اللهم صل على محمد وآل محمد
رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "ضاعَ مَنْ كانَ لَهُ مَقْصَدٌ غَيرُ اللّه"
إن كان في الناس من لم يزل يعتقد أنه وُجِدَ في الحياة من غير مُوجِد قادر عليم حكيم فهو ينتمي إلى جماعة الأغبياء والحَمقى، لأن أعظم ما يقرِّره العقل أن الكون كله بما فيه من مجرات وذرّات يستحيل أن يوجَد من تِلقاء نفسه، والعقل ذاته يقرِّر أن الكون بما حوى من نُظُم وقوانين شديدة الاتقان، وبما هو عليه من استقرار وانسجام وتعاون بين عوالمه برهان قاطع على أن خالقه مُريد، قادر، عليم، حكيم، والعقل يقرِّر أيضاً أن لوجود الكون غاية وأن لا شيء يحدث فيه إلا وله غاية ويستحيل أن يكون عبثياً في حركته. ولا حاجة إلا استقراء جميع مفردات الكون لاستنباط هذه الحقيقة، بل يكفي أن يستقرئ الإنسان الطبيعة القريبة منه، الطبيعة التي يعيش في أحضانها ويتعامل معها ويحصل على حاجاته منها ليخلص إلى نتيجة قاطعة أن ما كائن فيها إلا وله غاية يسعى إليها.
خُذْ مثلا حبَّة القمح، فكِّر فيها قليلاً، تظن أن لا حياة فيها، والحياة بالقوة كامنة فيها، تدُسّها يد الفلاح في الأرض فتبدأ الحبة ذاتها بطلب الهواء والماء والغذاء من التربة، وهذه غاية بذاتها تسعى إليها، فإذا ما تفاعلت عناصر الحياة فيها تبدأ بالنمو فتكون غايتها خروج مولودها الجديد خارج التربة، ثم تنمو وتنمو ومع كل نُمُوٍّ غاية إلى أن تنتهي إلى غايتها النهائية وهي النضوج الذي يجعلها مُؤَهَّلة للحَصاد ثم تكون طُعمَة للآكل.
وإذا لم يُقنعك ما سبق من أمر الحبَّة ففَكِّر في ذاتك أنت، وأنت المخلوق ذو العقل والتفكير وما تملك من قدرات لا تملكها غيرك من المخلوقات، ألا ترى لوجودك غاية؟! وكيف لا يكون لوجودك غاية ولكل عضو من أعضاء بدنك غاية وُجِد لأجلها؟! لن أسألك عن غاية وجود الدماغ والعقل والقلب وأعضاء بدنك، لن أسألك عن غاية وجود عينين وأذنين ولسانا وشفتين وسوى ذلك، بل أسألك عن كل حركة تتحركها ألست تضع لها غاية؟! أليس أهم ما يمنحك الطمأنينة وتشعر معه بالفوز والفلاح أن تحقق غاياتك الآنية والمرحلية والنهائية التي تختارها لنفسك؟! أنت موجود ذو غاية فإن لم تتحقق لك فلن تذوق طعم الطمأنينة والاستقرار، ولو فرضنا أنك لم تحدد لنفسك غاية أو غايات تسعى إلى بلوغها فأقل ما تجده في نفسك الضياع، كأنك تائه في صحراء لا حدود لها، لا تعرف إلى أي جهة تسير.
إن الله تعالى هو الغاية الكبرى التي يتجه إليها الخلق كلها، وهو الغاية التي يجب أن تقصد إليها قارئي الكريم، منه البداية وإليه النهاية، هو الذي خلق وإليه يتجه المخلوق، وأنت، وأنا، وجميع البشر أقررنا بذلك أم لم نقر، أردنا ذلك أم لم نُرده، جميعنا نتجه إلى الله في حركتنا، وكل خطوة نخطوها في الحياة وعلى أي صعيد كانت هي في الحقيقة توجُّه إلى الله، بعضنا يعي ذلك وبعضنا الآخر يجهله، وبعض مِنّا قد يجحد ذلك ولكننا جميعا نقصد إلى الله ونتوجَّه إليه في حاجاتنا المختلفة، وفي رغباتنا الوجودية الكبرى.
إننا نرغب بالكمال ولا كمال في الحقيقة إلا لله، ونرغب بالجمال ولا جمال إلا جمال الله، ونرغب في الارتباط بالقوة القاهرة في الوجود والاحتماء بها وطلب العون والحاجات منها وليس سوى الله تعالى قادر على ذلك.
وإن من يعرف الله حق المعرفة ويقصد إليه في سيره التكاملي يصل، وتتحقق كل رغباته وأمانيه، ويستقر في كنف الله وتحت ظل عرشه، فتطمئن نفسه، ويرتاح قلبه، ويهنأ في دنياه وفي آخرته، أما ذاك الذي يقصد غير الله فهو كذاك التائه في الصحراء لا يعرف إلى أين يتجه، ولا يجد من يُدركه قبل هلاكه.
تعليق