بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[1].
الخلود في النار:
الشيعة الامامية يقرّون بثبوت الشفاعة ووقوع العفو الالهي لمرتكب الكبيرة، وأن مرتكب الكبيرة لا يخرج بالمعصية عن الايمان، فهم مجمعون على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج بذلك عن الايمان لتصديقه بالقلب.
وهذا يدل على أنهم قائلون بانقطاع عذاب مرتكب الكبيرة، وأنه لا يخلد في النار، قال الشيخ المفيد: اتفقت الامامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والاقرار بفرائضه من أهل الصلاة.. واتفقت الامامية على أن من عذب بذنبه من أهل الاقرار والمعرفة والصلاة لم يخلد في العذاب، وأخرج من النار إلى الجنة، فينعم فيها على الدوام.
والدليل على ذلك:
1. قوله تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾.[2]
2. قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾.[3]
وحينئذ نقول: سلب قوله تعالى الغفران عن الشرك، وأثبته لما دونه، فدلّ على الفرق بينهما، فلو كان عقابه دائماً كعقابه لم يبق بينهما فرق، ولم يكن لغفرانهما معنى.
3. لو خلد صاحب الكبيرة الذي انضم إلى معصيته إيمان في النار لتساوى مع الكافر الذي أتى بأعظم من الكبيرة.
4. قبح تخليد الإنسان الذي صاحب إيمانه معصية.
فتكون النتيجة:
أولاً: إنَّ العذاب الذي يعاني منه المذنبون في عالم الآخرة هو نتيجة أعمالهم التي إقترفوها. يقول القرآن في تعبير صريح:﴿فَاليَومَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَونَ إلاّ ما كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾.[4]
وهنا لا مجال للاعتراض على عدالة الله.
ثانياً: من الخطأ أنْ يظن بعضهم أن مدّة العقاب يجب أنْ تتناسب مع مدّة الذنب. لأنَّ العلاقة بين الذّنب وعقابه ليست علاقة زمنية. بل تتعلق بكيفية الذنب ونتائجه.
فقد يقتل شخص رج بريئاً في لحظة واحدة، فيحكم عليه بالسجن المؤبد حسب قوانين بعض البلدان. فهنا نلاحظ أنَّ زمن الذنب لم يتجاوز بضع لحظات، بينما العقاب يمتد عشرات السنين، ومع ذلك لا يعترض أحد على ذلك بأنَّه ظلم، وذلك لأنَّ القضية هنا ليست قضية دقائق وساعات وأشهر وسنوات، بل هي قضية كيفية الجرم ونتائجه.
ثالثاً: "الخلود" في النار والعقاب والأبدي إنَّما يحيق بالذين يغلقون أمام أنفسهم جميع منافذ النجاة، ويغرقون عن عمد ووعي في الفساد والكفر والنفاق، بحيث أنَّ ظلام الإثم يغطي جميع أرجاء وجودهم حتى يصبحوا قطعة من الكفر والعصيان.
وفي هذا يقول تعالى: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأحَاطَتْ بِهِ خَطِيْئَتُهُ فَأُولئِكَ أصْحَابُ النّارِ هُم فِيها خالِدُونَ﴾.[5]
وهؤلاء هم الذين قطعوا كل صلة لهم بالله، واغلقوا في وجوههم جميع نوافذ النجاة والسعادة. إنَّهم أشبه بالطّائر الذي يقوم عمداً بكسر أجنحته واحراقها، فيمسي مجبراً على المكوث على الارض دائماً، محروماً من التحليق في أجواء السماء العالية.
عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنَّهُ قَالَ : ((إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ لِأَننَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا أَنْ يَعْصُوا اللَّهَ أَبَداً، وَإِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَوْ بَقُوا فِيهَا أَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ أَبَداً، فَبِالنِّيَّاتِ خُلِّدَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ..﴾[6]ـ قَالَ:ـ عَلَى نِيَّتِهِ)).[7]
وعليه تكون قضية الخلود في العذاب الأبدي لبعض المنافقين والكفار لا تتناقض ومبدأ العدالة، لأن الخلود في العذاب جاء نتيجة لأعمالهم، على الرّغم من أن الانبياء والرسل قد أبلغوهم أن لتلك الاعمال نتائج مرّة ومشؤومة.
فلا يبقى إلاّ أولئك المعاندون، أعداء الله، الذين أصروا على الظلم والفساد والنفاق حتى استغرقهم ظلام كفرهم وضلالهم كلياً.
[1] سورة البقرة، الآية: 39.
[2] سورة الزلزلة، الآية: 8.
[3] سورة النساء، الآية: 48.
[4] سورة يس، الآية: 54.
[5] سورة البقرة، الآية: 81.
[6] سورة الإسراء، الآية: 84.
[7] الكافي، ج 2، ص 85.