تويت
بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في الكتاب الكريم: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾[1].
هذه الآية من الآيات التي يستدل بها على وجود البرزخ بين الدنيا والآخرة، فإنها تشتمل على إماتتين، فلو كان احدهما الموت الناقل من الدنيا لم يكن بد في تصوير الاماتة الثانية من فرض حياة بين الموتين وهو البرزخ، وهو استدلال تام، وربما ذكر بعض المنكرين للبرزخ أن الآية ظاهرة في أن الموت الاول هو حال الانسان قبل ولوج الروح في الحياة الدنيا، فالموت والحياة الاوليان هما الموت قبل الحياة الدنيا والحياة الدنيا والموت والحياة الثانيتان هما الموت عن الدنيا والحياة يوم البعث،
إذا المأخوذ في الآية موت واحد وإماتة واحدة وإحياءان، ومن المعلوم أن الاماتة لا يتحقق لها مصداق من دون سابقة حياة بخلاف الموت.
فهو إنما يريد الموت قبل الحياة وهو موت وليس بإماتة والحياة هي الحياة الدنيا.
وهناك من قال في تفسير هذه الآية: (أي نطفة ميتة وعلقة وأجرى فيكم الروح ﴿فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، والحياة في كتاب الله على وجوه كثيرة: فمن الحياة: ابتداء خلق الإنسان في قوله: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾[2]، فهي الروح المخلوقة التي خلقها اللّه وأجراها في الإنسان ﴿فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾.
الثاني من الحياة: يعني إنبات الأرض، وهو قوله: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾[3] والأرض الميتة: التي لا نبات بها، فإحياؤها بنباتها. ووجه آخر من الحياة: وهو دخول الجنة، وهو قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾[4] يعني الخلود في الجنة، والدليل على ذلك قوله: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾[5])[6].
قال السيد الطباطبائي في ميزانه: (قوله تعالى : وكنتم أمواتا ، بيان حقيقة الانسان من حيث وجوده فهو وجود متحول متكامل يسير في مسير وجوده المتبدل المتغير تدريجا ويقطعه مرحلة مرحلة ، فقد كان الانسان قبل نشأته في الحيوة الدنيا ميتا ثم حيي بإحياء الله ثم يتحول بإماتة وإحياء وهكذا وقد قال سبحانه : ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾[7]، وقال تعالى : ﴿ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾[8] ، وقال تعالى : ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ۚ بَلْ هُم بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ* قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾[9] ، وقال تعالى : ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ﴾[10]. والآيات كما ترى تدل على أن الانسان جزء من الارض غير مفارقها ولا مباين معها، إنفصل منها ثم شرع في التطور بأطواره حتى بلغ مرحلة أنشئ فيها خلقا آخر، فهو المتحول خلقا آخر والمتكامل بهذا الكمال الجديد الحديث، ثم يأخذ ملك الموت هذا الانسان من البدن نوع أخذ يستوفيه ثم يرجع إلى الله سبحانه، فهذا صراط وجود الانسان)[11].
[1] سورة البقرة، الآية: 28.
[2]سورة الحجر، الآية: 29.
[3]سورة الحديد، الآية: 17.
[4]سورة الأنفال، الآية: 24.
[5] سورة العنكبوت، الآية: 64.
[6] البرهان في تفسير القرآن، ج 1، ص 161.
[7] سورة السجدة، الآيات: 7-9.
[8]سورة المؤمنون، الآية: 14.
[9] سورة السجدة، الآيتان: 10-11.
[10] سورة طه: 55.
[11]الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 110.
تعليق