من معاجز الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الخارقة للعادة .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
أسعد الله أيامكم بذكرى ولادة سيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) .
روي عن أبي يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سيّار، عن الحسن العسكري ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليّ التقي عليهم السلام ، قال : لمّـا اتّسق الأمر للرضا عليه السلام وطفق الناس يتذاكرون ذلك ، قال للمأمون بعض المبغضين : يا أمير المؤمنين ، أُعيذك بالله أن يكون تأريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفضل العظيم من بيت ولد العبّاس إلى بيت ولد علي ، لقد أعنت على نفسك وأهلك ، وجئت بهذا الساحر ابن الساحر ، وقد كان خاملاً فأظهرته ، ووضيعاً فرفعته ، ومنسيّاً فذكّرت به ، ومستخفّاً فنوهّت به ، قد ملا الدنيا مخرقةً وتزويقاً بهذا المطر الوارد بدعائه ، فما أخوفنا أن يخرج هذا الأمر من ولد العبّاس إلى ولد عليّ ، ما أخوفنا من أن يتوصّل بالسحر إلى إزالة نعمتك والوثوب سراعاً إلى مملكتك ! هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل ما جنيت ؟
قال المأمون : جئنا بهذا الرجل وأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاءه إلينا، ويعترف بالخلافة والملك لنا، وليعتقد المقرّون به أنّه ليس ممّـا ادّعى في قليل ولا كثير ، وأنّ هذا الأمر لنا من دونه ، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ، ويأتي علينا ما لا نطيقه ، فالان إذ قد فعلناه ، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا ، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا ، فليس يجوز التهاون في أمره ، لكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً ، حتّى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحقّ هذا الأمر ، ثمّ ندبّر فيه .
فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، خوّلني مجادلته ، فإنّي أُفحمه وأصحابه ، وأضع من قدره ، ولولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته ; وبيّنت للناس قصوره عمّـا رشّحته له .
فقال المأمون : ما شيء أحبّ إليّ من هذا .
قال: فاجمع جماعة من وجوه أهل مملكتك، من القُوّاد والقضاة وجملة الفقهاء، لأُبيّن نقصه بحضرتهم، فيكون أخذاً له عن محلّه الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك .
قال: فجمع الخلق الفضلاء من رعيّته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه ، وأقعد الرضا عليه السلام بين يديه في مرتبته التي جعلها له ، فانتدب هذا الحاجب المتضمّن للوضع من الرضا عليه السلام وقال : إنّ الناس قد أخبروا عنك الحكايات ، وأسرفوا في وصفك ، بما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إلى الله منه .
فأوّل ذلك أنّك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه ، فجعلوا ذلك معجزة ، أوجبوا لك بها آية ، وأنّه لا نظير لك في الدنيا ، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله تعالى مملكته - لا يوازن بأحد إلاّ رجح عليه ، وقد أحلّك المحلّ الذي قد عرفت ، وليس من حقّه عليك أن تسوّغ الكذّابين لك وعليه ما يكذّبونه .
فقال الرضا عليه السلام : ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ ، وأمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني ما أحلّني ، فما أحلّني إلاّ المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق عليه السلام ، فكان حالهما ما قد عرفت .
فغضب الحاجب عند ذلك وقال : يا عليّ بن موسى ، لقد عدوت طورك ، وتجاوزت قدرك ، أن بعث الله بمطر مقدور في وقته ، لا يتقدّم ولا يتأخّر ; جعلته آيةً تستطيل بها ، وصولةً تصول بها ، كأنّك جئت بمثل آية إبراهيم الخليل عليه السلام لمّـا أخذ رؤوس الطير بيده ، ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال ، فأتينه سعياً ، ونزلن على الرؤوس ، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى ، فإن كنت صادقاً فيما تزعم فأحيي هذين السبعين ، وسلّطهما عليّ ، فإنّ ذلك حينئذ يكون آيةً معجزة ، فأمّا المطر المعتاد ، فلست أنت أحقّ بأن يكون قد جاء بدعائك دون دعاء غيرك الذي دعا كما دعوت .
وكان الحاجب قد أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان يستند إليه ، وكانا متقابلين على المسند ، فغضب الرضا عليه السلام وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر ، فافْتَرِساه في المجلس ، ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً .
فوثبت الصورتان والقوم ينظرون متحيّرين ، فلمّـا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام وقالا : يا وليّ الله في أرضه ، ماذا تأمرنا أنفعل به ما فعلنا بهذا ؟ يشيران إلى المأمون ، فغشي على المأمون منهما ، فقال الرضا عليه السلام : قفا . فوقفا ، ثمّ قال : صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه. ففعل ذلك به ، وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي افترسناه ؟ قال : لا ، فإنّ لله عزّ وجلّ فيه تدبيراً ممضيه . فقالا : فماذا تأمرنا ؟ فقال : عودا إلى مقرّكما كما كنتما . فعادا إلى المسند ، فصارا صورتين كما كانتا ، فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شرّهما وشرّ حميد بن مهران - يعني الرجل المفترس) .
بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 49 ، ص 184 .
بسم الله الرحمن الرحيم .
اللهم صل على محمد وآل محمد .
أسعد الله أيامكم بذكرى ولادة سيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) .
روي عن أبي يعقوب يوسف بن محمّد بن زياد ، وعلي بن محمّد بن سيّار، عن الحسن العسكري ، عن أبيه ، عن محمّد بن عليّ التقي عليهم السلام ، قال : لمّـا اتّسق الأمر للرضا عليه السلام وطفق الناس يتذاكرون ذلك ، قال للمأمون بعض المبغضين : يا أمير المؤمنين ، أُعيذك بالله أن يكون تأريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف العميم والفضل العظيم من بيت ولد العبّاس إلى بيت ولد علي ، لقد أعنت على نفسك وأهلك ، وجئت بهذا الساحر ابن الساحر ، وقد كان خاملاً فأظهرته ، ووضيعاً فرفعته ، ومنسيّاً فذكّرت به ، ومستخفّاً فنوهّت به ، قد ملا الدنيا مخرقةً وتزويقاً بهذا المطر الوارد بدعائه ، فما أخوفنا أن يخرج هذا الأمر من ولد العبّاس إلى ولد عليّ ، ما أخوفنا من أن يتوصّل بالسحر إلى إزالة نعمتك والوثوب سراعاً إلى مملكتك ! هل جنى أحد على نفسه وملكه مثل ما جنيت ؟
قال المأمون : جئنا بهذا الرجل وأردنا أن نجعله وليّ عهدنا ليكون دعاءه إلينا، ويعترف بالخلافة والملك لنا، وليعتقد المقرّون به أنّه ليس ممّـا ادّعى في قليل ولا كثير ، وأنّ هذا الأمر لنا من دونه ، وقد خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا نسدّه ، ويأتي علينا ما لا نطيقه ، فالان إذ قد فعلناه ، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا ، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه به على ما أشرفنا ، فليس يجوز التهاون في أمره ، لكنّا نحتاج أن نضع منه قليلاً ، حتّى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحقّ هذا الأمر ، ثمّ ندبّر فيه .
فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، خوّلني مجادلته ، فإنّي أُفحمه وأصحابه ، وأضع من قدره ، ولولا هيبتك في صدري لأنزلته منزلته ; وبيّنت للناس قصوره عمّـا رشّحته له .
فقال المأمون : ما شيء أحبّ إليّ من هذا .
قال: فاجمع جماعة من وجوه أهل مملكتك، من القُوّاد والقضاة وجملة الفقهاء، لأُبيّن نقصه بحضرتهم، فيكون أخذاً له عن محلّه الذي أحللته فيه، على علم منهم بصواب فعلك .
قال: فجمع الخلق الفضلاء من رعيّته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه ، وأقعد الرضا عليه السلام بين يديه في مرتبته التي جعلها له ، فانتدب هذا الحاجب المتضمّن للوضع من الرضا عليه السلام وقال : إنّ الناس قد أخبروا عنك الحكايات ، وأسرفوا في وصفك ، بما أرى أنّك إن وقفت عليه برئت إلى الله منه .
فأوّل ذلك أنّك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه ، فجعلوا ذلك معجزة ، أوجبوا لك بها آية ، وأنّه لا نظير لك في الدنيا ، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله تعالى مملكته - لا يوازن بأحد إلاّ رجح عليه ، وقد أحلّك المحلّ الذي قد عرفت ، وليس من حقّه عليك أن تسوّغ الكذّابين لك وعليه ما يكذّبونه .
فقال الرضا عليه السلام : ما أدفع عباد الله عن التحدّث بنعم الله عليّ ، وأمّا ذكرك صاحبك الذي أحلّني ما أحلّني ، فما أحلّني إلاّ المحلّ الذي أحلّه ملك مصر يوسف الصدّيق عليه السلام ، فكان حالهما ما قد عرفت .
فغضب الحاجب عند ذلك وقال : يا عليّ بن موسى ، لقد عدوت طورك ، وتجاوزت قدرك ، أن بعث الله بمطر مقدور في وقته ، لا يتقدّم ولا يتأخّر ; جعلته آيةً تستطيل بها ، وصولةً تصول بها ، كأنّك جئت بمثل آية إبراهيم الخليل عليه السلام لمّـا أخذ رؤوس الطير بيده ، ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال ، فأتينه سعياً ، ونزلن على الرؤوس ، وخفقن وطرن بإذن الله تعالى ، فإن كنت صادقاً فيما تزعم فأحيي هذين السبعين ، وسلّطهما عليّ ، فإنّ ذلك حينئذ يكون آيةً معجزة ، فأمّا المطر المعتاد ، فلست أنت أحقّ بأن يكون قد جاء بدعائك دون دعاء غيرك الذي دعا كما دعوت .
وكان الحاجب قد أشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون الذي كان يستند إليه ، وكانا متقابلين على المسند ، فغضب الرضا عليه السلام وصاح بالصورتين : دونكما الفاجر ، فافْتَرِساه في المجلس ، ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً .
فوثبت الصورتان والقوم ينظرون متحيّرين ، فلمّـا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام وقالا : يا وليّ الله في أرضه ، ماذا تأمرنا أنفعل به ما فعلنا بهذا ؟ يشيران إلى المأمون ، فغشي على المأمون منهما ، فقال الرضا عليه السلام : قفا . فوقفا ، ثمّ قال : صبّوا عليه ماء ورد وطيّبوه. ففعل ذلك به ، وعاد الأسدان يقولان : أتأذن لنا أن نلحقه بصاحبه الذي افترسناه ؟ قال : لا ، فإنّ لله عزّ وجلّ فيه تدبيراً ممضيه . فقالا : فماذا تأمرنا ؟ فقال : عودا إلى مقرّكما كما كنتما . فعادا إلى المسند ، فصارا صورتين كما كانتا ، فقال المأمون : الحمد لله الذي كفاني شرّهما وشرّ حميد بن مهران - يعني الرجل المفترس) .
بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 49 ، ص 184 .
تعليق