بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ﴾[1].
مواعدة بين خالق ومخلوق فما هي اسرارها التي علينا معرفتها:
قال صاحب العين: الوعد والعدة مصدران ويكونان اسمين. فاما العدة فيجمع على العدات والوعد لا يجمع. والموعد: موضع التواعد. وهو الميعاد. ويكون الوعد مصدر وعدته. ويكون الموعد وقتاً للحين. والموعدة اسم العدة. والميعاد: لا يكون إلا وقتاً أو موضوعا. والوعيد من التهدد، أوعدته المكاره ويقال ايضاً: وعدته من الشر كقوله: ﴿النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾.[2]
وموسى اسم مركب من اسمين بالقبطية (فمو) هو الماء و(سى) شجر. وسمي به، لأن التابوت الذي كان فيه موسى وجد عند الماء، والشجر وجدنه جواري آسية امرأة فرعون وقد خرجن ليغتسلن، فسمّي (عليه السلام) باسم المكان الذي وجد فيه، وهو الماء والشجر.
وهذا أصح الأقوال.
وهو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب اسرائيل الله.
ويوجد قولان آخران لسبب التسمية:
الأول: إنَّ وزنه (فُعلى)، والميم فيه أصلية من (مَاسَ، يَميس، موساً) إذا تبختَر في مشيِه. وكان (عليه السلام) كذلك.
والثاني: إنَّ وزنه مُفعَل، من (أوسيت الشجرة) إذا أخذت ما عليها من الورَق. فكأنّه سمي بذلك لصلْعه.
ولا يؤخذ بهذين القولين؛ لأنّ بني إسرائيل والقبط ما كانوا يتكلّمون بلغة العرب، وأيضاً إنّ هذا الاسم عَلَمٌ، والعلَم لا يفيد معنى غير الذات الشخصيّة.
وذكر بعض العلماء أنّه روي أنّ موسى (عليه السلام) وعد بني إسرائيل - وهم بمصر - أنّ الله تعالى إذا أهلك عدوّهم فرعون، وقومه، واستنقذهم من أيديهم، يأتيهم بكتاب من عند الله فيه بيان الحلال والحرام، والحدود والأحكام فلمّا فعل ذلك، وأهلك فرعون سأل موسى ربّه الكتابَ. فأمره الله تعالى أن يصوم ثلاثين يوماً - وهو ذو القعدة -.
ولم يكن صوم موسى (عليه السلام) ترك الطعام في النهار وأكْله بالليل. بل طَوى الثلاثين من غير أكْل. فلمَّا تمّت ثلاثون ليلة أنكَرَ خلوفَ فمه. فتسوّك بعود خرنوب فقالت الملائكة: (كنّا نشمّ مِن فِيك رائحةَ المسك فأفسدتَه بالسواك) فأمَره الله تعالى أن يصومَ عشرة أيّام من ذي الحجة. وقال له: (أما علِمتَ أنَّ خُلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك)؟
ويتحدث صدر الدين الشيرازي(ره) عن مواعدة موسى: (واعلم أنّه قد حصَل لموسى (عليه السلام) في هذه المدّة المضروبة له من الله استعداد المكالمة له مع الله بواسطة انقطاعه عن الطعام والشراب، واجتنابه عن اللَّذات، والشواغل الحسيّة. وكذلك استفاضة العلوم اللدنيّة، والمعارف الإلهية، وهي ضرب من المكالمة - لأنّ حقيقة التكلّم إظهار ما يدلّ على المعاني الغائبة عن الحواسّ، سواء كان بخلْق الألفاظ، أو بإفاضة صور الحقائق على النّفْس - لا تحصل إلاّ بتخلية المدارك والحواسّ عن الاشتغال بشواغل الدنيا وأغراضها، وتخلية الجوف عن الطعام، ومنع اللسان عن الكلام إلاّ بذكر الله، وعدم اشتغال القلب بما سوى الحقّ، فإن جميع ذلك مما يعدّ النفس الشريفة الزكيّة للمكالمة الحقيقية مع الله تعالى، وإفاضة صور الحقائق عليها.
ولا يختصّ ذلك بمدّة دون أخرى. غير أنّ تعيين الأربعين والحكمة في ذلك لا يطّلع عليه إلاّ الأنبياء والكمّل من الأولياء (عليهم السلام).
ففي كلّ يوم بإخلاصه في العمل لله تعالى يكشف له طبقة من طبقات الحجُب الجسميّة، والأغشية الظلمانيّة، والنشأة الترابيّة الطبيعيّة، ويزول عنه طور من الأطوار الكونيّة الخلقيّة المبعّدة له عن الله، ويظهر عليه سلطان النشأة الأخروية، إلى أن ينكشف باستعمال الأربعين أربعين طبقة من أطباق حجابه وأطوار بُعده عن الله، واشتغاله بعمارة الدنيا، ولذلك ورَد في الحديث: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أنه قَال : ((مَنْ أَخْلَصَ للِّهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً ظَهَرَتْ يَنَابِيعُ اَلْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ))[3]).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 51.
[2] سورة الحج، الآية: 72.
[3]بحار الأنوار، ج 53، ص 326.
[4] تفسير القرآن الكريم(ملا صدرا)، ج 3، ص 366.
تعليق