بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾[1].
ماذا قصد الباري عز وجل بعبارة كان الناقصة التي تدلل على الزمن الماضي؟
عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((سُئِلَ عَمَّا نَدَبَ اَللهُ اَلْخَلْقَ إِلَيْهِ أَدَخَلَ فِيهِ اَلضَّلاَلَةُ قَالَ نَعَمْ وَاَلْكَافِرُونَ دَخَلُوا فِيهِ، لِأَنَّ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَمَرَ اَلْمَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ فَدَخَلَ فِي أَمْرِهِ اَلْمَلاَئِكَةُ وَإِبْلِيسُ فَإِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ فِي اَلسَّمَاءِ يَعْبُدُ اَللهُ، وَكَانَتْ. اَلْمَلاَئِكَةُ تَظُنُّ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أَمَرَ الله اَلْمَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَخْرَجَ مَا كَانَ فِي قَلْبِ إِبْلِيسَ مِنَ اَلْحَسَدِ، فَعَلِمَ اَلْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُمْ، فَقِيلَ لَهُ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) فَكَيْفَ وَقَعَ اَلْأَمْرُ عَلَى إِبْلِيسَ وَإِنَّمَا أَمَرَ اَللهُ اَلْمَلاَئِكَةَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ فَقَالَ كَانَ إِبْلِيسُ مِنْهُمْ بِالْوَلاَءِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ اَلْمَلاَئِكَةِ وَذَلِكَ أَنَّ اَللهُ خَلَقَ خَلْقاً قَبْلَ آدَمَ وَكَانَ إِبْلِيسُ مِنْهُمْ، حَاكِماً فِي اَلْأَرْضِ فَعَتَوْا وَأَفْسَدُوا وسَفَكُوا اَلدِّمَاءَ، فَبَعَثَ اَللهُ اَلْمَلاَئِكَةَ فَقَتَلُوهُمْ، وَأَسَرُوا إِبْلِيسَ وَرَفَعُوهُ إِلَى اَلسَّمَاءِ وَكَانَ مَعَ اَلْمَلاَئِكَةِ، يَعْبُدُ اَللهُ إِلَى أَنْ خَلَقَ اَللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)).[2]
عندما اعتبر ابليس نفسه أكبر وأعظم من آدم عليه السلام فلا ينبغي ان يسجد له وهو بذلك كفر بالله لأنه اعتبر أن الله تعالى يجهل ما تقتضيه الحكمة.
ولذلك يقال ان قوله تعالى (كان من الكافرين) بمعنى (صار) اي انه أصبح كافرا بهذا الاباء والاستكبار فالوجه فيه الاعتقاد بأن الله تعالى خفي عليه ما تقتضيه الحكمة والا فأصل الإباء عن الامتثال لا يوجب كفرا.
ويلاحظ هنا أنّ الكفر قد يصدق مع الاعتراف بالربوبية فإن ابليس كان يعترف بالرب بل يعبده ويطيعه قبل ذلك على ما يقال كما في صحيحة جميل اعلاه تدل على نفاقه بناء على أن قوله (وكان إبليس ممن أقر بالدعوة الظاهرة معهم).
ولو ابقينا قوله تعالى ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ على ظاهره ولم نأوله بأن الكون بمعنى الصيرورة فيمكن ان يستفاد منه ما يؤيد نفاقه لأنه يدل على أنه كان كافرا قبل إبائه.
ومهما كان فانه كان معترفا بربوبيته تعالى في الظاهر على الاقل ولكنه في هذا المقام استكبر وطغى وعصى أمر ربه نتيجة مقارنته بين معدنه ومعدن الانسان حيث وجد نفسه أشرف منه لأنه مخلوق من النار وهي في رأيه أشرف من الطين الذي خلق منه الانسان.
وهكذا أصبح إبليس امام المستكبرين في الكون وأصبح مثلا للاستكبار والطغيان بوجه الحق. ومن هنا فان الانسان الذي يقيس أحكام اَللهُ تعالى بعقله وإذا لم يعلم فيها وجه الحكمة رفض التسليم والقبول يتبع ابليس بتمام معنى الكلمة وان كان في الظاهر مسلما مؤمنا.
ويؤيد ما قدمنا روايات أخرى منها:
عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: وَسُئِلَ عَنِ اَلْكُفْرِ وَاَلشِّرْكِ أَيُّهُمَا أَقْدَمُ فَقَالَ: ((اَلْكُفْرُ أَقْدَمُ وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ أَوَّلُ مَنْ كَفَرَ وَكَانَ كُفْرُهُ غَيْرَ شِرْكٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْعُ إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اَللهُ وَإِنَّمَا دَعَا إِلَى ذَلِكَ بَعْدُ فَأَشْرَكَ)).[3]
وعن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ: ((كَانَ اَلطَّيَّارُ يَقُولُ لِي إِبْلِيسُ لَيْسَ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَإِنَّمَا أُمِرَتِ اَلْمَلاَئِكَةُ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ إِبْلِيسُ لاَ أَسْجُدُ فَمَا لِإِبْلِيسَ يَعْصِي حِينَ لَمْ يَسْجُدْ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ قَالَ فَدَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَللهُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ فَأَحْسَنَ وَاَللهُ فِي اَلْمَسْأَلَةِ فَقَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَرَأَيْتَ مَا نَدَبَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ اَلْمُؤْمِنِينَ مِنْ قَوْلِهِ: «يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا» أَدَخَلَ فِي ذَلِكَ اَلْمُنَافِقُونَ مَعَهُمْ قَالَ نَعَمْ وَاَلضُّلاَّلُ وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ اَلظَّاهِرَةِ وَكَانَ إِبْلِيسُ مِمَّنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ اَلظَّاهِرَةِ مَعَهُمْ)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 34.
[2] تفسير القمي، ج 1، ص 35.
[3] الكافي، ج 2، ص 386.
[4] الكافي، ج 2، ص 412.
تعليق