بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الباري عز وجل في الكتاب الكريم: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾[1].
«إِذْ» ظرف وضع لزمان نسبة ماضية وقع فيه اخرى، كما وضع إذا لزمان نسبة مستقبلة تقع فيه اخرى، ولذلك تجب إضافتهما إلى الجمل، ك «حيث» في المكان. وبنيتا تشبيها بالموصولات. واستعملتا للتعليل والمجازاة. ومحلّهما النصب أبدا بالظرفيّة، فإنّهما من الظروف الغير المتصرّفة.
وأمّا قوله: ﴿واُذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ﴾[2] ونحوه، فعلى تأويل: أذكر الحادث إذ كان كذا، فحذف الحادث وأقيم الظرف مقامه. وعامله في الآية «قالوا» أو «اذكر».
المراد بالقول هنا الإلقاء في النفس، سواء أكان بسبب من الأسباب الظاهرية، أم الخفية.
وليس المراد من القول المنسوب إليه تعالى في جميع القرآن هو المعنى المعروف أي: الحركات المعتمدة على مخارج الحروف
أما المراد بالجعل قد يكون جعلاً تكوينياً، وقد يكون جعلاً تشريعياً، والثاني هو عبارة عن تشريع القوانين، كقوله عز وجل: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ﴾[3]، فهذا جعل تشريعيّ، والثاني على نحوين؛ إذ قد يكون جعلاً فعلياً كما في خلقه عز وجل للإنسان مثلاً؛ حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾[4]، وقد يكون جعلاً إعدادياً، كما إذا خلق الله البذرة وهي متضمنة للاستعداد لأن تكون شجرة، فالاستعداد الموجود في البذرة جعلٌ إعداديٌّ وليس جعلاً فعلياً، وبالتالي فالجعل أعمّ من الخلق؛ لأن الجعل قد يكون تشريعيّاً وقد يكون تكوينيّاً، والتكوينيّ قد يكون فعليّاً وقد يكون إعداديّاً، بينما الخلق هو إيجادٌ تكوينيٌّ فعليٌّ.
وإذا اجتمع الخلق والجعل في سياق واحد كما في الآية السابقة ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ﴾، فالمراد بالخلق حينئذٍ إيجاد المادة، والمراد بالجعل إيجاد الصورة، فالمادة التي منها تكوُّن الإنسان وهي الطين عُبِّر عنها بالخلق، وتصوير هذه المادة بصورة النطفة أو بصورة أخرى عُبِّر عنه بالجعل.
يقول صدر الدين الشيرازي في تفسير الآية: (إِذْ وضع كما قيل لزمان نسبة ماضية وقعت فيه اخرى، كما ان «إذا» وضع لزمان نسبة مستقبلة يقع فيه اخرى، ومحلّهما النصب أبدا بالظرفية لفعل مضمر ك «اذكر» ونحوه، أو مذكور ك «قالوا» في هذه الآية، وإنّما أضمر «اذكر» فيما أضمر لأنّه جاء عاملا له صريحا في كثير من مواضع القرآن. وعن معمّر: إنّه مزيد. اعلم إنّ قول اللّه [تعالى] فعليّ عند المحقّقين كما مرّ، وهو عبارة عن إنشاء أمر يستفاد منه مشيئة اللّه تم في خلقه، فقوله للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي اَلْأَرْضِ خَلِيفَةً إعلامه إيّاهم ذلك بأحد وجهين، إمّا بإفاضة صور الحقائق التي هي من مبادئ النشأة الإنسانية عليهم، أو باطّلاعهم على شيء من عالم أمره تعالى المشتمل على جميع الأقوال المتعلّقة بالأكوان الخلقيّة. و «الجعل» على ضربين: إبداع نفس حقيقة الشيء وتأييسه او تصبيره شيئا آخر والأول أعلى في باب الجاعليّة من الثاني ف جاعِلٌ إن كان بالمعنى الأول كان بمعنى مبدع او خالق، فلا يستدعي مجعولا إليه، وإن كان بالمعنى الثاني كان له مجعول ومجعول إليه وهما المفعول الأول والمفعول الثاني باصطلاح النحاة وهما «في الأرض» و«خليفة»، وإنّما عمل فيهما لأنّه بمعنى الاستقبال ومعتمد على مسند إليه)[5].
[1]سورة البقرة، الآية: 30.
[2] سورة الأحقاف، الآية: 21.
[3] سورة النساء، الآية: 29.
[4] سورة المؤمنون، الآية: 12 – 13.
[5] تفسير القرآن الكريم، ج 2، ص 299.
تعليق