بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك من يحتج بان بعض الاشخاص فتحوا بعض البلدان وهذا الفتوحات تعد اكبر فضيلة فنقول ليس بالضرورة أن يكون الفتحُ فضيلةً، ولا من المحتوم أن يكون الفاتح مؤمنا حتى يُقال إنه كرامةٌ تُلبس الفاتح ثوب العدالة وتخلع عليه حلَّة الإيمان.
ودعني أقرّب لك الفكرة بعصا الأمثال، فدونك يزيدَ الذي قتل الإمام الحسين – عليه السلام – في طفِّ كربلاء، وغزا المدينة المنوَّرة في وقعة الحرَّة، واعتدى على الكعبة المُشرَّفة – وهو شارب الخمر وملاعب القرود فتح القسطنطينيَّة أيام حكم أبيه معاوية، وقد ثبت لعنهما من مصادر الفريقين من قبل النبيّ – صلى الله عليه وآله - وكفرهما وفسقهما.
وعمرو بن العاص فاتح مصر هو من اتهمه عمر بن الخطاب نفسه بسرقة المال العام بقوله من رسالةٍ بعثها إليه: (فإنكم أيها الرهط الأمراء جلستم على عيون المال، لم يعوزكم عذر، تجمعون لأبناءكم وتمهدون لأنفسكم..) وهو من باع دينه لمعاوية مقابل أن تكون مصرُ له طعمة.
والمتوكل فاتح عمورية كان ناصبياً مبغضاً لأمير المؤمنين – عليه السلام – والذي يلقبونه بمحيي السُّنَّة.
ورحم الله الصاحب بن عباد القائل:
إن كان في حبّ علي بدعةً *** فلعنةُ الله على السُّنَّة.
وسعى في هدم قبر الإمام الحسين – عليه السَّلام – وكان شارباً للخمر فجمع الكفر والفسق من أوسع أطرافهما.
ثم إنَّه ليس كلُّ فتحٍ يكون مرضياً عند الله شأنه شأن أيِّ عملٍ عباديٍّ آخر.
فبناء المسجد عبادة، ولكن من المساجد ما يكون ضراراً.
والصلاة عبادة ومن الصلوات ما تكون رياءً.
والجهاد عبادة ومنه ما يكون طلباً للسمعة.
وما قصة قزمان الصحابيّ ببعيد وقد صرَّح النووي في المجموع بكفره في باب "ولا يستعين بالكفار من غير حاجة" فانظره هناك.
نعم، هناك فتح يريده الله ورسولُهُ كما تدلُّ عليه النصوص الشريفة ومثال ذلك فتح خيبر ، فبعد أن هرب عمر يجبّن أصحابه ويجبنونه قال الرسول الأعظم – صلى الله عليه وآله – ما مضمونه: لأعطينَّ الراية غداً لرجلٍ ...يفتح الله على يديه.
فالرسول الكريم – صلى الله عليه وآله – سمَّاه فتحاً، ولازمه أن يكون القائم به فاتحاً.
وعلى كلِّ حالٍ ففتوحات الإسلام في بدرٍ والخندق وحنين وخيبر وغيرها كلُّها كانت بسيف أمير المؤمنين عليٍّ – عليه السلام – وحتى فتح بلاد فارس والعراق!
ستقولُ متعجباً: فتح فارس والعراق؟
أقول لك نعم، فالفتح كما يكون بالسيف وركوب الخيل يكون بالرأي وإبداء المشورة، وهي كما قال المتنبي :
الرأي قبل شجاعة الشجعان * هي أولٌ ولها المحلُّ الثاني
وفي فتوحات العراق وفارس كان الرأي فيها لأمير المؤمنين عليه السلام، والضرب بالسيف لجند الكوفة والبصرة، ولم يكن لعمر نصيبٌ في الرأي، ولا حظٌ في القتال، وإليك البيان.
ففي كتاب "الفتوح" أن عمار بن ياسر كتب إلى عمر أن مائةً وخمسين ألفاً اجتمعوا من مدن بلاد فارس يقصدون المدائن والكوفة للغزو قال في "الفتوح" : (فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب ...وقرأه وفهم ما فيه وقعت عليه الرعدة والنفضة حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه)!! أي صوت أسنانه من الخوف؛ ولذلك استنجد بالمهاجرين والأنصار وكلٌ أدلى بدلو رأيه في معترك الأفكار فأشار عليه الزبير برأي وعثمانُ بآخر، وآخرون بغيره حتى طلب عمرُ من أمير المؤمنين – عليه السَّلام – أن يذكر رأيه.
فقام – عليه السَّلام - ففنَّد آراء من تكلَّم قبله ومنهم عمر نفسه، وأشار عليه أن يكتب إلى أهل البصرة أن يفترقوا على ثلاث فرق : فرقة تقيم في ديارهم فيكونوا حرسا لهم يدفعون عن حريمهم ، والفرقة الثانية يقيمون في المساجد يعمرونها بالأذان والصلاة لكيلا يعطل الصلاة ويأخذون الجزية من أهل العهد لكيلا ينتقضوا عليك ، والفرقة الثالثة يسيرون إلى إخوانهم من أهل الكوفة ، ويصنع أهل الكوفة أيضا كصنع أهل البصرة ثم يجتمعون ويسيرون إلى عدوهم فإن الله عز وجل ناصرهم عليهم ومظفرهم بهم ، فثق بالله ولا تيأس من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
فقال عمر: ويحكم ! عجزتم كلكم عن آخركم أن تقولوا كما قال أبو الحسن ، والله ! لقد كان رأيه رأيي الذي رأيته في نفسي ، ثم أقبل عليه عمر بن الخطاب ... فقال : يا أبا الحسن ! فأشر علي الآن برجل ترتضيه ويرتضيه المسلمون أجعله أميرا وأستكفيه من هؤلاء الفرس .
فقال علي: قد أصبته ، قال عمر : ومن هو ؟ قال : النعمان بن مقرن المزني .
فقال عمر وجميع المسلمين : أصبت يا أباالحسن ! وما لها من سواه . ( 1 )
فها أنت ترى أن عمر لم يكن صاحب رأي ، بل الرأيُّ رأي أمير المؤمنين – عليه السلام – وكان عمرُ آلةً لتنفيذه لا أكثر.
ولو تنزّلنا عن كُلِّ أولئك، وزعمنا أن عمر هو من فتح بلاد فارس والعراق فمن قال إن فتحه أراد به وجه الله تعالى؟
ذكر ابن حجر في فتح الباري عن ابن أبي شيبة من طريق عروة بن الزبير قال: قال عمر إني لأحسب جزية البحرين و أنا في الصلاة.
و روى صالح بن أحمد حنبل في كتاب المسائل عن أبيه من طريق همام بن الحرث أن عمر صلى المغرب فلم يقرأ فلما انصرف قالوا يا أمير المؤمنين انك لم تقرأ فقال إني حدثت نفسي و أنا في الصلاة بعير جهزتها من المدينة حتى دخلت الشام. ( 2 )
وهذا من باب التفكير في الدنيا فهو القائل لأبي عبيدة كما في تاريخ دمشق (غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة) وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز، وليس هذا من باب التواضع فقد كان عمر يبكي حين قال هذه الكلمات ربما شعر بالنَّدم والذنب لأن الدنيا غيرته حتى صار يفكر بعير الشام. ( 3 )
ولا مانع من أن يؤيد اللهُ تعالى هذا الدَّينَ بالرجل الفاجر، في روایة البخاريِّ أنَّ النَّبيَّ صلَّی الله علیه و آله وسلم استعان برجلٍ فاجرٍ من أهل النَّار ِلنُصرة الاسلام فقال صلَّی اللَّه علیه وآله وسلم بعد ذلك:«وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الفَاجِرِ. ( 4 )
المصادر:
1- الفتوح ج2 ص291 ،ط1 سنة 1411- دار الأضواء.
2- فتح الباري 3 ص71- ط2 دار المعرفة – بيروت
3- تاريخ مدينة دمشق ج25ص481 سنة الطبع 1415 –دار الفكر بيروت
4- صحيح البخاري ج4 ص 72.
تعليق