كونوا نفعاً لأهل بيتكم لا مضرة
خرج مع أهل بيتهِ عليهم السلام لمباهلة نصارى نجران، وقد كان الفضاء يتنفسُ من اطمئنانه، وبرز بعترته إليهم وقد كانت الشمس تضيء من
بريق عينيه، ولم يكن بين نصارى نجران واللّعنة سوى لحظات يكاد الزمان يخترقها غيضاً وعذاباً بمجرد أن يحرّك النبيّt شفتيه للمباهلة لولا أنْ
تداركها كبيران من كبرائهم طالبيْن وقف المباهلة، وصالحوه على بعض الأمور التي فيها خدمة للإسلام والمسلمين، إذ إنّ هيبة النّبي وأهل بيته
عليهم السلام قد أخذتهم، واستنتجا بأنّ النبيّ صلى الله عليه واله حينما خرج للمباهلة لكي تكون اللّعنة على الكاذبين لم يخرج بقومه،
بل خرج بأهل بيته عليهم السلام، فدلّ ذلك على صدق نبوته؛ لأنهُ لو كان كاذباً ـ وحاشاه أنْ يكذب ـ لما خرج بأهل بيته عليهم السلام
ليتباهل؛ فالإنسان العاقل لا يجلب الأذى لأهل بيته، وفعلاً هذا هو المفروض، فعلى الإنسان أنْ لا يجلب الأذى لأهل بيته؛
لذلك نحن نستغرب ممّن يخالفون طبيعتهم وواجبهم ويؤذون أهل بيتهم سواء كان هذا الأذى بقصدٍ أم من غير قصد، وطبعاً لهذا الأذى عدّة صور سنذكر بعضها:
(الصورة الأولى)
هنالك كثير من الآباء أبوتهم متعلّقة بمحبة الزوجة، فإنْ أحبوا الزوجة أحبوا أولادهم منها، وإن كرهوا الزوجة كرهوا أولادهم منها؛ لذلك نجد
حينما تُهجر أو تُطلق الزوجة يُهجر أولادها معها، فلا يسأل آباؤهم عنهم ولا عن متطلباتهم، ما يجعل هؤلاء الأبناء عرضة لأخطار الزمان
ومكائده، والكثير منهم صاروا لصوصاً أو مجرمين بسبب غياب الرقيب والمعيل عنهم، وهنالك آباء لا يهجرون الزوجة وأولادهم منها، لكن
يظلمونها ويظلمون الأولاد منها لحساب الزوجة الثانية، والنتيجة نفسها فهؤلاء الأولاد غالباً إمّا يصبحون لصوصاً أو مجرمين، أو مصابين بمرض
نفسي؛ بسبب ظلم آبائهم.
(الصورة الثانية)
هنالك آباءٌ وأمهاتٌ يعملون على إسعاد أبنائهم وبناتهم، بالملبس والأموال والترفيه، إلّا أنهم يهملون تزويدهم بأفضل سعادة،
ألا وهي سعادة الطاعة لله تعالى وترك معصيته، كما أنهم يكدحون لضمان مستقبل أبنائهم وبناتهم في هذه الدنيا عن طريق جمع الثروة لهم،
ويغفلون عن ضمان أفضل مستقبل لهم، ألا وهو جنة الآخرة، لذلك نجد كثيراً من الأولاد ينشؤون ماديين همّهم الدنيا فقط،
وربّما يموتون وهم على هذا الحال، فيكون مصيرهم إلى النار، والسبب أنّ أهاليهم أرادوا نفعهم فأضرّوهم.
(الصورة الثالثة)
هنالك آباءٌ وأمهاتٌ يريدون أن يكون أولادهم أصحاب دين وصلاح، إلّا أنّهم يخطؤون بتوصيل هذا المراد كما هو إلى أذهانهم، فتكون النتيجة
عكسية، بمعنى أنّ هؤلاء الآباء والأمهات يصلّون ويصومون ويأمرون أولادهم بذلك، إلا أنّ تصرفاتهم سيئة مع أولادهم ومع باقي الناس،
ما يجعل هؤلاء الأولاد إمّا يظنون أنّ تصرفات أهاليهم في ضمن تعاليم الدين فيكرهون الدين، أو يَفقدون الثقة بكلّ المتدينين
عن طريق تصرفات أهاليهم فلا يأتمرون بنصيحة ناصح، ولا ينتهون بوعظ واعظ حتى لو كان أمهاتهم أو آباءهم،
فتكون نتيجتهم غالباً الشقاء والانحراف.
هذه ثلاث صور عمّن يخالفون طبيعتهم فيؤذون أهل بيتهم متعمدين، ومَن ينسون واجبهم فيؤذونهم غير قاصدين، ويبقى النداء الإلهي إشارة لكلّ
إنسانٍ ضميره حي بأن يسلك مسالك الصدق بأهل بيته، عن طريق قوله ( ..فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ(/ (آل عمران:61).
رنا الخويلدي
تم نشره في المجلة العدد 99
تعليق