بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾[1].
ما هو المقصود من الأكل والرغد؟
﴿وَكُلَا﴾ فالأكل والمضغ واللقم متقاربة، وضد الأكل الازم. وسأل عمر بن الخطاب الحارث بن كلدة طبيب العرب، فقال له: يا حار ما الدواء؟ فقال: الازم، أي ترك الأكل. والأكلة مرة، والأكلة اسم كاللقمة والاكولة الشاة، والغنم التي ترعى للأكل لا للنسل، والأكال: أن يتأكل عود أو شيء وأكيل الرجل: مآكله واكيل الذئب: الشاة وغيرها إذا أردت المأكولة وإذا أردت به اسما قلت: اكيلة ذئب. والمأكلة: ما جعل للإنسان لا يحاسب عليه. ورجل وامرأة أكول: كثير الاكل. والمأكل كالمطعم والمشرب. والمأكل: المطعم. وأصل الباب الأكل وهو المضغ لذي الطعم. ويقال الذي يشترك فيه الحيوان كله فيه سوى الملائكة. المأكل والمنكح والمشرب.
و "الرغد" النفع الواسع الكثير الذي ليس فيه عناء. وقال صاحب العين: عيش رغد ورغيد: رفيه وقوم رغد ونساء رغد قال امرؤ القيس بن حجر:
بينما المرء تراه ناعماً يأمن الأحداث في عيش رغد
والرغيدة: الزبدة في بعض اللغات. وأرغد الرجل ماشيته: إذا تركها وسومها والمشيئة والارادة بمعنى واحد وكذلك المحبة والاختيار وان كان لها شروط ذكرناها في الاصول.
﴿وَكُلَا﴾ رزقكما الخاصّ بكما من أثمار الجنّة وفواكه الاعمال وحبوبها ﴿رَغَدًا﴾ رزقاً واسعاً او اكلاً واسعاً.
وبعد أن عرفنا معنى ﴿وَكُلَا﴾ و ﴿رَغَدًا﴾، نسأل أن الأمر الإلهي بالأكل من ثمار الجنة ما علاقته بالخلافة على الأرض واسكان آدم وزوجه عليهما السلام في الجنة؟
والجواب يأتي بما طرحه المفسرون جزاهم الله خير جزاء المحسنين:
يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(ره) في تفسير هذه الآية: (يستفاد من آيات القرآن أن آدم خلق للعيش على هذه الأرض. لكنّ الله شاء أن يسكنه قبل ذلك الجنّة، وهي روضة خضراء موفورة النعمة في هذا العالم، وخالية من كل ما يزعج آدم.
لعل مرحلة مكوث آدم في الجنّة كانت مرحلة تحضيرية لعدم ممارسة آدم للحياة على الأرض وصعوبة تحمّل المشاكل الدنيوية بدون مقدمة، ومن أجل تأهيل آدم لتحمل مسئوليات المستقبل، ولتفهيمه أهمية حمل هذه المسئوليات والتكاليف الإلهية في تحقيق سعادته، ولإعطائه صورة عن الشقاء الذي يستتبع إهمال هذه التكاليف، ولتنبيهه بالمحظورات التي سيواجهها على ظهر الأرض.
وكان من الضروري أيضا أن يعلم آدم بإمكان العودة إلى الّله بعد المعصية.
فمعصية الله - لا تسدّ إلى الأبد - أبواب السعادة أمامه، بل يستطيع أن يرجع ويعاهد الله ألا يعود لمثلها، وعند ذاك يعود إلى النعم الإلهية.
ينبغي أن ينضج آدم عليه السّلام في هذا الجوّ إلى حد معيّن، وأن يعرف أصدقاءه وأعداءه، ويتعلم كيف يعيش على ظهر الأرض. نعم، كانت هذه مجموعة من التعاليم الضرورية التي تؤهله للحياة على ظهر الأرض.
كانت هذه مقدمات تأهيلية يحتاجها آدم وأبناء آدم في حياتهم الجديدة.
ولعل الفترة التي قضاها آدم في الجنّة أن ينهض بمسئولية الخلافة على الأرض كانت تدريبية أو تمرينية).[2]
روى الكليني بإسناده إلى مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا اَلسَّلاَمُ أَيُّ اَلْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ الله عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: ((مَا مِنْ عَمَلٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الله جَلَّ وَعَزَّ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ أَفْضَلَ مِنْ بُغْضِ اَلدُّنْيَا وَإِنَّ لِذَلِكَ لَشُعَباً كَثِيرَةً وَلِلْمَعَاصِي شُعَباً فَأَوَّلُ مَا عُصِيَ الله بِهِ اَلْكِبْرُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ إِبْلِيسَ حِينَ «أَبىٰ وَاِسْتَكْبَرَ وَكٰانَ مِنَ اَلْكٰافِرِينَ» وَاَلْحِرْصُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ حِينَ قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: «فَكُلاٰ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمٰا وَلاٰ تَقْرَبٰا هٰذِهِ اَلشَّجَرَةَ فَتَكُونٰا مِنَ اَلظّٰالِمِينَ» فَأَخَذَا مَا لاَ حَاجَةَ بِهِمَا إِلَيْهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِمَا إِلَى يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَطْلُبُ اِبْنُ آدَمَ مَا لاَ حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ)).[3]
[1] سورة البقرة، الآية: 35.
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 165.
[3] الكافي، ج 2، ص 130.
تعليق