يوم عاشوراء: هو يوم العاشر من المحرّم وفيه استشهد أبو عبد الله الحسين (عليه الصلاة والسلام) ومن معه من أهل بيته البررة وأصحابه الصفوة (رضوان الله عليهم أجمعين)، وهو اليوم الذي تبرّكت به بنو أميّة وآل زياد وآل مروان (عليهم لعائن الله) بقتلهم الحسين (عليه السلام).
ففي صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم سألا الباقر (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء، فقال: ((كان صومه قبل رمضان، فلما نزل شهر رمضان ترك))[1].
وعن الحسين بن عليّ الهاشميّ، عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنان، عن أبان، عن عبد الملك، قال: ((سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء][2] من شهر المحرّم فقال: "عليه السلام" ((تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه (رضي الله عنهم) بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام، وأناخوا[3] عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا الحسين (عليه السلام) وأصحابه (كرم الله وجوههم)، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر، ولا يمدّه أهل العراق - بأبي المستضعف الغريب - ثمّ قال: وأمّا يوم العاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعًا بين أصحابه، وأصاحبه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟! كلا وربّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلّا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانه وآل زياد (لعنهم الله) وأهل الشام، غضب الله عليهم وعلى ذريّاتهم، و ذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صام أو تبرّك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب ومسخوطًا عليه، ومن ادّخر فيه[4] إلى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقًا في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك))[5]، وكفانا هذا الخبر الصحيح عن ذكر بقيّة الأخبار الكثيرة التي هي بمضمونة أو قريبة منه[6].
وأمّا الأخبار الواردة بصومه وأنّه صام فيه رسول الله[7] (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ صيامه كفّارة سنة[8]، وغير ذلك من المرغّبات في صومه فهي محمولة، إمّا على صومه على وجه الحزن كما نقل ذلك عن الشيخين[9] وغيرهما[10]، أو على التقيّة، وإنّ صيام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان قبل تشريع صوم شهر رمضان كما قيل[11]، أو على غير ذلك من المحامل.
ولولا هذه الأخبار لكان القول بتحريم صومه كما يقتضيه الخبر المتقدّم وغيره من الأخبار الكثيرة قريبًا كما نسب الجزم به إلى بعض متأخريّ المتأخّرين[12]؛ ترجيحًا لهذه النصوص المانعة على تلك المرغّبة، لكن الجمع بينها على أحد الوجوه المتقدّمة كما عليه المشهور من علمائنا[13] (رضوان الله عليهم) أولى وأقرب.
وأمّا ما ورد من الأخبار الدالّة على صومه إلى ما بعد العصر والإفطار فيه على الماء:
فهي موافقة للأخبار المانعة عن صومه ودالّة على أنّه يوم حزن ومصيبة يحقّ فيها ترك الشراب والطعام، وإظهار الكآبة والحزن بجميع أنواع الحزن من البكاء واللطم، وغير ذلك من التأسّف والتحسّر والتباكي والإبكاء، فإنّ ذلك كلّه قد ورد فيه الأخبار ودلّت عليه الآثار، ولولا الخروج عن المقصود لذكرنا كثير من الأخبار المرتبطة بالمقام، الموجبة بذكرها للتقرّب إلى الملك العلّام، وكفاك من عظم المصيبة أنّها تبقى إلى يوم القيامة ذكرها.
تحقيق: السيد أحمد الغالبي
[1] وسائل الشيعة: 10/ 459، ب 21من أبواب الصوم المندوب، ح1.
[2] ما بين المعقوفين ليس في الأصل ولعله سقط من المؤلف (رحمه الله) تبعًا للجواهر وما أثبتناه من المصدر.
[3] أناخوا: أي أبركوا الإبل فبركت، ينظر: لسان العرب: 3/ 65.
[4] ليس في المصدر: ((فيه)).
[5] الكافي: 4/ 147، ب تأخير صيام الثلاثة الأيام من الشهر إلى الشتاء، ح7، وما بين المعقوفات ليس في الأصل وما اثبتناه من المصدر.
[6] منها ما جاء في الكافي: 4/ 147، ب صوم عرفة وعاشورا ح6 ((عن زيد النرسي قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم يوم عاشورا فقال: من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، قال: قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال: النار أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار)).
[7] تهذيب الاحكام: 4/ 299، ب وجوه الصيام وشرح جميعها على البيان، ح12 ((عن يعقوب بن يزيد عن أبي همام عن أبي الحسن عليه السلام قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشورا)).
[8] الاستبصار: 2/ 134، ب صوم يوم عاشوراء، ح3 ((عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: صيام يوم عاشوراء كفارة سنة)).
[9] ينظر: المقنعة: 378، الاستبصار: 2/ 135، ب صوم يوم عاشوراء، ذيل ح7.
[10] ينظر: تذكره الفقهاء: 6/ 192.
[11] ينظر: جواهر الكلام: 17/ 107.
[12] ينظر: جواهر الكلام: 17/ 107.
[13] ينظر: تذكرة الفقهاء: 6/ 192،
ففي صحيح زرارة ومحمّد بن مسلم سألا الباقر (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء، فقال: ((كان صومه قبل رمضان، فلما نزل شهر رمضان ترك))[1].
وعن الحسين بن عليّ الهاشميّ، عن محمّد بن الحسين عن محمّد بن سنان، عن أبان، عن عبد الملك، قال: ((سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم تاسوعاء وعاشوراء][2] من شهر المحرّم فقال: "عليه السلام" ((تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه (رضي الله عنهم) بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام، وأناخوا[3] عليه وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها، واستضعفوا الحسين (عليه السلام) وأصحابه (كرم الله وجوههم)، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر، ولا يمدّه أهل العراق - بأبي المستضعف الغريب - ثمّ قال: وأمّا يوم العاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعًا بين أصحابه، وأصاحبه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟! كلا وربّ البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلّا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانه وآل زياد (لعنهم الله) وأهل الشام، غضب الله عليهم وعلى ذريّاتهم، و ذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صام أو تبرّك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب ومسخوطًا عليه، ومن ادّخر فيه[4] إلى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقًا في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك))[5]، وكفانا هذا الخبر الصحيح عن ذكر بقيّة الأخبار الكثيرة التي هي بمضمونة أو قريبة منه[6].
وأمّا الأخبار الواردة بصومه وأنّه صام فيه رسول الله[7] (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ صيامه كفّارة سنة[8]، وغير ذلك من المرغّبات في صومه فهي محمولة، إمّا على صومه على وجه الحزن كما نقل ذلك عن الشيخين[9] وغيرهما[10]، أو على التقيّة، وإنّ صيام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان قبل تشريع صوم شهر رمضان كما قيل[11]، أو على غير ذلك من المحامل.
ولولا هذه الأخبار لكان القول بتحريم صومه كما يقتضيه الخبر المتقدّم وغيره من الأخبار الكثيرة قريبًا كما نسب الجزم به إلى بعض متأخريّ المتأخّرين[12]؛ ترجيحًا لهذه النصوص المانعة على تلك المرغّبة، لكن الجمع بينها على أحد الوجوه المتقدّمة كما عليه المشهور من علمائنا[13] (رضوان الله عليهم) أولى وأقرب.
وأمّا ما ورد من الأخبار الدالّة على صومه إلى ما بعد العصر والإفطار فيه على الماء:
فهي موافقة للأخبار المانعة عن صومه ودالّة على أنّه يوم حزن ومصيبة يحقّ فيها ترك الشراب والطعام، وإظهار الكآبة والحزن بجميع أنواع الحزن من البكاء واللطم، وغير ذلك من التأسّف والتحسّر والتباكي والإبكاء، فإنّ ذلك كلّه قد ورد فيه الأخبار ودلّت عليه الآثار، ولولا الخروج عن المقصود لذكرنا كثير من الأخبار المرتبطة بالمقام، الموجبة بذكرها للتقرّب إلى الملك العلّام، وكفاك من عظم المصيبة أنّها تبقى إلى يوم القيامة ذكرها.
تحقيق: السيد أحمد الغالبي
[1] وسائل الشيعة: 10/ 459، ب 21من أبواب الصوم المندوب، ح1.
[2] ما بين المعقوفين ليس في الأصل ولعله سقط من المؤلف (رحمه الله) تبعًا للجواهر وما أثبتناه من المصدر.
[3] أناخوا: أي أبركوا الإبل فبركت، ينظر: لسان العرب: 3/ 65.
[4] ليس في المصدر: ((فيه)).
[5] الكافي: 4/ 147، ب تأخير صيام الثلاثة الأيام من الشهر إلى الشتاء، ح7، وما بين المعقوفات ليس في الأصل وما اثبتناه من المصدر.
[6] منها ما جاء في الكافي: 4/ 147، ب صوم عرفة وعاشورا ح6 ((عن زيد النرسي قال: سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم يوم عاشورا فقال: من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، قال: قلت: وما كان حظهم من ذلك اليوم؟ قال: النار أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار)).
[7] تهذيب الاحكام: 4/ 299، ب وجوه الصيام وشرح جميعها على البيان، ح12 ((عن يعقوب بن يزيد عن أبي همام عن أبي الحسن عليه السلام قال: صام رسول الله صلى الله عليه وآله يوم عاشورا)).
[8] الاستبصار: 2/ 134، ب صوم يوم عاشوراء، ح3 ((عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: صيام يوم عاشوراء كفارة سنة)).
[9] ينظر: المقنعة: 378، الاستبصار: 2/ 135، ب صوم يوم عاشوراء، ذيل ح7.
[10] ينظر: تذكره الفقهاء: 6/ 192.
[11] ينظر: جواهر الكلام: 17/ 107.
[12] ينظر: جواهر الكلام: 17/ 107.
[13] ينظر: تذكرة الفقهاء: 6/ 192،
تعليق