بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾[1].
قال الملا صدرا في تفسيره: (الزَلّة، والخَطيئَة، والمَعصِية، والسَيّئة بمعنى واحد بحسب العُرف. وضدّ الخَطيئة: الاصابَة. يقال: "زَلَّت قدمُه زَلاًّ" و "زَلَّ في مَقالَتِه زَلَّةً" والمزِلَّة: المكان الدَّحض. والأصل في ذلك الزوال. فالزَلّة زوالٌ عن الحق وتحوّل عنه.
قال صاحب الكشاف: "معناه: فأصدر الشيطان زلّتهما عنها ولفظة "عَنْ" في هذه الآية كهي في قوله: ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾[2].
ومن قرأ: "أزالَهما" فهو من الزوال عن المكان.
وقال بعض العلماءِ: أزلّهما الشيطانُ، أي: استزلّهما. وهو من قولك: "زَلَّ في دينه، أو دنياه" نسب الازلال إلى الشيطان لما وقع بدعائه ووسوسته وإغوائه عنها أي: عن الجنة وما كانا فيه من عظيم الرتبة والمنزلة.
والشيطان المراد به إبليس. فأخرجهما ممّا كانا فيه من النِّعمة والدّعة.
ويحتمل أن يكون المراد أخرجهما من الجنّة حتّى أُهبطا. أو من الطاعة إلى المعصية. وأضاف الاخراج إليه لأنّه كان السبب فيه. كما يقال: "صرَفني فلانٌ عن هذا الأمر".
واعلم أنَّ إخراج آدم وحوّاء من الجنّة وإهباطهما إلى الأرض لم يكن على وجه العقوبة، لأن الدليل قد دلّ على أنّ الأنبياء لا يجوز عليهم ما يوجبُ الذمّ والعقاب لهم عليه. ومن أجاز العقاب للأنبياء (عليهم السلام) فقد أساء عليهم الأدب، وأعظَمَ الفِرية على الله، وذلك لأنّ مقامَهم بحسب الباطن عالَم القدس العقلي، ومحلّ العصمة عن الشرور، والطهارة عن الخبائث الطبيعيّة، والأرجاس البدنيّة.
وإنّما أخرج الله آدم من الجنّة لأنّ المصلحة قد اقتضت تناوله من الشجرة، والحكمةُ الإلهيّة قد قدَّرت إهباطَه إلى الأرض، وابتلاءه بالتكليف والمشقّة تكميلاً للسعادات، واخراجاً للذريّات من ظَهْره، وبثّاً للخيرات، وانفتاحاً لأبواب البركات، فإنّ الرحمةَ الإلهيّة لمّا لم يجز وقوفها عند حدّ، يبقى وراءها الإمكان الغير المتناهي. لأن قوّته غير متناهية، وَجُوده غير محصور عند حلّ ليكون الفائض من رحمة وُجُوده قدرٌ متناه.
ثمّ أشرفُ الحوادث البدنيّة هي الأرواح الإنسيّة، المتعلّقة بالقوالب البشريّة، ولا يمكن خروجُ جميع النفوس الناطقة من القوّة إلى الفعل دفعةً واحدة على سُنّة الابداع، لا مع الأبدان.
فلا بدّ من تكثير هذا النوع الإنساني الذي تعلّقت العنايةُ الأوّلية بتدبير أفرادها، وتكثير أفرادها من التوالد والتناسل قرناً بعد قرن إلى يوم القيامة، ففي كلّ مدة يفيض من عالَم القدس الإلهي نفوساً إنسانيّة، يرجع ما كمُل منها بالعلم والتقوى إلى الوطن الأصلي، والمكان العالي، وما لم يكمل يمكث في بعض البرازخ السِّفليّة أزماناً طويلة، أو قصيرة، وأحقاباً كثيرة، وقليلة بحسب كثرة العوائق والأوزار وقلّتها، وإذا كان الاعتقاد فاسداً، والجهل راسخاً، كان العقاب أبديّاً والخلاص مستحيلاً).[3]
وقيل: أي حملهما على عدم الثبوت في أمرهما وأزاحهما عن فكرة الكف. فأخرجهما مما كانا فِيهِ من النّعم الجزيلة والمواهب السنيّة وقُلْنَا اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ والخطاب من الله تعالى، صدر بنزول آدم وحواء بما استبطناه من ذريتهما وإبليس. وهكذا أصبح آدم وحواء وما ولدا من الذّرية، أعداء لإبليس وذريته، وهو وذريته لهم عدوّ.
علما أنّ كلّ الأحداث التي عرضها القرآن الكريم في معصية آدم عليه السلام كانت في الجنّة، والجنّة ليست مقامًا للتكليف، فقبل نزوله عليه السلام إلى الأرض لم يكن هناك تشريع، ولا أوامر مولويّة واجبة الطاعة تحرم مخالفتها، والحديث عن العصمة إنّما هو في هذه الدنيا التي هي مكان التشريع والتكليف، وبالتالي الطاعة والمعصية، وعليه فكلّ ما حصل لا ينفي عصمة آدم عليه السلام.
[1] سورة البقرة، الآية: 36.
[2] سورة الكهف، الآية: 82.
[3] تفسير صدر المتألهين الشيرازي، الآية 36 من سورة البقرة.
تعليق