بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[1].
جنّات: جمع جنّة، وهي الحديقة الكثيرة الأشجار. وجريان الماء يكون تحت أشجار الجنة ومساكنها، وروي أن أنهار الجنة تجري من غير أخدود في الأرض. والنهر مجرى الماء الكبير الواسع، وهو فوق الجدول ودون البحر، كدجلة والفرات والنيل وغيرها. وإسناد الجري إلى النهر من باب المجاز في الإسناد لأن الجري صفة الماء.
فالمراد بقوله تعالى: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ﴾، يعني مياه الأنهار. ويمكن أن يكون الإسناد من باب الإضمار فيكون حقيقة.
فالجنات هي بشارة للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وترى أليس عمل الصالحات من الإيمان او لزامه فما هي مناسبة المقابلة بينهما في هذه الآية؟ علّه لأنّ الايمان في الأكثر ينحو منحى القلب ولا يستحق دخول الجنات إلا من أضاف عمل الايمان الى عقيدة الايمان.
﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ﴾، لا تحت الأرض، وإنما تحت جنات الأشجار التي تجنّ ما تحتها من أرض، فالجنات هي مظلاّت شجرية، توحي بجمعيتها أنها مقسّمة بين أهليها، لكلّ جنة فللكلّ جنات.
فهذه الآية الكريمة، اشارة الى بشارة أهل هذه الجنة، يعني: «بشر الذين» تحققوا بالعلوم والمعارف الايمانية المبنية عليها الأعمال الصالحة والأفعال الحسنة، أَنَّ لَهُمْ جَنّٰاتٍ من أشجار ونخيل وأعناب، وهي صور هذه الأعمال والأفعال، تجري من تحتها الأنهار، أي: أنهار تلك العلوم والمعارف النابتة أصول هذه الأشجار وفروعها منها.
وقال السيد عبد الأعلى السبزواري(ره): (الجنات جمع جنّة وهي البستان الملتف بالأشجار التي فيها أنواع الفواكه والثمار المستترة بالأشجار والمراد بها في القرآن الكريم نعيم الآخرة من باب إطلاق الخاص على العام إما لكماله من جميع الجهات، أو لعدم الاعتناء بالفاني مع التوجه إلى الباقي.
وما عن بعض اللغويين من أنّ البستان إذا كان فيه الكرم يسمى بالفردوس وإن كان فيه النخيل يسمى جنة. فإن أراد أنه مجرد اصطلاح طائفة خاصة في عصر مخصوص فلا بأس به. وإن أراد التخصيص في أصل المعنى والذات فلا دليل عليه، مع أنه ورد في القرآن الكريم ما يخالفه قال تعالى: ﴿وجَنّٰاتٍ مِنْ أَعْنابٍ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا اَلصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّٰاتُ اَلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً﴾[3]، والسياق في الجميع واحد.
ثم إنه ورد لفظ الجنّة والجنّات كثيرا في القرآن الكريم بأنحاء الاستعمالات المشعرة باعتنائه تعالى بها اعتناء بليغا، ولا بد أن يكون كذلك، لأنّها نعيم أبدي لا يزول وأنّها دار الأبرار والمتقين وهي عوض ما اشتراه اللّه تعالى من المؤمنين فقال تعالى: ﴿إِنَّ اَللهَ اِشْتَرى مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ﴾[4]، وكلما كان المعوض أعلى وأغلى يكون للعوض المكانة العليا. قوله تعالى: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ﴾. تستعمل هذه الجملة في القرآن الكريم مع لفظ الجنات غالبا وتشتمل جميع الأقسام التي يمكن تصويرها في جريان الماء ونبوعه تحت أظلال الأشجار المطابق للأذواق الحسنة المتعارفة بين الناس التي يمتدحونها ويهتمون بها في تزيين جناتهم الدنيوية. وقد نظم ذلك الشعراء بوجوه من النظم في مدح تلك الجنان، ولم يبين سبحانه خصوصيات الجريان تعميما لجميع مراتب الحسن والكمال)[5].
عَنْ مُنَخَّلِ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَشِّرِ اَلَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا اَلصّالِحاتِ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا اَلصَّالِحَاتِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ واَلْأَوْصِيَاءُ مِنْ بَعْدِهِ وشِيعَتُهُمْ قَالَ اَللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَنَّ لَهُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهارُ﴾ إِلَى آخِرِ اَلْآيَةِ))[6].
[1] سورة البقرة، الآية: 25.
[2] سورة الأنعام، الآية: 99.
[3] سورة الكهف، الآية: 107
[4] سورة التوبة، الآية: 111.
[5] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص 125.
[6] بحار الأنوار، ج 36، ص 129.
تعليق