بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾[1].
قال شيخ الطائفة الطوسي: قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ اختلفوا في المعنيّ بهذه الآية، فقال السدّي وأبو عليّ الجبّائي وأبو بكر ابن الأخشيد: إنّ المراد بالخطاب آدم وحوّاء وإبليس، جمع بينهم في الذكر، وإن كان الخطاب لهم وقع في أوقات متفرّقة، لأنّ إبليس أُمر بالهبوط حين امتنع من السجود، وآدم وحوّاء حين أكلا من الشجرة، وانتزع لباسهما.
وقال مقاتل بن سليمان: فتاب الله عليه، وأوحى إليهما: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا﴾ من الجنّة آدم وحوّاء وإبليس والحيّة ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ يقول إبليس لهما عدوّ وهما لإبليس عدوّ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس في قوله: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ قال: آدم وحوّاء وإبليس والحيّة.
وذكر الحية التي تكلمت مع آدم وحواء في الجنة من خلال تمثل ابليس بها، هذا كله في الروايات الإسرائيلة التي لانعتمد عليها ابدا.
وأخرج ابن جرير عن أبي صالح في قوله: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ قال: آدم وحوّاء والحيّة.
قال الشيخ الطوسي: قال الحسن-قولاً بعيداً من الصواب-وهو أنّ المراد به آدم وحوّاء والوسوسة. وهذا قول منعزب عنه، لأنّ الوسوسة لا تخاطب.
وقال عليّ بن إبراهيم: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ يعني آدم وإبليس.
ومن المعلوم بين الشيطان والإنسان، عداوة لا تزول فإنها لا تزال بينهما قائمة طول زمن التكليف، فلا تعني العداء بين الناس أنفسهم، فإنها مرفوضة وأحيانية، وتلك العداوة مفروضة وفي كل الأحيان، اللّهم إلا عداء ضمن عداء، بما هو قضية ذلك العداء، وهو قوله تعالى: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا﴾[2].
فقوله تعالى: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ إلى آخر الآية، كأن الخطاب لآدم وزوجته وإبليس، وعداوة بعضهم لبعض هو ما يشاهد من اختلاف طبائعهم، وهذا قضاء منه تعالى والقضاء الآخر قوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ﴾، أي إلى آخر الحياة الدنيوية، وظاهر السياق أن الخطاب الثاني أيضا يشترك فيه الثلاثة.
فهي آية، ظاهر السياق فيها أنه خطاب آدم وزوجته وإبليس وقد خص إبليس وحده بالخطاب ففي موضع آخر من القرآن الكريم قال عز وجل: ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾[3]، فقوله تعالى: إهبطوا، كالجمع بين الخطابين وحكاية عن قضاء قضى الله به العداوة بين إبليس لعنه الله وبين آدم وزوجته وذريتهما، وكذلك قضى به حياتهم في الأرض وموتهم فيها وبعثهم منها.
يقول السيد الطباطبائي(ره) في تفسيره: (وذرية آدم مع آدم في الحكم كما ربما يستشعر من ظاهر قوله: ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾[4]، وكما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾[5].
وبالجملة يشبه أن تكون هذه القصة التي قصها الله تعالى من إسكان آدم وزوجته الجنة، ثم إهباطهما لأكل الشجرة كالمثل يمثل به ما كان الإِنسان فيه قبل نزوله إلى الدنيا من السعادة والكرامة بسكونة حظيرة القدس، ومنزل الرفعة والقرب، ودار نعمة وسرور، وأنس ونور، ورفقاء طاهرين، وأخلاء روحانيين، وجوار رب العالمين.
ثم إنه يختار مكانه كل تعب وعناء ومكروه وألم بالميل إلى حياة فانية، وجيفة منتنة دانية، ثم أنه لو رجع بعد ذلك إلى ربه لأعاده إلى دار كرامته وسعادته ولو لم يرجع إليه وأخلد إلى الأرض واتبع هواه فقد بدل نعمة الله كفراً وأحل بنفسه دار البوار، جهنَّم يصلاها وبئس القرار).[6]
[1] سورة البقرة، الآية: 36.
[2] سورة الإسراء، الآية: 53.
[3] سورة الأعراف، الآية: 13.
[4] سورة الأعراف، الآية: 25.
[5] سورة الأعراف، الآية: 11.
[6] الميزان في تفسير القرآن، ج 1، ص 132.
تعليق