بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾[1].
فهل كان هذا البحر هو النيل أم خليج السويس؟
شواهد الآيات تدلّ على أنّه بحر النيل؛ وذلك للأسباب التالية:
1-إنّ الفراعنة كانوا يسكنون غرب النيل وأهرامهم تدلّ على ذلك، ومن أراد الشرق اعترض طريقه بحر النيل: ﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ﴾.
2-إنّ فرعون استعبد بني إسرائيل، وعبيده يجعلهم من حوله لا يبعدون عنه.
3-إنّ تسمية البحر الذي ألقي فيه موسى (عليه السّلام) وهو طفل رضيع، والبحر الذي غرق فيه آل فرعون، باليمّ، وما زال اليمّ يطلق على النيل.
4-إنّ اليمّ حملَ التابوت الذي فيه موسى (عليه السّلام) إلى مكان فرعون وأهله، ممّا يدلّ على قربه من مسكن آل موسى (عليه السّلام). وغيرها من الأسباب.
ورد أن اَلْإِمَامُ الحسن اَلْعَسْكَرِيُّ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((وذَلِكَ أَنَّ مُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) لَمَّا اِنْتَهَى إِلَى اَلْبَحْرِ، أَوْحَى اَللهُ عَزَّ وجَلَّ إِلَيْهِ: قُلْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: جَدِّدُوا تَوْحِيدِي، وأَقِرُّوا بِقُلُوبِكُمْ ذِكْرَ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ عَبِيدِي وإِمَائِي، وأَعِيدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمُ اَلْوَلاَيَةَ لِعَلِيٍّ أَخِي مُحَمَّدٍ وآلِهِ اَلطَّيِّبِينَ، وقُولُوا: اَللَّهُمَّ بِجَاهِهِمْ جَوِّزْنَا عَلَى مَتْنِ هَذَا اَلْمَاءِ؛ فَإِنَّ اَلْمَاءَ يَتَحَوَّلُ لَكُمْ أَرْضاً. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) ذَلِكَ، فَقَالُوا: أَ تُورِدُ عَلَيْنَا مَا نَكْرَهُ، وهَلْ فَرَرْنَا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ إِلاَّ مِنْ خَوْفِ اَلْمَوْتِ؟! وأَنْتَ تَقْتَحِمُ بِنَا هَذَا اَلْمَاءَ اَلْغَمْرَ بِهَذِهِ اَلْكَلِمَاتِ، ومَا يُدْرِينَا مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذِهِ عَلَيْنَا؟! فَقَالَ لِمُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) كَالِبُ بْنُ يُوحَنَّا - وهُوَ عَلَى دَابَّةٍ لَهُ، وكَانَ ذَلِكَ اَلْخَلِيجُ أَرْبَعَةَ فَرَاسِخَ-: يَا نَبِيَّ اَللهِ، أَمَرَكَ اَللهُ بِهَذَا أَنْ نَقُولَهُ ونَدْخُلَ اَلْمَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وأَنْتَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَوَقَفَ وجَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ تَوْحِيدِ اَللهِ ونُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ) ووَلاَيَةِ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) واَلطَّيِّبِينَ مِنْ آلِهِمَا مَا أَمَرَهُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: اَللَّهُمَّ بِجَاهِهِمْ جَوِّزْنِي عَلَى مَتْنِ هَذَا اَلْمَاءِ؛ ثُمَّ أَقْحَمَ فَرَسَهُ، فَرَكَضَ عَلَى مَتْنِ اَلْمَاءِ، فَإِذَا اَلْمَاءُ تَحْتَهُ كَأَرْضٍ لَيِّنَةٍ حَتَّى بَلَغَ آخِرَ اَلْخَلِيجِ، ثُمَّ عَادَ رَاكِضاً. ثُمَّ قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَطِيعُوا اَللهَ وأَطِيعُوا مُوسَى فَمَا هَذَا اَلدُّعَاءُ إِلاَّ مَفَاتِيحُ أَبْوَابِ اَلْجِنَانِ، ومَغَالِيقُ أَبْوَابِ اَلنِّيرَانِ، ومُسْتَنْزَلُ اَلْأَرْزَاقِ، وجَالِبٌ عَلَى عِبَادِ اَللهِ وإِمَائِهِ رِضَا اَلْمُهَيْمِنِ اَلْخَلاَّقِ؛ فَأَبَوْا، وقَالُوا: نَحْنُ لاَ نَسِيرُ إِلاَّ عَلَى اَلْأَرْضِ. فَأَوْحَى اَللهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى: أَنِ اِضْرِبْ بِعَصٰاكَ اَلْبَحْرَ وقُلْ: اَللَّهُمَّ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وآلِهِ اَلطَّيِّبِينَ لَمَّا فَلَقْتَهُ؛ فَفَعَلَ، فَانْفَلَقَ وظَهَرَتِ اَلْأَرْضُ إِلَى آخِرِ اَلْخَلِيجِ. فَقَالَ مُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): اُدْخُلُوهَا؛ قَالُوا: اَلْأَرْضُ وَحِلَةٌ نَخَافُ أَنْ نَرْسُبَ فِيهَا. فَقَالَ اَللهُ عَزَّ وجَلَّ: يَا مُوسَى، قُلْ: اَللَّهُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وآلِهِ اَلطَّيِّبِينَ جَفِّفْهَا؛ فَقَالَهَا، فَأَرْسَلَ اَللهُ عَلَيْهَا رِيحَ اَلصَّبَا فَجَفَّتْ. وقَالَ مُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): اُدْخُلُوهَا؛ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اَللهِ، نَحْنُ اِثْنَتَا عَشْرَةَ قَبِيلَةً، بَنُو اِثْنَيْ عَشَرَ أَباً، وإِنْ دَخَلْنَا رَامَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنَّا تَقَدُّمَ صَاحِبِهِ، ولاَ نَأْمَنُ وُقُوعَ اَلشَّرِّ بَيْنَنَا، فَلَوْ كَانَ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنَّا طَرِيقٌ عَلَى حِدَةٍ لَأَمِنَّا مَا نَخَافُهُ. فَأَمَرَ اَللهُ مُوسَى أَنْ يَضْرِبَ اَلْبَحْرَ بِعَدَدِهِمْ اِثْنَتَيْ عَشْرَةَ ضَرْبَةً فِي اِثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعاً إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ اَلْمَوْضِعِ، ويَقُولُ: اَللَّهُمَّ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وآلِهِ اَلطَّيِّبِينَ بَيِّنِ اَلْأَرْضَ لَنَا وأَمِطِ اَلْمَاءَ عَنَّا؛ فَصَارَ فِيهِ تَمَامُ اِثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقاً، وجَفَّ قَرَارُ اَلْأَرْضِ بِرِيحِ اَلصَّبَا. فَقَالَ: اُدْخُلُوهَا؛ قَالُوا: كُلُّ فَرِيقٍ مِنَّا يَدْخُلُ سِكَّةً مِنْ هَذِهِ اَلسِّكَكِ لاَ يَدْرِي مَا يَحْدُثُ عَلَى اَلْآخَرِينَ. فَقَالَ اَللهُ عَزَّ وجَلَّ: فَاضْرِبْ كُلَّ طَوْدٍ مِنَ اَلْمَاءِ بَيْنَ هَذِهِ اَلسِّكَكِ؛ فَضَرَبَ، فَقَالَ: اَللَّهُمَّ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ وآلِهِ اَلطَّيِّبِينَ لَمَّا جَعَلْتَ فِي هَذَا اَلْمَاءِ طِيقَاناً وَاسِعَةً يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً مِنْهَا؛ فَحَدَثَتْ طِيقَانٌ وَاسِعَةٌ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً مِنْهَا، ثُمَّ دَخَلُوهَا. فَلَمَّا بَلَغُوا آخِرَهَا جَاءَ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ، فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ آخِرُهُمْ، وهَمَّ بِالْخُرُوجِ أَوَّلُهُمْ أَمَرَ اَللهُ تَعَالَى اَلْبَحْرَ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَغَرِقُوا، وأَصْحَابُ مُوسَى يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: وأَغْرَقْنٰا آلَ فِرْعَوْنَ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ)).[2]
[1] سورة البقرة، الآية: 50.
[2] تفسير البرهان، ج 1، ص 213.