بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه المجيد: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾[1].
من هنا فسياق الآيات التالية، يركز على عنصر الإثارة ويقول: فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة وهذه النار ليست حديث مستقبل، بل هي واقع قائم: أعدت للكافرين.
جمع من المفسرين قالوا: إن المقصود بالحجارة: الأصنام الحجرية، واستشهدوا لذلك بالآية الكريمة: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾[2].
جمع آخر قالوا: (الحجارة) إشارة إلى صخور معدنية كبريتية تفوق حرارتها حرارة الصخور الأخرى.
وهناك من المفسرين من يعتقد أن المقصود من هذا التعبير، إلفات النظر إلى شدة حرارة جهنم، أي إن حرارة جهنم وحريقها يبلغ درجة تشتعل فيها الصخور والأجساد كما يشتعل الوقود.
ويبدو من ظاهر الآيات المذكورة، أن نار جهنم تستعر من داخل الناس والحجارة. ولا يصعب فهم هذه المسألة لو علمنا أن العلم الحديث أثبت أن كل أجسام العالم تنطوي في أعماقها على نار عظيمة (أو بعبارة أخرى على طاقة قابلة للتبديل إلى نار)، ولا يلزم أن نتصور نار جهنم شبيهة بالنار المشهودة في هذا العالم.
في موضع آخر يقول تعالى: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾[3].
خلافا لنيران هذا العالم التي تنفذ من الخارج إلى الداخل.
وقيلَ: المُرادُ مِنَ الحِجارةِ في الآيةِ هيَ الكبريتُ، لأنّها أحرُّ شيءٍ، فتكونُ هذهِ الحِجارةُ بمعيّةِ أجسادِ الكُفّارِ حطباً لجهنّمَ.
وقيلَ: إنّها حجارةُ الكبريتِ لأنّها أحرُّ شيءٍ إذا حميَت ورويَ ذلكَ عَن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ، والظّاهرُ أنَّ النّاسَ والحِجارةَ: وقودُ النّارِ وحطبُهَا كمَا قالَ: ﴿إنّكُم وما تعبدونَ مِن دونِ اللهِ حصبُ جهنّم﴾ هيبةً وتعظيماً بأنّها تحرقُ الحجارةَ والنّاسَ وقيلَ: إنَّ أجسادَهُم تبقى على النّارِ بقاءَ الحجارةِ التي توقدُها النّارُ بالقدحِ.
وقالَ قومٌ معناهُ: إنّهُم يُعذّبونَ بالحِجارةِ المُحمّاةِ معَ النّارِ والأوّلُ أقوى وأليقُ بالظّاهرِ.
في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام: ((لقد مررنا مع رسول الله صلّى اللّٰه عليه وآله بجبل وإذ الدموع تسيل من بعضه فقال: ما يبكيك يا جبل؟ قال: يا رسول اللّٰه كان المسيح مرّ بي وهو يخوّف الناس بنار ﴿وَقُودُهَا اَلنّاسُ واَلْحِجارَةُ﴾ فانا أخاف أن أكون من تلك الحجارة. قال (صلّى اللّه عليه وآله): لا تخف تلك حجارة الكبريت فقرّ الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله صلى الله عليه وآله))[4].
وقيل المراد بها الأصنام التي نحتوها وقرنوا بها أنفسهم وعبدوها طمعاً في شفاعتها، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾.
وقيل: أنّها نار ممتازة عن النّيران الأخر، بأنّها لا تتّقد إلاّ بالنّاس والحجارة. وقرن النّاس بالحجارة، لأنّهم قرنوا بها أنفسهم، في الدّنيا، حيث نحتوها أصناما، وجعلوها للّه أندادا، وعبدوها من دونه، قال سبحانه : ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾[5].
وقال السيد عبد الأعلى السبزواري(ره) في تفسير هذه الآية: (الوقود (بفتح الواو) ما توقد به النار. والنّاس هم الكافرون والعصاة. والحجارة هي حجر الكبريت أو سائر المعادن الحجرية التي تستعمل للوقود بل يمكن أن يراد بها نفس النّاس الكفرة بعضهم بالنسبة إلى بعضهم وهو ما يقتضيه قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾[6]، فيصير الموقود والوقود شيئا واحدا فكل من ازداد طغيانه وتبعه قوم يكون حجارة بالنسبة إلى تابعيه مع وجود الحياة في المتبوع أيضا)[7].
[1] سورة البقرة، الآية: 24.
[2] سورة الأنبياء، الآية: 98.
[3] سورة الهمزة، الآيتان: 6-7.
[4] الإحتجاح، ج 1، ص 326.
[5] تفسير جامع الجوامع، ج 1، ص 30.
[6] سورة الأنبياء، الآية: 98.
[7]مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص 113.
تعليق