بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ..﴾[1].
ظاهر التعبير أنّ السماوات السبع هي أجواء وفضاءات متراكبة بعضُها فوق بعضٍ؛ لتكون الجميع محيطةً بالأرض من كلّ الجوانب، لقوله تعالى: ﴿وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا﴾[2]، حيث الفوقيّة بالنسبة إلى جسم كريّ ـ هي الأرض ـ إنّما تعني الإحاطة بها من كلّ جانب.
وأيضاً فإنّ السماء الدنيا ـ وهو الفضاء الفسيح المُحيط بالأرض ـ هي التي تَزينَّت بزينة الكواكب، لقوله تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا﴾[3]، والظاهر يقتضي التركيز فيها، وإنْ كان مِن المُحتمل تَجلّلها بما تُشِعّ عليها الكواكبُ من أنوار !
ويبدو أنّ هذا الفضاء الواسع الأرجاء، بما فيه من أَنجم زاهرة وكواكب مضيئة لامعة، هي السماء الأُولى الدنيا، ومن ورائها فضاءات ستٌّ في أبعادٍ مُترامية، هي مليئة بالحياة لا يعلم بها سِوى صانعها الحكيم، لقوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾[4].
والعقل لا يفسح المجال لإنكار ما لم يَبلغه العلم، وهو في بدء مراحله الآخذة إلى الكمال.
نعم، يزداد العلم يقيناً كلّما رَصَد ظاهرة كونيّة، أنّ ما بَلَغه ضئيل جدّاً بالنسبة إلى ما لم يبلغه، ويزداد ضآلةً كلّما تقدّم إلى الأمام؛ حيث عَظَمة فُسحة الكون تَزداد اُبّهةً وكبرياءً كلّما كُشف عن سرٍّ من أسرار الوجود وربّما إلى غير نهاية، لاسيّما والكون في اتّساع مطّرد، لقوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾[5].
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(ره) في تفسيره: (تعددت آراء المفسرين والعلماء المسلمين في ذلك.
1- منهم من قال إنها السّيارات السّبع في اصطلاح الفلكيين القدماء: أي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل والقمر والشمس.
2- ومنهم من قال إن المقصود بها هو الطبقات المتراكمة للغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية.
3- ومنهم من قال إن العدد (سبعة) لا يراد به هذا العدد المعروف، بل يراد به الكثرة، أي أن معنى «السماوات السبع» هو السماوات والكرات الكثيرة في الكون.
ولهذا نظير في كلام العرب وفي القرآن، كقوله تعالى: ﴿ولَوْ أَنَّ ما فِي اَلْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ واَلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اَللهِ﴾.
وواضح أن المقصود بالسبعة في هذه الآية ليس العدد المعروف، لأن علم اللّه لا ينتهي حتى ولو أن البحر يمده من بعده الآلاف المؤلفة من الأبحر.
4- الأصح في رأينا أن المقصود بالسموات السبع، هو وجود سبع سماوات بهذا العدد. وتكرر هذه العبارة في آيات الذكر الحكيم يدل على أن العدد المذكور في هذا الآيات لا يعني الكثرة، بل يعني العدد الخاص بالذات.
ويستفاد من آيات اخرى أن كل الكرات والسيّارات المشهودة هي جزء من السماء الاولى، وثمة ستة عوالم اخرى خارجة عن نطاق رؤيتنا ووسائلنا العلمية اليوم. وهذه العوالم السبعة هي التي عبّر عنها القرآن بالسموات السبع.
يقول تعالى: ﴿وزَيَّنَّا اَلسَّماءَ اَلدُّنْيا بِمَصابِيحَ﴾.
ويقول أيضا: ﴿إِنّا زَيَّنَّا اَلسَّماءَ اَلدُّنْيا بِزِينَةٍ اَلْكَواكِبِ﴾.
ويتضح من هاتين الآيتين أن ما نراه وما يتكون منه عالم الأفلاك هو جزء من السماء الاولى، وما وراء هذه السماء ست سماوات اخرى ليس لدينا اليوم معلومات عن تفاصيلها.
نحن نرى اليوم أنه كلما تقدمت العلوم الناقصة للبشر اكتشفت عجائب ومجاهيل عظيمة.
علم الفلك تقدّم إلى مرحلة بعيدة جدا في الرصد عن طريق التلسكوبات، ثم توقفت قدرة الرؤية إلى أكثر من ذلك.
أبعد ما اكتشفته دوائر الأرصاد الفلكي العالمية حتى الآن مسافة في الكون تعادل ألف مليون (مليار) سنة ضوئية.
والراصدون يعترفون أن أقصى ما اكتشفوه هو بداية الكون لا نهايته.
وما يدريك أن العلم سيكتشف في المستقبل سماوات وعوامل اخرى! من الأفضل أن نسمع هذا الحديث عن لسان مرصد عالمي كبير)[6].
[1] سورة البقرة، الآية: 29.
[2] سورة النبأ، الآية: 12.
[3] سورة ق، الآية: 6.
[4] سورة الإسراء، الآية: 85.
[5] سورة الذاريات، الآية: 47.
[6] تفسير الأمثل، ج 1، ص 148.
تعليق