بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[1].
يبدو أن الجنّة التي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض، لم تكن الجنّة التي وُعد بها المتقون. بل كانت من جنان الدنيا، وصقعاً منعّماً خلاّباً من أصقاع الأرض. ودليلنا على ذلك:
أوّلا: الجنّة الموعودة في القيامة نعمة خالدة، والقرآن ذكر مراراً خلودها، فلا يمكن إذن الخروج منها.
ثانياً: إبليس الملعون ليس له طريق للجنّة، وليس لوسوسته مكان هناك.
ثالثاً: وردت عن أهل البيت(عليهم السلام) روايات تصرّح بذلك.
منها ما روي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُيَسِّرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ـ أي الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عَنْ جَنَّةِ آدَمَ عليه السلام؟ فَقَالَ: ((جَنَّةٌ مِنْ جِنَانِ الدُّنْيَا تَطْلُعُ فِيهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِنَانِ الْآخِرَةِ مَا خَرَجَ مِنْهَا أَبَداً)).[2]
من هذا يتضح أن هبوط آدم ونزوله إلى الأرض لم يكن مكانياً بل مقامياً. أي أنه هبط من مكانته السامية ومن تلك الجنّة المزدانة.
من المحتمل أيضاً أن تكون هذه الجنّة غير الخالدة في إحدى الكواكب السماوية، وفي بعض الرّوايات الإِسلامية إشارة إلى أن هذه الجنّة في السماء. غير أنّ من الممكن أن يكون المقصود بالسماء في هذه الرّوايات «المقام الرفيع» لا «المكان المرتفع».
وقال العلامة السيد نعمة الله الجزائري (ره): (وقع الاختلاف بين علماء المسلمين في أن جنة آدم عليه السلام هل كانت في الأرض أم في السماء؟ وعلى الثاني هل هي جنة الخلد والجزاء، أم غيرها؟ ذهب أكثر المفسرين وجمهور المتعلمة إلى أنها جنة الخلد، وهو ظاهر أكثر علمائنا رضوان الله عليهم.
وقال أبو هاشم: جنة من جنان الدنيا غير جنة الخلد، وذهب طائفة من علماء المسلمين إلى أنها بستان من بساتين الدنيا في الأرض كما دل عليه الخبر. احتج الأولون بالتبادر وعهدية الألف واللام ولا يخفى ما فيه. واحتجت الفرقة الثانية بأن الهبوط يدل على الإهباط من السماء إلى الأرض وليست بجنة الخلد لأن من دخلها خلد فيها فلزم المطلوب.
والجواب: الانتقال من أرض إلى أرض أخرى يسمى هبوطا كقوله تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْراً﴾. واحتج القائلون بأنها من بساتين الدنيا، بأن جنة الخلد لا يخرج داخلها ولا يفنى نعيمها.
وأجيب عنه بأنه إنما يمكن بعد الدخول والاستقرار، وذكروا في الكتب الكلامية دلائل متكثرة على ما ساروا إليه وهذان الخبران يعارضهما ظواهر الآيات والأخبار مع إمكان حملهما على التقية).[3]
قال العلامة الطباطبائي(ره): (واعلم أن ظاهر قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ ـ الآية ـ، وقوله تعالى: ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ ـ الآية ـ أن نحوة هذه الحياة بعد الهبوط تغاير نحوها في الجنة قبل الهبوط، وأن هذه حياة ممتزجة حقيقتها بحقيقة الأرض ذات عناء وشقاء يلزمها أن يتكون الإنسان في الأرض ثم يعاد بالموت إليها ثم يخرج بالبعث منها. فالحياة الأرضية تغاير حياة الجنة فحياتها حياة سماوية غير أرضية. ومن هنا يمكن أن يجزم أن جنة آدم كانت في السماء، وإن لم تكن جنة الآخرة جنة الخلد التي لا يخرج منها من دخل فيها).[4]
على كل حال، توجد شواهد كثيرة على أن هذه الجنّة هي غير جنّة الخلد الموعودة.
لأَن جنّة آدم بداية مسير الإِنسان وجنّة الخلد نهايتها. وهذه مقدمة لأعمال الإِنسان ومراحل حياته، وتلك نتيجة أعمال الإِنسان ومسيرته.
[1]سورة البقرة، الآية: 35.
[2] الكافي، ج 3، ص 247 .
[3] قصصالأنبياء للجزائري، ص: 35.
[4] تفسير الميزان، ج 1، ص 135.
تعليق