، ولا تهنا بعد إذ أكرمتنا ، ولا تفقرنا بعد إذ أغنيتنا ، ولا تمنعنا بعد إذ أعطيتنا ، ولا تحرمنا بعد إذ رزقتنا ، ولا تغير شيئا من نعمك علينا ، وإحسانك إلينا لشيء كان من ذنوبنا ، ولا لما هو كائن منا ، فان في كرمك وعفوك وفضلك سعة لمغفرة ذنوبنا ، فاغفر لنا وتجاوز عنا ، ولا تعاقبنا عليها يا أرحم الراحمين اللهم أكرمني في مجلسي هذا كرامة لا تهينني بعدها أبدا، وأعزني عزا لا تذلني بعده أبدا ، وعافني عافية لا تبتليني بعدها أبدا ، وارفعني رفعة لا تضعني بعدها أبدا ، واصرف عني شر كل جبار عنيد ، وشر كل قريب وبعيد ، وشر كل صغير وكبير ، وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ، اللهم ما كان في قلبي من شك أو ريبة أو جحود أو قنوط أو فرح أو مرح أو بطر أو بذخ أو خيلاء أو رياء أو سمعة أو شقاق أو نفاق أو كفر أو فسوق أو معصية أو شيء لا تحب عليه وليا لك ، فأسألك أن تمحوه من قلبي ، وتبدلني مكانه إيمانا ، ورضا بقضائك ، ووفاء بعهدك ووجلا منك ، وزهدا في الدنيا ، ورغبة فيما عندك ، وثقة بك ، وطمأنينة إليك ، وتوبة نصوحا إليك ، اللهم إن كنت بلغتناه وإلا فأخر آجالنا إلى قابل حتى تبلغناه في يسر منك وعافية يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد وآله كثيرا ورحمة الله وبركاته .
الوداع الرابع :
أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : من ودع شهر رمضان في آخر ليلة منه وقال : ( اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامي لشهر رمضان ، وأعوذ بك أن يطلع فجر هذه الليلة إلا وقد غفرت لي ) . غفر الله له قبل أن يصبح ، ورزقه الإنابة إليه .
الوداع الخامس :
وداع آخر لشهر رمضان وجدناه في كتب الدعوات :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي لا يدرك العلماء علمه ، ولا يستخف الجهال حلمه ، ولا يحسن الخلائق وصفه ، ولا يخفى عليه ما في الصدور ، خلق خلقه من غير أصل ولا مثال ، بلا تعب ولا نصب ، ولا تعليم ، ورفع السماوات الموطودات بلا أصحاب ولا أعوان وبسط الأرض على الهواء بغير أركان ، علم بغير تعليم ، وخلق بلا مثال ، علمه بخلقه قبل أن يكونهم كعلمه بهم بعد تكوينه لهم ، لم يخلق الخلق لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ولا نقصان ، ولا استعان بخلقه على ضد مكابر ، ولا ند مثاور ، ما لسلطانه حد ، ولا لملكه نفاد، تقدس بنور قدسه، دنا فعلا ، وعلا فدنا ، فله الحمد حمدا ينتهي من سمائه إلى ما لا نهاية له في اعتلائه ، حسن فعاله، وعظم جلاله ، وأوضح برهانه ، فله الحمد زنة الجبال ثقلا ، وعدد الماء والثرى ، وعدد ما يرى وما لا يرى، الحمد لله الذي كان إذا لم تكن أرض مدحية ، ولا سماء مبنية ، ولا جبال مرسية ، ولا شمس تجري، ولا قمر يسري، ولا ليل يدحي ، ولا نهار يضحي ، اكتفى بحمده عن حمد غيره ، الحمد لله الذي تفرد بالحمد ودعا به ، فهو ولي الحمد ومنشئه وخالقه وواهبه ، ملك فقهر ، وحكم فعدل ، وأضاء فاستنار ، هو كهف الحمد وقراره ، ومنه مبتداه، و إليه منتهاه، استخلص الحمد لنفسه ، ورضي به ممن حمده ، فهو الواحد بلا نسبة الدائم بلا مدة، المنفرد بالقوة ، المتوحد بالقدرة ، لم يزل ملكه عظيما ومنه قديما وقوله رحيما ، وأسماؤه ظاهرة ، رضي من عباده بعد الصنع أن قالوا " الحمد لله رب العالمين .
والحمد لله مثل جميع ما خلق وزنته وأضعاف ذلك أضعافا لا تحصى ، على جميع نعمه ، وعلى ما هدانا وآتانا وقوانا بمنه على صيام شهرنا هذا ، ومن علينا بقيام بعض ليله ، وآتانا ما لم نستأهله ولم نستوجبه بأعمالنا ، فلك الحمد اللهم ربنا فأنت مننت علينا في شهرنا هذا بترك لذاتنا ، واجتناب شهواتنا ، وذلك من منك علينا لا من مننا عليك ، ربنا فليس أعظم الامرين علينا نحول أجسامنا ونصب أبداننا ، ولكن أعظم الامرين وأجل المصائب عندنا أن خرجنا من شهرنا هذا محتقبين الخيبة ، محرومين ، قد خاب طمعنا وكذب ظننا ، فيا من له صمنا ، و وعده صدقنا ، وأمره اتبعنا ، وإليه رغبنا ، لا تجعل الحرمان حظنا ، ولا الخيبة جزاءنا ، فإنك إن حرمتنا ، فأهل ذلك نحن لسوء صنيعنا ، وكثرة خطايانا ، وإن تعف عنا ربنا وتقض حوائجنا ، فأنت أهل ذلك مولانا ، فطالما بالعفو عند الذنوب استقبلتنا ، وبالرحمة لدى استيجاب عقوبتك أدركتنا ، وبالتجاوز والستر عند ارتكاب معاصيك كافيتنا وبالضعف والوهن وكثرة الذنوب والعود فيها عرفتنا وبالتجاوز والعفو عرفناك ، ربنا فمن علينا بعفوك يا كريم ، فقد عظمت مصيبتنا وكثر أسفنا على مفارقة شهر كبر فيه أملنا ، قد خفي علينا على أي الحالات فارقنا ؟ وبأي الزاد منه خرجنا ؟ أباحتقاب الخيبة لسوء صنيعنا ، أم بجزيل عطائك بمنك مولانا وسيدنا فعلى شهر صومنا العظيم فيه رجاؤنا السلام .
فلو عقلنا مصيبتنا لمفارقة شهر أيام صومنا على ضعف اجتهادنا فيه ، لاشتد لذلك حزننا ، وعظم على ما فاتنا فيه من الاجتهاد تلهفنا ، اللهم فاجعل عوضنا من شهر صومنا مغفرتك ورحمتك ، ربنا وإن كنت رحمتنا في شهرنا هذا فذلك ظننا وأملنا وتلك حاجتنا ، فازدد عنا رضا ، وإن كنا حرمنا ذلك بذنوبنا ، فمن الان ربنا لا تفرق جماعتنا حتى تشهد لنا بعتقنا وتعطينا فوق أملنا ، وتزيدنا فوق طلبتنا وتجعل شهرنا هذا أمانا لنا من عذابك ، وعصمة لنا ما أبقيتنا ، وإن أنت بلغتنا شهر رمضان أيضا فبلغنا غير عائدين في شيء مما تكره ، ولا مخالفين لشيء مما تحب ، ثم بارك لنا فيه ، واجعلنا أسعد أهله به ، وإن أنت آجالنا دون ذلك ، فاجعل الجنة منقلبنا ومصيرنا ، واجعل شهرنا هذا أمانا لنا من أهوال ما نرد عليه ، واجعل خروجنا إلى عيدنا ومصلانا ومجتمعنا خروجا من جميع ذنوبنا وولوجا في سابغات رحمتك ، واجعلنا أوجه من توجه إليك ، وأقرب من تقرب إليك، وأنجح من سألك فأعطيته ، ودعاك فأجبته ، واقلبنا من مصلانا وقد غفرت لنا ما سلف من ذنوبنا ، وعصمتنا في بقية أعمارنا وأسعفتنا بحوائجنا وأعطيتنا جميع خير الآخرة والدنيا ثم لا تعدنا في ذنب ولا معصية أبدا ، ولا تطعمنا رزقا تكرهه أبدا ، واجعل لنا في الحلال مفسحا ومتسعا .
اللهم ونبيك المجيب المكرم الراسخ له في قلوب أمته خالصي المحبة لصفو نصيحته لهم ، وشدة شفقته عليهم ، ولتبليغه رسالاتك ، وصبره في ذاتك وتحننه على المؤمنين من عبادك فاجزه اللهم عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته وصل عليه عدد كلماتك التامات ، أنت وملائكتك ، وارفعه إلى أعلى الدرج ، و أشرف الغرف ، حيث يغبطه الأولون والآخرون ، ونضر وجوهنا بالنظر إليه في جنانك ، وأقر أعيننا، وأنلنا من حوضه ريا لا ظمأ بعده ولا شقاء ، وبلغ روحه منك تحية وسلاما منا ، مستشهدا له بالبلاغ والنصيحة .
اللهم وصل على جميع أنبيائك ورسلك، وبلغ أرواحهم منا السلام ، و شهادتنا لهم بالنصيحة والبلاغ ، وصل على ملائكتك أجمعين واجز نبينا عنا أفضل الجزاء ، اللهم اغفر لنا ولمن ولدنا من المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم و الأموات ، وأدخل على أسلافنا من أهل الايمان الروح والرحمة ، والضياء والمغفرة ، اللهم انصر جيوش المسلمين ، واستنقذ أساراهم ، واجعل جائزتك لهم جنات النعيم ، اللهم اطو لحجاج بيتك الحرام وعماره البعد، وسهل لهم الحزن وارجعهم غانمين من كل بر ، مغفورا لهم كل ذنب ، ومن أوجبت عليه الحج من أمة محمد صلى الله عليه وآله فيسر له ذلك ، واقض عنه فريضتك ، وتقبلها منه آمين رب العالمين ، اللهم وفرج عن مكروبي أمة أحمد ، ومن كان منهم في غم أوهم أو ضنك أو مرض ، ففرج عنه ، وأعظم أجره ، اللهم وكما سألتك فافعل ذلك بنا ، وبجميع المؤمنين والمؤمنات ، وأشركنا في صالح دعائهم ، وأشركهم في صالح دعائنا، اللهم اجعل بعضنا على بعض بركة ، اللهم وما سألناك أو لم نسألك من جميع الخير كله فأعطناه ، وما نعوذ بك منه أو لم نعذ من جميع الشر كله فأعذنا منه برحمتك ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم واجمع لنا خير الآخرة والدنيا وأعذنا من شرهما يا أرحم الراحمين .
وداع آخر لشهر رمضان وجدناه في نسخة عتيقة بخط الرضي الموسوي " اللهم إني أسألك بأحب ما دعيت به ، وأرضى ما رضيت به عن محمد وعن أهل بيت محمد عليه وعليهم السلام ، أن تصلي عليه وعليهم ، ولا تجعل آخر وداع شهري هذا وداع خروجي من الدنيا ، ولا وداع آخر عبادتك ، ووفقني فيه لليلة القدر ، واجعلها لي خيرا من ألف شهر مع تضاعف الأجر والإجابة ، والعفو عن الذنب برضى الرب .
دعاء آخر وجد في عقيب هذا الوداع : اللهم إني أسألك يا مبدئ البدايا ويا مصور البرايا ، ويا خالق السماء ، ويا إله من بقي ومن مضى ، ويا من رفع السماء وسطح الأرض ، وبأنك تبعث أرواح أهل البلاء بقدرتك وسلطانك على عبادك وإمائك الأذلاء ، وبأنك تبعث الموتى ، وتميت الأحياء وتحيي الموتى وأنت رب الشعرى ، ومناة الثالثة الأخرى ، صل على محمد وعلى أهل بيت محمد صلاة تكون لك رضا ، وارزقني بمنزلته ومنزلتهم في هذا الشهر المبارك النهى والتقى ، والصبر عند البلاء ، والعون على القضاء واجعلني من أهل العافية و المعافاة ، وهب لي يقين أهل التقى ، وأعمال أهل النهى ، فإنك تعلم يا إلهي ضعفي عند البلاء ، فاستجب لي في شهرك الذي عظمت بركته الدعاء ، واجعلني إلهي في الدين والدنيا ، والآخرة مع من أتوالى ، ولا تلحقني بمن مضى من أهل الجحود في هذه الدنيا ، واجعلني مع محمد وأهل بيته عليه وعليهم السلام في كل عافية وبلاء، وكل شدة ورخاء ، احشرني معهم يوم يحشر الناس ضحى ، و اصرف عنى بمنزلته ومنزلتهم عذاب الآخرة وخزي الدنيا ، وفقرها وفاقتها ، والبلاء يا مولاياه ، يا ولي نعمتاه آمين آمين يا رباه ، ثم صل على محمد وعلى أهل بيته عليه وعليهم السلام ، وسل حوائجك تقضى إنشاء الله .
الوداع السادس :
وداع آخر لشهر رمضان وجدناه في كتب الدعوات " الحمد لله على نعمه المتظاهرة ، وأياديه الحسنة الجميلة ، على ما أولانا وخصنا بكرامته إيانا وفضله وعلى ما أنعم به علينا وتصرم شهرنا المبارك مقضيا عنا ما افترض علينا من صيامه وقيامه ، أسألك أن تصلي على محمد وآله الطاهرين الطيبين ، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ، وأن تتقبل منا ، وأن ترزقنا ما تؤتينا فيه من الأجر وتعطينا ما أملنا ورجونا فيه من الثواب ، وأن تزكى أعمالنا ، وتتقبل إحساننا فإنك ولي النعمة كلها ، وإليك الرغبة بجودك وكرمك آمين رب العالمين .
بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 95 ، ص 172 - 185 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
الوداع الأول :
الشيخ جعفر بن محمد بن أحمد بن العباس بن محمد الدوريستي في كتاب الحسنى باسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شهر رمضان ، فلما بصر بي قال لي : يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودعه وقل : ( اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه ، فان جعلته فاجعلني مرحوما ، ولا تجعلني محروما ) فإنه من قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين إما ببلوغ شهر رمضان من قابل ، وإما بغفران الله ورحمته.
الوداع الثاني :
وداع آخر لشهر رمضان وقد رويناه عن مولانا علي بن الحسين عليه السلام صاحب الأنفاس المقدسة الشريفة ، فيما تضمنه إسناد أدعية الصحيفة ، فقال : وكان من دعائه عليه السلام في وداع شهر رمضان :
اللهم يا من لا يرغب في الجزاء ، ويا من لا يندم على العطاء ، ويا من لا يكافي عبده على السواء ، هبتك ابتداء ، وعطيتك تفضل ، وعقوبتك عدل ، وقضاؤك خيرة ، إن أعطيت لم تشب بمن ، وإن منعت لم يكن منعك بتعد ، تشكر من شكرك وأنت ألهمته شكرك ، وتكافئ من حمدك وأنت علمته حمدك ، تستر على من لو شئت فضحته ، وتجود على من لو أردت منعته ، وكلاهما منك أهل للفضيحة والمنع ، غير أنك بنيت أفعالك على التفضل ، وأجريت قدرتك على التجاوز ، وتلقيت من عصاك بالحلم ، وأمهلت من قصد لنفسه بالظلم ، تستنظرهم بأناتك إلى الإنابة ، و تترك معاجلتهم إلى التوبة ، لكيلا يهلك عليك هالكهم ، ولئلا يشقى بنقمتك شقيهم إلا عن طول الإعذار إليه ، وبعد ترادف الحجة عليه ، كرما من فعلك يا كريم وعائدة من عطفك يا حليم أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك ، وسميته التوبة ، وجعلت على ذلك الباب دليلا من رحمتك لئلا يضلوا عنه، فقلت " توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيأتكم ويدخلكم جنات تجرى من تحتها الأنهار " فما عذر من أغفل دخول ذلك الباب يا سيدي بعد فتحه ، وإقامة الدليل عليه ، وأنت الذي زدت في السوم على نفسك لعبادك ، تريد ربحهم في متاجرتك ، وفوزهم بزيادتك فقلت " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها " ثم قلت " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة " وما أنزلت من نظائر هن في القرآن .
وأنت الذي دللتهم بقولك الذي من غيبك، وترغيبك الذي فيه من حظهم على ما لو سترته عنهم لم تدركه أبصارهم ، ولم تعه أسماعهم ، ولم تلحقه أوهامهم فقلت تباركت وتعاليت " اذكروني أذكركم " و " لئن شكرتم لأزيدنكم " و " وادعوني أستجب لكم " وقلت " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له " فذكروك و شكروك ودعوك وتصدقوا لك طلبا لمزيدك ، وفيها كانت نجاتهم من غضبك ، وفوزهم برضاك ولو دل مخلوق مخلوقا من نفسه على مثل الذي دللت عليه عبادك منك ، كان محمودا فلك الحمد ما وجد في حمدك مذهب ، وما بقي للحمد لفظ تحمد به ، ومعنى ينصرف إليه .
يا من تحمد إلى عباده بالاحسان والفضل ، وعاملهم بالمن والطول ، ما أفشا فينا نعمتك وأسبغ علينا منتك ، وأخصنا ببرك هديتنا لدينك الذي اصطفيت وملتك التي ارتضيت ، وسبيلك الذي سهلت ، وبصرتنا ما يوجب الزلفة لديك والوصول إلى كرامتك اللهم وأنت جعلت من صفايا تلك الوظائف ، وخصايص تلك الفروض شهر رمضان، الذي اختصصته من سائر الشهور، وتخيرته من جميع الأزمنة والدهور، وآثرته على جميع الأوقات بما أنزلت فيه من القرآن وفرضت فيه من الصيام ، وأجللت فيه من ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر ، ثم آثرتنا به على سائر الأمم، واصطفيتنا بفضله دون أهل الأديان ، فصمنا بأمرك نهاره ، وقمنا بعونك ليله ، متعرضين بصيامه وقيامه لما عرضتنا له من رحمتك ، وسببتنا إليه من مثوبتك ، وأنت الملئ بما رغب فيه إليك، الجواد بما سئلت من فضلك ، القريب إلى من حاول قربك ، وقد أقام فينا هذا الشهر مقام حمد وصحبنا صحبة السرور، وأربحنا أفضل أرباح العالمين ، ثم قد فارقنا عند تمام وقته ، وانقطاع مدته ، ووفاء عدده ، فنحن مودعوه وداع من عز فراقه علينا و غمنا ، وأوحش انصرافه عنا فهمنا ، ولزمنا له الذمام المحفوظ ، والحرمة المرعية ، والحق المقضي. فنحن قائلون :
السلام عليك يا شهر الله الأكبر ، ويا عيد أوليائه الأعظم ، السلام عليك يا أكرم مصحوب من الأوقات ، ويا خير شهر في الأيام والساعات ، السلام عليك من شهر قربت فيه الآمال ، ويسرت فيه الأعمال ، السلام عليك من قرين جل قدره موجودا ، وأفجع فراقه مفقودا ، السلام عليك من أليف آنس مقبلا ، فسر وأوحش منقضيا ، فأمر ، السلام عليك من مجاور رقت فيه القلوب ، وقلت فيه الذنوب ، السلام عليك من ناصر أعان على الشيطان ، وصاحب سهل سبيل الاحسان السلام عليك ما أكثر عتقاء الله فيك ، وما أسعد من رعى حرمته بك ، السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لأنواع العيوب ، السلام عليك ما كان أطولك على المجرمين ، وأهيبك في صدور المؤمنين ، السلام عليك من شهر لا تنافسه الأيام ، ومن شهر هو من كل أمر سلام ، السلام عليك غير كريه المصاحبة ، ولا ذميم الملابسة السلام عليك كما وردت علينا بالبركات ، وغسلت عنا دنس الخطيئات ، السلام عليك غير مودع سأما ، ولا متروك صيامه برما ، السلام عليك من مطلوب قبل وقته ، و محزون عليه عند فوته ، السلام عليك كم من سوء صرف بك عنا ، وكم من خير أفيض بك علينا ، السلام عليك وعلى ليلة القدر التي جعلها الله خيرا من ألف شهر السلام عليك وعلى فضلك الذي حرمناه، وعلى ما كان من بركاتك سلبناه ، السلام عليك ما كان أحرصنا بالأمس عليك ، وأشد شوقنا غدا إليك .
اللهم إنا أهل هذا الشهر الذي شرفتنا به، ووفقتنا بمنك له، حين جهل الأشقياء فضله، وحرموا لشقائهم خيره وأنت ولي ما آثرتنا به من معرفته ، وهديتنا له من سنته، وقد تولينا بتوفيقك صيامه وقيامه على تقصير ، وأدينا من حقك فيه قليلا من كثير ، اللهم فلك إقرارنا بالإساءة واعترافنا بالإضاعة ، ولك من قلوبنا عقدة الندم ، ومن ألسنتنا صدق الاعتذار ، فأجرنا على ما أصبنا به من التفريط أجرا نستدرك به الفضل المرغوب فيه ، ونعتاض به من إحراز الذخر المحروص عليه ، وأوجب لنا عذرك على ما قصرنا فيه من حقك ، وأبلغ بأعمارنا ما بين أيدينا من شهر رمضان المقبل ، فإذا بلغتناه فأعنا على تناول ما أنت أهله من العبادة ، وأدنا إلى القيام بما نستحقه من الطاعة ، وأجر لنا من صالح العمل ما يكون دركا لحقك في الشهرين ، وفي شهور الدهر .
اللهم وما ألممنا به في شهرنا هذا من إثم ، وأوقعنا فيه من ذنب ، واكتسبنا فيه من خطيئة ، عن تعمد منا له ، أو على نسيان من ظلمنا فيه أنفسنا ، أو انتهاكنا فيه حرمة من غيرنا ، فاستره بسترك ، واعف عنا بعفوك ، ولا تنصبنا فيه لأعين الشامتين ولا تبسط علينا ألسنة الطاعنين واستعملنا بما يكون حطة وكفارة لما أنكرت منا فيه برأفتك التي لا تنفد ، وفضلك الذي لا ينقص .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجبر مصيبتنا بشهرنا ، وبارك لنا في يوم عيدنا واجعله من خير يوم مر علينا، أجلبه للعفو ، وأمحاه للذنب واغفر لنا ما خفي من ذنوبنا وما علن ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، واسلخنا بانسلاخ هذا الشهر من خطايانا ، وأخرجنا بخروجه عن سيئاتنا ، واجعلنا من أسعد أهله به ، وأوفرهم قسما اللهم ومن رعا حرمة هذا الشهر حق رعايتها ، وحفظ حدوده حق حفظها ، واتقى ذنوبه حق تقاتها ، أو تقرب إليك بقربة أوجبت رضاك عنه ، وعطفت برحمتك عليه فهب لنا مثله من وجدك وإحسانك ، وأعطنا أضعافه من فضلك ، فان فضلك لا يغيض وإن خزائنك لا تنفد ، وإن معادن إحسانك لا تفنى ، وإن عطاءك للعطاء المهنا .
اللهم اكتب لنا مثل أجور من صامه بنية ، أو تعبد لك فيه إلى يوم القيامة ، اللهم إنا نتوب إليك في يوم فطرنا الذي جعلته للمسلمين عيدا وسرورا ، ولأهل ملتك مجمعا ومحتشدا ، من كل ذنب أذنبناه ، أو سوء أسلفناه ، أو خطرة شر أضمرناه أو عقيدة سوء اعتقدناها ، توبة من لا ينطوي على رجوع إلى ذنب ، ولا عود في خطيئة توبة نصوحا خلصت من الشك والارتياب ، فتقبلها منا ، وارض بها عنا وثبتنا عليها ، اللهم ارزقنا خوف غم الوعيد وشوق ثواب الموعود حتى نجد لذة ما ندعوك به ، وكآبة ما نستجير بك منه ، واجعلنا عندك من التوابين ، الذين أوجبت لهم محبتك ، وقبلت منهم مراجعة طاعتك ، يا أعدل العادلين ، الله تجاوز عن آبائنا وأمهاتنا ، وأهل ديننا جميعا ، من سلف منهم ومن غبر إلى يوم القيامة ، وصل على نبينا وآله ، كما صليت على ملائكتك المقربين ، وأنبيائك المطهرين ، وعبادك الصالحين ، وسلم على آله كما سلمت على آل يس ، وصل عليهم أجمعين ، صلاة تبلغنا بركتها ، وينالنا نفعها ، وتغمرنا بأسرها ، ويستجاب دعاؤنا بها ، إنك أكرم من رغب إليه ، وأعطى من سئل من فضله ، وأنت على كل شيء قدير .
الوداع الثالث :
روي في إقبال الأعمال : وداع آخر لشهر رمضان رويناه بعدة طرق إلى محمد بن يعقوب بإسناده إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في وداع شهر رمضان نقلناه من خط جدي أبي جعفر الطوسي رضي الله عنه : اللهم إنك قلت في كتابك المنزل ، على لسان نبيك المرسل ، صلواتك عليه ، وقولك حق " شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن " وهذا شهر رمضان قد تصرم ، فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامة ، إن كان بقي على ذنب لم تغفره لي أو تريد أن تعذبني عليه ، أو تقايسني به أن يطلع فجر هذه الليلة ، أو ينصرم هذا الشهر إلا وقد غفرته لي يا أرحم الراحمين .
اللهم لك الحمد بمحامدك كلها أولها وآخرها ، ما قلت لنفسك منها ، و ما قاله لك الخلائق الحامدون المجتهدون المعدودون المؤثرون في ذكرك ، و الشكر لك ، الذين أعنتهم على أداء حقك من أصناف خلقك من الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين ، وأصناف الناطقين المسبحين لك من جميع العالمين ، على أنك بلغتنا شهر رمضان ، وعلينا من نعمك وعندنا من قسمك وإحسانك وتظاهر امتنانك ، فبذلك لك منتهى الحمد الخالد الدائم الراكد المخلد السرمد الذي لا ينفد طول الأبد ، جل ثناؤك أعنتنا عليه حتى قضيت عنا صيامه ، وقيامه من صلاة، وما كان منا فيه من بر أو نسك أو ذكر .
اللهم فتقبله منا بأحسن قبولك ، وتجاوزك وعفوك وصفحك وغفرانك و حقيقة رضوانك حتى تظفرنا فيه بكل خير مطلوب ، وجزيل عطاء موهوب ، تؤمنا فيه من كل أمر مرهوب وذنب مكسوب ، اللهم إني أسألك بعظيم ما سألك أحد من خلقك من كريم أسمائك ، وجزيل ثنائك، وخاصة دعائك ، أن تصلى على محمد وآل محمد ، وأن تجعل شهرنا هذا أعظم شهر رمضان مر علينا منذ أنزلتنا إلى الدنيا بركة في عصمة ديني وخلاص نفسي وقضاء حاجتي وتشفيعي في مسائلي وتمام النعمة على ، وصرف السوء عني ، ولباس العافية لي ، وأن تجعلني برحمتك ممن حزت له ليلة القدر ، وجعلتها له خيرا من ألف شهر في أعظم الأجر ، وكرائم الذخر ، وطول العمر ، وحسن الشكر ، ودوام اليسر .
اللهم وأسألك برحمتك وطولك وعفوك ونعمائك وجلالك وقديم إحسانك وامتنانك أن لا تجعله آخر العهد منا لشهر رمضان ، حتى تبلغناه من قابل على أحسن حال ، وتعرفني هلاله مع الناظرين إليه ، والمتعرفين له ، في أعفى عافيتك وأتم نعمتك ، وأوسع رحمتك ، وأجزل قسمك ، اللهم يا ربي الذي ليس لي رب غيره ، لا يكون هذا الوداع مني وداع فناء ، ولا آخر العهد من اللقاء ، حتى ترينيه من قابل في أسبغ النعم ، وأفضل الرجاء وأنا لك على أحسن الوفاء إنك سميع الدعاء وارحم تضرعي وتذللي لك ، واستكانتي وتوكلي عليك ، فأنا لك سلم لا أرجو نجاحا ، ولا معافاة ولا تشريفا ولا تبليغا إلا بك ومنك ، فامنن علي جل ثناؤك وتقدست أسماؤك بتبليغي شهر رمضان ، وأنا معافى من كل مكروه و محذور ، ومن جميع البوائق ، الحمد لله الذي أعاننا على صيام هذا الشهر وقيامه حتى بلغنا آخر ليلة منه .
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي - ره - في الأصل الذي نقلنا منه ، هذا الوداع بخطه ما هذا لفظه : إلى ههنا رواية الكليني ، وروي إبراهيم بن إسحاق الأحمري عن عبد الله بن حماد الأنصاري عن أبي بصير وعن جماعة من أصحابه عن سعدان بن مسلم عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك وزاد فيه :
اللهم إني أسألك بأحب ما دعيت به ، وأرضى ما رضيت به عن محمد صلى الله عليه وآله أن تصلى على محمد وآل محمد ولا تجعل وداعي وداع شهر رمضان وداع خروجي من الدنيا ، ولا وداع آخر عبادتك فيه ، ولا آخر صومي لك ، وارزقني العود فيه ثم العود فيه برحمتك يا ولي المؤمنين ، ووفقني فيه لليلة القدر ، واجعلها لي خيرا من ألف شهر ، يا رب العالمين ، يا رب ليلة القدر ، وجاعلها خيرا من ألف شهر ، رب الليل والنهار ، والجبال والبحار ، والظلم والأنوار ، والأرض والسماء ، يا بارئ يا مصور ، يا حنان يا منان ، يا الله يا رحمان ، يا قيوم يا بديع ، لك الأسماء الحسنى ، والأمثال العليا ، والكبرياء والآلاء أسئلك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعل اسمي في هذه الليلة في السعداء وروحي مع الشهداء وإحساني في عليين ، وإساءتي مغفورة وأن تهب لي يقينا تباشر به قلبي ، وإيمانا لا يشوبه شك ، ورضا بما قسمت لي وأن تؤتيني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وأن تقيني عذاب النار .
اللهم اجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم ، وفيما تفرق من الأمر الحكيم ، في ليلة القدر ، من القضاء الذي لا يرد ولا يبدل ولا يغير ، أن تكتبني من حجاج بيتك الحرام ، المبرور حجهم ، المشكور سعيهم ، المغفور ذنبهم ، المكفر عنهم سيئاتهم ، واجعل فيما تقضي وتقدر أن تعتق رقبتي من النار ، يا أرحم الراحمين .
اللهم إني أسئلك ولم يسأل العباد مثلك جودا وكرما ، وأرغب إليك ولم يرغب إلى مثلك ، أنت موضع مسألة السائلين ، ومنتهى رغبة الراغبين ، أسألك بأعظم المسائل كلها وأفضلها وأنجحها ، التي ينبغي للعباد أن يسئلوك بها ، يا الله يا رحمان ، وبأسمائك ما علمت منها وما لم أعلم ، وبأسمائك الحسنى ، وأمثالك العليا ، وبنعمتك التي لا تحصى ، وبأكرم أسمائك إليك ، وأحبها إليك ، و أشرفها عندك منزلة ، وأقربها منك وسيلة ، وأجزلها منك ثوابا وأسرعها لديك إجابة ، وباسمك المكنون المخزون ، الحي القيوم ، الأكبر الأجل الذي تحبه وتهواه ، وترضى عمن دعاك به ، وتستجيب له دعاءه ، وحق عليك ألا تخيب سائلك وأسألك بكل اسم هو لك في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، و بكل اسم دعاك به حملة عرشك ، وملائكة سمواتك ، وجميع الأصناف من خلقك من نبي أو صديق أو شهيد ، وبحق الراغبين إليك ، المقربين منك ، المتعوذين بك ، وبحق مجاوري بيتك الحرام حجاجا ومعتمرين ، ومقدسين ، والمجاهدين في سبيلك ، وبحق كل عبد متعبد لك في بر أو بحر أو سهل أو جبل أدعوك دعاء من قد اشتدت فاقته ، وكثرت ذنوبه ، وعظم جرمه ، وضعف كدحه ، دعاء من لا يجد لنفسه سادا ، ولا لضعفه معولا ، ولا لذنبه غافرا غيرك ، هاربا إليك متعوذا بك متعبدا لك غير متكبر ولا مستنكف ، خائفا بائسا فقيرا مستجيرا بك أسألك بعزتك وعظمتك وجبروتك وسلطانك ، وبملكك وببهائك وجودك وكرمك وبآلائك وحسنك وجمالك ، وبقوتك على ما أردت من خلقك أدعوك يا رب خوفا وطمعا ورهبة ورغبة وتخشعا وتملقا وتضرعا وإلحافا وإلحاحا خاضعا لك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، يا قدوس يا قدوس يا قدوس ، يا الله يا الله يا الله ، يا رحمان يا رحمان يا رحمان يا رحيم يا رحيم يا رحيم يا رب يا رب يا رب، أعوذ بك يا الله الواحد الأحد الصمد الوتر الكبير المتعالى ، وأسألك بجميع ما دعوتك به وبأسمائك التي تملاء أركانك كلها ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، واغفر لي وارحمني وأوسع علي من فضلك العظيم، وتقبل مني شهر رمضان وصيامه وقيامه ، وفرضه ونوافله ، واغفر لي وارحمني واعف عني ، ولا تجعله آخر شهر رمضان صمته لك وعبدتك فيه ، ولا تجعل وداعي إياه وداع خروجي من الدنيا ، اللهم وأوجب لي من رحمتك ومغفرتك ورضوانك وخشيتك أفضل ما أعطيت أحدا ممن عبدك فيه ، اللهم لا تجعلني آخر من سألك فيه، واجعلني ممن أعتقته في هذا الشهر من النار ، وغفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، و أوجبت له أفضل ما رجاك وأمله منك، يا أرحم الراحمين .
اللهم ارزقني العود في صيامه ، وعبادتك فيه ، واجعلني ممن كتبته في هذا الشهر من حجاج بيتك الحرام ، المبرور حجهم، المغفور ذنبهم ، المتقبل عملهم آمين آمين آمين رب العالمين ، اللهم لا تذع لي فيه ذنبا إلا غفرته ، ولا خطيئة إلا محوتها ، ولا عثرة إلا أقلتها ، ولا دينا إلا قضيته ، ولا عيلة إلا أغنيتها ، ولا هما إلا فرجته، ولا فاقة إلا سددتها، ولا عريا إلا كسوته ، ولا مرضا إلا شفيته ، ولا داء إلا أذهبته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها على أفضل أملي ورجائي فيك يا أرحم الراحمين .
اللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، ولا تذلنا بعد إذ أعززتنا ، ولا تضعنا بعد إذ رفعتنا ، ولا تهنا بعد إذ أكرمتنا ، ولا تفقرنا بعد إذ أغنيتنا ، ولا تمنعنا بعد إذ أعطيتنا ، ولا تحرمنا بعد إذ رزقتنا ، ولا تغير شيئا من نعمك علينا ، وإحسانك إلينا لشيء كان من ذنوبنا ، ولا لما هو كائن منا ، فان في كرمك وعفوك وفضلك سعة لمغفرة ذنوبنا ، فاغفر لنا وتجاوز عنا ، ولا تعاقبنا عليها يا أرحم الراحمين اللهم أكرمني في مجلسي هذا كرامة لا تهينني بعدها أبدا، وأعزني عزا لا تذلني بعده أبدا ، وعافني عافية لا تبتليني بعدها أبدا ، وارفعني رفعة لا تضعني بعدها أبدا ، واصرف عني شر كل جبار عنيد ، وشر كل قريب وبعيد ، وشر كل صغير وكبير ، وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ، اللهم ما كان في قلبي من شك أو ريبة أو جحود أو قنوط أو فرح أو مرح أو بطر أو بذخ أو خيلاء أو رياء أو سمعة أو شقاق أو نفاق أو كفر أو فسوق أو معصية أو شيء لا تحب عليه وليا لك ، فأسألك أن تمحوه من قلبي ، وتبدلني مكانه إيمانا ، ورضا بقضائك ، ووفاء بعهدك ووجلا منك ، وزهدا في الدنيا ، ورغبة فيما عندك ، وثقة بك ، وطمأنينة إليك ، وتوبة نصوحا إليك ، اللهم إن كنت بلغتناه وإلا فأخر آجالنا إلى قابل حتى تبلغناه في يسر منك وعافية يا أرحم الراحمين ، وصلى الله على محمد وآله كثيرا ورحمة الله وبركاته .
الوداع الرابع :
أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال : من ودع شهر رمضان في آخر ليلة منه وقال : ( اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامي لشهر رمضان ، وأعوذ بك أن يطلع فجر هذه الليلة إلا وقد غفرت لي ) . غفر الله له قبل أن يصبح ، ورزقه الإنابة إليه .
الوداع الخامس :
وداع آخر لشهر رمضان وجدناه في كتب الدعوات :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي لا يدرك العلماء علمه ، ولا يستخف الجهال حلمه ، ولا يحسن الخلائق وصفه ، ولا يخفى عليه ما في الصدور ، خلق خلقه من غير أصل ولا مثال ، بلا تعب ولا نصب ، ولا تعليم ، ورفع السماوات الموطودات بلا أصحاب ولا أعوان وبسط الأرض على الهواء بغير أركان ، علم بغير تعليم ، وخلق بلا مثال ، علمه بخلقه قبل أن يكونهم كعلمه بهم بعد تكوينه لهم ، لم يخلق الخلق لتشديد سلطان ، ولا لخوف من زوال ولا نقصان ، ولا استعان بخلقه على ضد مكابر ، ولا ند مثاور ، ما لسلطانه حد ، ولا لملكه نفاد، تقدس بنور قدسه، دنا فعلا ، وعلا فدنا ، فله الحمد حمدا ينتهي من سمائه إلى ما لا نهاية له في اعتلائه ، حسن فعاله، وعظم جلاله ، وأوضح برهانه ، فله الحمد زنة الجبال ثقلا ، وعدد الماء والثرى ، وعدد ما يرى وما لا يرى، الحمد لله الذي كان إذا لم تكن أرض مدحية ، ولا سماء مبنية ، ولا جبال مرسية ، ولا شمس تجري، ولا قمر يسري، ولا ليل يدحي ، ولا نهار يضحي ، اكتفى بحمده عن حمد غيره ، الحمد لله الذي تفرد بالحمد ودعا به ، فهو ولي الحمد ومنشئه وخالقه وواهبه ، ملك فقهر ، وحكم فعدل ، وأضاء فاستنار ، هو كهف الحمد وقراره ، ومنه مبتداه، و إليه منتهاه، استخلص الحمد لنفسه ، ورضي به ممن حمده ، فهو الواحد بلا نسبة الدائم بلا مدة، المنفرد بالقوة ، المتوحد بالقدرة ، لم يزل ملكه عظيما ومنه قديما وقوله رحيما ، وأسماؤه ظاهرة ، رضي من عباده بعد الصنع أن قالوا " الحمد لله رب العالمين .
والحمد لله مثل جميع ما خلق وزنته وأضعاف ذلك أضعافا لا تحصى ، على جميع نعمه ، وعلى ما هدانا وآتانا وقوانا بمنه على صيام شهرنا هذا ، ومن علينا بقيام بعض ليله ، وآتانا ما لم نستأهله ولم نستوجبه بأعمالنا ، فلك الحمد اللهم ربنا فأنت مننت علينا في شهرنا هذا بترك لذاتنا ، واجتناب شهواتنا ، وذلك من منك علينا لا من مننا عليك ، ربنا فليس أعظم الامرين علينا نحول أجسامنا ونصب أبداننا ، ولكن أعظم الامرين وأجل المصائب عندنا أن خرجنا من شهرنا هذا محتقبين الخيبة ، محرومين ، قد خاب طمعنا وكذب ظننا ، فيا من له صمنا ، و وعده صدقنا ، وأمره اتبعنا ، وإليه رغبنا ، لا تجعل الحرمان حظنا ، ولا الخيبة جزاءنا ، فإنك إن حرمتنا ، فأهل ذلك نحن لسوء صنيعنا ، وكثرة خطايانا ، وإن تعف عنا ربنا وتقض حوائجنا ، فأنت أهل ذلك مولانا ، فطالما بالعفو عند الذنوب استقبلتنا ، وبالرحمة لدى استيجاب عقوبتك أدركتنا ، وبالتجاوز والستر عند ارتكاب معاصيك كافيتنا وبالضعف والوهن وكثرة الذنوب والعود فيها عرفتنا وبالتجاوز والعفو عرفناك ، ربنا فمن علينا بعفوك يا كريم ، فقد عظمت مصيبتنا وكثر أسفنا على مفارقة شهر كبر فيه أملنا ، قد خفي علينا على أي الحالات فارقنا ؟ وبأي الزاد منه خرجنا ؟ أباحتقاب الخيبة لسوء صنيعنا ، أم بجزيل عطائك بمنك مولانا وسيدنا فعلى شهر صومنا العظيم فيه رجاؤنا السلام .
فلو عقلنا مصيبتنا لمفارقة شهر أيام صومنا على ضعف اجتهادنا فيه ، لاشتد لذلك حزننا ، وعظم على ما فاتنا فيه من الاجتهاد تلهفنا ، اللهم فاجعل عوضنا من شهر صومنا مغفرتك ورحمتك ، ربنا وإن كنت رحمتنا في شهرنا هذا فذلك ظننا وأملنا وتلك حاجتنا ، فازدد عنا رضا ، وإن كنا حرمنا ذلك بذنوبنا ، فمن الان ربنا لا تفرق جماعتنا حتى تشهد لنا بعتقنا وتعطينا فوق أملنا ، وتزيدنا فوق طلبتنا وتجعل شهرنا هذا أمانا لنا من عذابك ، وعصمة لنا ما أبقيتنا ، وإن أنت بلغتنا شهر رمضان أيضا فبلغنا غير عائدين في شيء مما تكره ، ولا مخالفين لشيء مما تحب ، ثم بارك لنا فيه ، واجعلنا أسعد أهله به ، وإن أنت آجالنا دون ذلك ، فاجعل الجنة منقلبنا ومصيرنا ، واجعل شهرنا هذا أمانا لنا من أهوال ما نرد عليه ، واجعل خروجنا إلى عيدنا ومصلانا ومجتمعنا خروجا من جميع ذنوبنا وولوجا في سابغات رحمتك ، واجعلنا أوجه من توجه إليك ، وأقرب من تقرب إليك، وأنجح من سألك فأعطيته ، ودعاك فأجبته ، واقلبنا من مصلانا وقد غفرت لنا ما سلف من ذنوبنا ، وعصمتنا في بقية أعمارنا وأسعفتنا بحوائجنا وأعطيتنا جميع خير الآخرة والدنيا ثم لا تعدنا في ذنب ولا معصية أبدا ، ولا تطعمنا رزقا تكرهه أبدا ، واجعل لنا في الحلال مفسحا ومتسعا .
اللهم ونبيك المجيب المكرم الراسخ له في قلوب أمته خالصي المحبة لصفو نصيحته لهم ، وشدة شفقته عليهم ، ولتبليغه رسالاتك ، وصبره في ذاتك وتحننه على المؤمنين من عبادك فاجزه اللهم عنا أفضل ما جزيت نبيا عن أمته وصل عليه عدد كلماتك التامات ، أنت وملائكتك ، وارفعه إلى أعلى الدرج ، و أشرف الغرف ، حيث يغبطه الأولون والآخرون ، ونضر وجوهنا بالنظر إليه في جنانك ، وأقر أعيننا، وأنلنا من حوضه ريا لا ظمأ بعده ولا شقاء ، وبلغ روحه منك تحية وسلاما منا ، مستشهدا له بالبلاغ والنصيحة .
اللهم وصل على جميع أنبيائك ورسلك، وبلغ أرواحهم منا السلام ، و شهادتنا لهم بالنصيحة والبلاغ ، وصل على ملائكتك أجمعين واجز نبينا عنا أفضل الجزاء ، اللهم اغفر لنا ولمن ولدنا من المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم و الأموات ، وأدخل على أسلافنا من أهل الايمان الروح والرحمة ، والضياء والمغفرة ، اللهم انصر جيوش المسلمين ، واستنقذ أساراهم ، واجعل جائزتك لهم جنات النعيم ، اللهم اطو لحجاج بيتك الحرام وعماره البعد، وسهل لهم الحزن وارجعهم غانمين من كل بر ، مغفورا لهم كل ذنب ، ومن أوجبت عليه الحج من أمة محمد صلى الله عليه وآله فيسر له ذلك ، واقض عنه فريضتك ، وتقبلها منه آمين رب العالمين ، اللهم وفرج عن مكروبي أمة أحمد ، ومن كان منهم في غم أوهم أو ضنك أو مرض ، ففرج عنه ، وأعظم أجره ، اللهم وكما سألتك فافعل ذلك بنا ، وبجميع المؤمنين والمؤمنات ، وأشركنا في صالح دعائهم ، وأشركهم في صالح دعائنا، اللهم اجعل بعضنا على بعض بركة ، اللهم وما سألناك أو لم نسألك من جميع الخير كله فأعطناه ، وما نعوذ بك منه أو لم نعذ من جميع الشر كله فأعذنا منه برحمتك ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم واجمع لنا خير الآخرة والدنيا وأعذنا من شرهما يا أرحم الراحمين .
وداع آخر لشهر رمضان وجدناه في نسخة عتيقة بخط الرضي الموسوي " اللهم إني أسألك بأحب ما دعيت به ، وأرضى ما رضيت به عن محمد وعن أهل بيت محمد عليه وعليهم السلام ، أن تصلي عليه وعليهم ، ولا تجعل آخر وداع شهري هذا وداع خروجي من الدنيا ، ولا وداع آخر عبادتك ، ووفقني فيه لليلة القدر ، واجعلها لي خيرا من ألف شهر مع تضاعف الأجر والإجابة ، والعفو عن الذنب برضى الرب .
دعاء آخر وجد في عقيب هذا الوداع : اللهم إني أسألك يا مبدئ البدايا ويا مصور البرايا ، ويا خالق السماء ، ويا إله من بقي ومن مضى ، ويا من رفع السماء وسطح الأرض ، وبأنك تبعث أرواح أهل البلاء بقدرتك وسلطانك على عبادك وإمائك الأذلاء ، وبأنك تبعث الموتى ، وتميت الأحياء وتحيي الموتى وأنت رب الشعرى ، ومناة الثالثة الأخرى ، صل على محمد وعلى أهل بيت محمد صلاة تكون لك رضا ، وارزقني بمنزلته ومنزلتهم في هذا الشهر المبارك النهى والتقى ، والصبر عند البلاء ، والعون على القضاء واجعلني من أهل العافية و المعافاة ، وهب لي يقين أهل التقى ، وأعمال أهل النهى ، فإنك تعلم يا إلهي ضعفي عند البلاء ، فاستجب لي في شهرك الذي عظمت بركته الدعاء ، واجعلني إلهي في الدين والدنيا ، والآخرة مع من أتوالى ، ولا تلحقني بمن مضى من أهل الجحود في هذه الدنيا ، واجعلني مع محمد وأهل بيته عليه وعليهم السلام في كل عافية وبلاء، وكل شدة ورخاء ، احشرني معهم يوم يحشر الناس ضحى ، و اصرف عنى بمنزلته ومنزلتهم عذاب الآخرة وخزي الدنيا ، وفقرها وفاقتها ، والبلاء يا مولاياه ، يا ولي نعمتاه آمين آمين يا رباه ، ثم صل على محمد وعلى أهل بيته عليه وعليهم السلام ، وسل حوائجك تقضى إنشاء الله .
الوداع السادس :
وداع آخر لشهر رمضان وجدناه في كتب الدعوات " الحمد لله على نعمه المتظاهرة ، وأياديه الحسنة الجميلة ، على ما أولانا وخصنا بكرامته إيانا وفضله وعلى ما أنعم به علينا وتصرم شهرنا المبارك مقضيا عنا ما افترض علينا من صيامه وقيامه ، أسألك أن تصلي على محمد وآله الطاهرين الطيبين ، الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا ، وأن تتقبل منا ، وأن ترزقنا ما تؤتينا فيه من الأجر وتعطينا ما أملنا ورجونا فيه من الثواب ، وأن تزكى أعمالنا ، وتتقبل إحساننا فإنك ولي النعمة كلها ، وإليك الرغبة بجودك وكرمك آمين رب العالمين .
بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 95 ، ص 172 - 185 .
تعليق