سـيرة معـركة كربلاء الطف - هذا هو الحسين
هذا هو الحسين
عاد الحسين (ع) على ظهر فرسه ووقف أمام الجيش وخاطبهمأما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم (ص) وابن وصيه وابن عمه؟ إلى آخر الخطبة... فقال له شمر ابن ذي الجوشن إن كان يدري ماتقول، فقال حبيب ابن مظاهر للشمر: والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد إنك من الصادقين، ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك. ثم قال الحسين (ع) فإن كنتم في شك من هذا القول أو تشكون في أني غير ابن بنت نبيكم، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري ولا من غيركم، أنا ابن بنت نبيكم خاصة، أخبروني أتطلبوني بقتيل منكم قتلته أو مال لكم استهلكته أو بقصاص من جراحة؟. فلم يستجب له أحد، ثم خاطبهم:أما ترون سيف رسول الله (ص) ولامة حربه وعمامة علي؟ قالوا نعم، فقال لم تقتلوني؟ فلم يجيبوا إلا بجواب الأمعة الذي لا يملك رأياً ولا إرادة ولا يميز بين التبعية العمياء والطاعة القائمة على وعي وفهم سليم، أجابوا: طاعة للأمير عبيد الله بن زياد. ثم قال الحسين (ع)أما والله لا تلبثون إلا كريثما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور عهد عهده إلي أبي عن جدي رسول الله (ص) فأجمعوا أمركم وشركائكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم). كل ذلك وعمر بن سعد مصر على قتال الحسين (ع)، والحسين (ع) يحاور وينصح ويدفع القوم بالتي هي أحسن، ولما لم يجد نصح ولم ينفع حوار قال الحسين (ع) لابن سعد: أي عمر أتزعم تقتلني ويوليك الدعي بلاد الري وجرجان على مصارع الكرام ألا وإني زاحف بهذي الأسرة على قلة العدد، والله لا تهنأ بذلك عهده معهود، فاصنع ما أنت صانع فإنك لا تفرح بعدي بدنيا ولا آخرة وكأني برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة ويتخذونه غرضا بينهم.
استحوذ الشيطان على ابن سعد ونادى حامل الرايةيا دريد إدن رايتك فأدناها ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمى فقال:اشهدو أني أول من رمى ثم ارتمى الناس وتبارزوا). وهكذا أضرم ابن سعد نار الحرب ووجه سهامه نحو مخيم آل الرسول (ص) فتبعه جنده ورماته يمطرون الحسين (ع) وأصحابه بوابل من السهام حتى لم يبقى أحد من أصحاب الحسين (ع) إلا وأصابه سهم. عظم الموقف على الحسين (ع) ثم خاطب أصحابه: (قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم)، أمام جيش عرمرم عدته تبلغ الألوف ومع هذا الفارق في العدد والعدة فإن أحداً لم يتراجع من رجال الحسين (ع)، ولم ينكص أمامهم شاب ولا غلام، فاستجابوا للنفير ولبوا النداء وانطلقوا كالأسود الضواري يلتحمون مع العدو بكل ما أوتو من قوة وبأس فاشتد القتال وحمى الوطيس ودارت رحى الحرب وغطى الغبار أرجاء الميدان واستمر القتال ساعة من النهار فما انجلت الغبرة ولا انجاب الإلتحام عن خمسين صريعاً من أصحاب الحسين (ع). ثم نادى بعض أصحاب عمر بن سعد بالبراز فتواثب أصحاب الحسين (ع):حبيب بن مظاهر وبرير وعبد الله بن عمير الكلبي يطلبون الإذن من الحسين (ع) ويتسابقون للشهادة، فانتدب الحسين (ع) عبد الله بن عمير للبراز ليصول في ميدان الشرف والجهاد وراح عبد الله ينازل الخصوم ويقارع الأقران ويصول في ميدان الجهاد. نظرت إليه أم وهب زوجته وجراحات يده اليسرى تسيل وتنزف دماً، فهالها الموقف واستنفر الغضب عزيمتها فحملت عمود الخيمة واتجهت نحو الميدان وأقبلت نحو زوجها تقول له فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد (ص) فأقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت:إني لن أدعوك دون أن أموت معك، فنادها الحسين (ع) فقال جزيتم عن أهل بيت نبيكم خيراً إرجعي إلى الخيمة فليس على النساء القتال.
استمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء وشلال الدم المقدس يجري ليتخذ طريقه عبر نهر الخلود، وأصحاب الحسين (ع) يتساقطون الواحد تلو الآخر وقد أرهقوا جيش العدو وأثخنوه بالجراح فتصايح رجال عمر بن سعد لو استمرت الحرب برازاً بيننا وبينهم لأتوا على آخرنا، لنهجم مرة واحدة ولنرشقهم بالنبال والحجارة. تقدمت وحدات من الجيش الأموي يقودها عمر بن الحجاج وهاجمت ميمنة الحسين (ع) فاستعمل أصحاب الحسين (ع) أسلوباً عسكرياً رائعاً، حيث جثوا على ركبهم وأشرعوا الرماح فخافت الخيل وتراجعت بفرسانها. إستغل أصحاب الحسين (ع) إدبار الخيل ورجوعها فأطلقوا نبالهم يصطادون بها الحملة الظالمة. عاود الجيش الأموي الحملة فقاد شمر بن ذي جوشن قطعات من عسكره وهاجم ميسرة الحسين (ع) ودارت معركة طاحنة استطاع الرجال الذين بقوا مع الحسين (ع) من صد الهجوم ورد الشمر على أعقابه، وقد أبلى فيها عبد الله بن عمير الكلبي بلاءً حسناً وأبدى بسالة نادرة فقتل تسعة عشر فارساً وإثنا عشر راجلاً، فسقط جريحاً ثم أسر وقتل صبراً، ولم تحتمل أم وهب قتل زوجها وفراق الرجل المقدام فاتجهت إلى ساحة المعركة وراحت تحنو على الجسد المسجى بقلبها المثكول وغربتها المفجعة وتمسح الدم عن الرأس الحر الأبي وهي تقول:هنياً لك الجنة. نظر الشمر إلى صلابتها وتحديها فاستعظم موقفها وأمر غلاماً له بقتلها، نفذ العبد أمر سيده واتجه يحمل عموداً من حديد فضرب أم وهب على رأسها فسقطت شهيدة تسبح بدم الشهادة وتعانق روحها روح الزوج الحبيب فاقتطع القتلة رأسها ورموا به نحو مخيم الحسين (ع). إستمر الهجوم والزحف نحو من بقي مع الحسين (ع) وأحاطوا بهم من جهات متعددة فتعالت أصوات ابن سعد ونداءاته إلى جيشه وقد دخل المعسكر يقتل وينهب (( أحرقوا الخيام ))، فضجت النساء وتصارخ الأطفال وعلا الضجيج وراحت ألسنة النار تلتهم المخيم وسكانه يفرون فزعين مرعوبين.
ها هو الجيش الأموي يهاجم مخيم آل الرسول وقد زالت الشمس وحضر وقت الصلاة وليس معقولاً أن يغيب الحسين (ع)
تعليق