بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والأخرين
وبعد اخرج ابن مزاحم في وقعة صفن
ج 1 ص 37
قال معاوية لعمرو: يا أبا عبد الله، إنى أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذى عصى ربه وقتل الخليفة ، وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة، وقطع الرحم.
قال عمرو: إلى من ؟ قال: إلى جهاد على، قال: فقال عمرو: والله يا معاوية ما أنت وعلى بعكمى بعير ، مالك هجرته .
ولا سابقته، ولا صحبته ولا جهاده، ولا فقهه وعلمه..والله إن له مع ذلك حدا
وجدا ، وحظا وحظوة، وبلاء من الله حسنا، فما تجعل لى إن شايعنك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر ؟ قال: حكمك.
قال: مصر طعمة.
قال: فتلكأ عليه معاوية.
قال نصر: وفي حديث غير عمر قال: قال له معاوية: يا أبا عبد الله، إنى أكره أن يتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا.
قال: دعني عنك.
قال معاوية: إنى لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت.
قال عمرو: لالعمر الله، ما مثلى يخدع، لأنا أكيس من ذلك.
قال له معاوية: ادن منى برأسك أسارك.
قال: فدنا منه عمرو يساره، فعض معاوية أذنه
وقال: هذه خدعة، هل ترى في بيتك أحدا غيرى وغيرك ؟ ثم رجع إلى حديث عمر ،
قال:
فأنشأ عمرو يقول
معاوى لا أعطيك دينى ولم أنل * بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطنى مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما تعطى ورأسي مقنع
ولكني أغضى الجفون وإنني * لأخدع نفسي والمخادع يخدع
وأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وإنى به إن زلت النعل أضرع
وتمنعني مصرا وليست برغبة * وإنى بذا الممنوع قدما لمولع
قال: أبا عبد الله، ألم تعلم أن مصرا مثل العراق ؟ قال: بلى، ولكنها إنما تكون لى إذا كانت لك، وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى على.
قال: فدخل عتبة بن أبى سفيان فقال: أما ترضى أن نشترى عمرا بمصر إن هي صفت لك.
فليتك لا تغلب على الشام.
فقال معاوية: يا عتبة، بت عندنا الليلة.
قال: فلما جن على عتبة الليل رفع صوته ليسمع معاوية،
وقال: أيها المانع سيفا لم يهز * إنما ملت على خز وقز .
إنما أنت خروف ماثل * بين ضرعين وصوف لم يجز
أعط عمرا إن عمرا تارك * دينه اليوم لدنيا لم تحز
يا لك الخير فخذ من دره * شخبه الأولى وأبعد ما غر
ز واسحب الذيل وبادر فوقها * وانتهزها إن عمرا ينتهز
أعطه مصرا وزده مثلها * إنما مصر لمن عز وبز
واترك الحرص عليها ضلة * واشبب النار لمقرور يكز
إن مصرا لعلى أو لنا * يغلب اليوم عليها من عجز
فلما سمع معاوية قول عتبة أرسل إلى عمرو وأعطاها إياه.
قال: فقال له عمرو: ولى الله عليك بذلك شاهد ؟ قال له معاوية: نعم لك الله على بذلك، لئن فتح الله علينا الكوفة.
قال عمرو: (والله على ما نقول وكيل).
قال: فخرج عمرو ومن عنده فقال له ابناه: ما صنعت ؟ قال: أعطانا مصر [ طعمة ].
قالا: وما مصر في ملك العرب ؟ قال: لا أشبع الله بطونكما إن لم يشبعكما مصر.
قال: فأعطاها إياه، وكتب له كتابا، وكتب معاوية: " على أن لا ينقض شرط طاعة "،
وكتب عمرو: " على ألا تنقض طاعة شرطا ".
وكايد كل واحد منهما صاحبه .
وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب، وكان داهيا حليما ،
فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال: ألا تخبرني يا عمرو بأى رأى تعيش في قريش ؟ أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك.
أترى أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلى حى ؟ وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذى قدمه في الكتاب ؟
فقال عمرو: يا ابن الأخ، إن الأمر لله دون على ومعاوية.
فقال الفتى في ذلك شعرا:
ألا يا هند أخت بنى زياد * دهى عمرو بداهية البلاد
رمى عمرو بأعور عبشمى * بعيد القعر مخشى الكياد
له خدع يحار العقل فيها * مزخرفة صوائد للفؤاد .
تعليق