بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ..﴾[1].
فقولهُ: ﴿ثمَّ استوى إلى السّماءِ﴾ أي توجّهَ إليهَا وقصدهَا بالخلقِ دونَ القصدِ المكانيّ الذي لا يتمُّ إلّا بانتقالِ القاصدِ مِن مكانٍ إلى مكانٍ ومِن جهةٍ إلى جهةٍ لتنزّههِ تعالى على ذلكَ.
قال الكاشاني: (أي قصد إليها بإرادته بعد خلق ما في الأرض، من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر، من قولهم: استوى إليه كالسهم المرسل إذا قصده قصدا مستويا، من غير أن يلوي على شيء. وأصل الاستواء طلب السواء، وإطلاقه على الاعتدال والاستقامة والانتصاب، لما فيه من تسوية وضع الأجزاء. ولا يمكن حمله عليه، لأنّه من خواصّ الأجسام، فإنّه تعالى منزّه عن الانتصاب. وضدّه وهو الاعوجاج. فيكون بمعنى: قصد إليها بإرادته. وقيل: ﴿اِسْتَوى﴾ أي: استولى وملك. والأوّل أوفق للأصل، والصلة المعدّى بها، والتسوية المترتّبة عليه بالفاء. والمراد بالسماء هذه الأجرام العلويّة، أو جهات العلوّ. و﴿ثمّ﴾ لتفاوت ما بين الخلقين، وفضل خلق السماء على خلق الأرض، كقوله: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ اَلَّذِينَ آمَنُوا﴾، وكما تقول لصاحبك: أليس قد أعطيتك ثمّ رفعت منزلتك؟ لا للتراخي في الوقت، فإنّه يخالف ظاهر قوله تعالى: واَلْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها، فإنّه يدلّ على تأخّر دحو الأرض المتقدّم على خلق ما فيها عن خلق السماء وتسويتها. اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ اللّه خلق الأرض قبل السماء غير أنّه لم يدحها، فلمّا خلق السماء دحاها بعد ذلك. ودحوها: بسطها ومدّها، كما ورد عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله: «دحيت الأرض من مكّة». فالأرض كلّها بعد الخلق تكون تحت مكّة، ثمّ بعد ذلك دحاها في أقطار العالم)[2].
وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام أنّه قال: ((إن الله عز وجل دحا الأرض من تحت الكعبة))[3].
والآية في بدايتها تقول: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾، فنرى أنّ خلق هذه الأرض بما فيها مقدم على خلق السماء؟ فالقول نعم: إنها خلقت قبل تسبيع السماء، فقبل نجومها ومصابيحها ومنها الشمس! والقول لا: فإنها خلقت مع دخان السماء او بعده ام قبله: لا ندري، حيث انفجرت المادة الأمّ «الماء» فأزبدت زبدا خلقت منه الأرض وزملاؤها: الست الاخرى، وثار منها دخان هو المادة السماوية الأولى. فهنا الإشارة: ﴿ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى اَلسَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ﴾ كتصريحه أن خلق الأرض بما فيها هو قبل تسبيع السماء، وكانت السماء وقتئذ سماء، أمع الأرض ام قبلها؟ هنا لا ندري.
ف ﴿ما فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً﴾ هنا هي رواسيها وبركاتها وأقواتها ثم من بعد ذلك سوّى السماء سبعا وهي دخان لم تسوّ بعد سماء ولا سماوات فللسماء مراحل ثلاث:-
1- الدخان.
2- السماء مبنية واحدة.
3- السماوات السبع.
واللائح من آيتنا والآيات من سورة فصلت أن الأرض خلقت برواسيها وأقواتها قبل خلق السماء سبعا، وإذ كانت دخانا: ﴿ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى اَلسَّماءِ وهِيَ دُخانٌ ... فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ﴾[4].
وآيات سورة النازعات تؤخر إخراج ماء الأرض ومرعاها وإرساء جبالها بدحرها تؤخرها عن بناء السماء، ولأن خلق الأرض ببركاتها وأقواتها كان قبل تسبيع السماء، فلا يعني بناء السماء في النازعات قطعا تسبيعها، فإنما تطوير غازها الى سماء واحدة هو أقل تقدير لبنائها.
وورد عَنْ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): ((فِي قَوْلِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى اَلسَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيء عَلِيمٌ﴾. قَالَ: هُوَ اَلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي اَلْأَرْضِ جَمِيعاً لِتَعْتَبِرُوا بِهِ، ولِتَتَوَصَّلُوا بِهِ إِلَى رِضْوَانِهِ، وتَتَوَقَّوْا بِهِ مِنْ عَذَابِ نِيرَانِهِ. ﴿ثُمَّ اِسْتَوى إِلَى اَلسَّماءِ﴾ أَخَذَ فِي خَلْقِهَا وإِتْقَانِهَا..))[5].
[1]سورة البقرة، الآية: 29.
[2] زبدة التفاسير، ج 1، ص 108.
[3] الكافي، ج 4، ص 189.
[4] سورة فصلت، الآيتان: 11-12.
[5]عيون اخبار الرضا، ج 1، ص 15.
تعليق