بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يقول البعض : إن بعض الروايات تقول : إن المهاجمين لبيت الزهراء ( ع ) لم يدخلوا البيت ، فكيف يصح قول من يقول : إنهم ضربوها عليها السلام ، وأسقطوا جنينها ، وغير ذلك ؟ ! .
والجواب :
أولا : إن ما جرى على الزهراء من مصائب وبلايا ، لا يحتاج إلى دخول البيت ، فقد تعصر الزهراء بين الباب والحائط ، ثم يضربها المهاجمون دون أن يدخلوا البيت ، وهذا هو صريح النصوص التي تحدثت عن هذا الأمر . هذا إذا كان مراده بالدخول معناه المتبادر منه . ولو اعتذر عنه بأن مراده الهجوم ، فقول القائل . . . وددت أني لم اكشف باب فاطمة . ثم النصوص الكثيرة الدالة على دخولهم إلى البيت يرد هذا القول ويدفعه .
وثانيا : لماذا يقتصر هذا البعض على رواية عدم دخولهم البيت ، مع أنها لم تصرح بعدم الدخول ، بل اكتفت بالسكوت والاكتفاء بذكر جانب مما جرى . ولو سلمنا صراحة رواية ما بذلك ، فهي معارضة بالروايات الكثيرة الأصح سندا ، والأكثر عددا ، التي تقول : إنهم قد دخلوا بيتها ، وانتهكوا حرمته وحرمتها .
وثالثا : إن ضرب الزهراء عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، ليس أمرا عاديا ، بل هو حدث هائل ، لا يمكن أن يقبله منهم أي مسلم صادق الإيمان .
ولسوف يجهر بالاعتراض عليهم والتقريع لهم ، إذا لم يكن ثمة خوف من سيف أو سوط . فليس من مصلحة الحكام ، ولا من مصلحة محبيهم أن يتناقل الناس هذه الواقعة ، ولا أن يعرفوا تفاصيلها ، فلم يكونوا يسمحون لأنفسهم ، ولا لغيرهم بنقلها وتداولها ، بل لقد رأينا البعض يعتبرون نقل هذه القضية جريمة لها تبعاتها على ناقلها ، وننقل من شواهد ذلك الموارد التالية :
1 - لا تروه عني : يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : إنه قرأ على شيخه أبي جعفر النقيب قصة زينب حين روعها هبار بن الأسود ، فقال له أبو جعفر : " إن كان رسول الله ( ص ) أباح دم هبار ، لأنه روع زينب ، فألقت ذا بطنها ، فظاهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها . فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم : إن فاطمة روعت ، فألقت المحسن ؟ ! فقال : لا تروه عني ، ولا ترو عني بطلانه ، فإني متوقف في هذا الموضع ، لتعارض الأخبار عندي فيه ( 1 ) " .
( 1 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 14 ص 193 ، والبحار : ج 28 ص 323 ، وإثبات الهداة : ج 2 ص 360 و 337 / 338 . ( * )
فأبو جعفر النقيب يتراجع عن موقفه بسرعة عند توجيه المعتزلي هذا السؤال الحساس إليه ، رغم أنه كان قد أطلق حكمه بصورة قاطعة في أول الأمر . ولعل سبب تراجعه أنه رأى أن شيوع هذا الأمر عنه سوف يتسبب له بمشاكل هو في غني عنها .
2 - أنا لا أقول ، بل علي ( ع ) ! ويشبه هذه الحادثة ، ما ذكروه في مورد آخر يتميز بحساسيته وخطورته أيضا ، من أن شيخا آخر للمعتزلي قد تراجع بنفس هذه الطريقة ، ومع المعتزلي نفسه أيضا ، لكي ينأى بنفسه عن مواجهة مشاكل لا يريد أن يواجهها .
فقد ذكر المعتزلي الشافعي : أن أستاذه ذكر له قول علي عليه السلام : أن عائشة هي التي أمرت أباها بالصلاة بالناس في مرض النبي ( ص ) الذي توفي فيه ، قال : " فقلت له رحمه الله : أفتقول أنت : أن عائشة عينت أباها للصلاة ، ورسول الله ( ص ) لم يعينه ؟ ! فقال : أما أنا فلا أقول ذلك ، ولكن عليا كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حاضرا ولم أكن حاضرا ، فأنا محجوج بالأخبار التي اتصلت بي ، وهي تتضمن تعيين النبي ( ص ) لأبي بكر في الصلاة ، وهو محجوج بما كان قد علمه الخ . . " ( 1 ) .
( 1 ) شرح النهج للمعتزلي : ج 9 ص 198 . ( * )
3 - سماع رواية " ضرب فاطمة " أسقطه ! وقالوا عن أحمد بن محمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث : " كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ، ورجل يقرأ عليه : " أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن " ( 1 ) . إذن ، فقراءة هذه القضية عليه أخرجته عن جادة الاستقامة التي لازمها عامة دهره ، وصار ذلك سببا للطعن عليه ، وجرحه ، وبالتالي إسقاطه عن الاعتبار .
4 - الطعن على النظام : إنهم يعتبرون رواية ما جرى على فاطمة من أهم الطعون على النظام الذي كان أحد أعاظم شيوخ المعتزلة ، حتى إن الشهرستاني يقول عنه : " وزاد في الفرية ، فقال : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام ( 2 ) " .
( 1 ) ميزان الاعتدال : ج 1 ص 139 ، ولسان الميزان : ج 1 ص 268 ، رقم 824 ، وسير أعلام النبلاء : ج 15 ص 578 .
( 2 ) الملل والنحل : ج 1 ص 57 ، وستأتي إنشاء الله مصادر أخرى في قسم النصوص . ( * )
وعد البغدادي قول النظام عن عمر : " أنه ضرب فاطمة ، ومنع ميراث العترة " من ضلالاته . 5 - تحريف كتاب المعارف : بل إنهم لأجل قضية إسقاط المحسن ، نجدهم لا يتورعون عن تحريف الكتب أيضا ، فقد حرفوا كتاب " المعارف " لابن قتيبة حسبما ذكره لنا ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ه ، حيث قال : " . .
وفي معارف القتيبي : أن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي ( 1 ) " .
وقال الكنجي الشافعي المتوفى سنة 685 ه ، عن الشيخ المفيد : " وزاد على الجمهور ، وقال : إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا ، كان سماه رسول الله ( ص ) محسنا ، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة " ( 2 ) .
ويظهر : أنه يقصد بذلك : نقل ابن قتيبة له في كتاب المعارف ، لا في الإمامة والسياسة ، وذلك بقرينة كلام ابن شهرآشوب المتقدم . لكن الموجود في كتاب " المعارف " لابن قتيبة المطبوع سنة 1353 ه ص 92 هو العبارة التالية : " وأما محسن بن علي فهلك ، وهو صغير " .
( 1 ) مناقب آل أبي طالب : ج 3 ص 407 ( ط دار الأضواء ) ، والبحار ج 43 ص 233 .
( 2 ) كفاية الطالب : ص 413 . ( * )
وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن ، فلماذا هذا التحريف ، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى ؟ ! .
رواية " قنفذ " تعارض إجماع " الشيخ " :
يقول البعض : " إن الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على عبارة النظام من أن عمر ضرب بطن فاطمة حتى أسقطت ، في الوقت الذي جاءت الرواية عن دلائل الإمامة وغيره أن قنفذا هو الذي قام به " . وهو بذلك يريد أن يقول : إن هذه المنقولات متناقضة فتسقط عن الاعتبار .
والجواب :
أولا : إن الشيعة قد اتفقوا على الأول ، ولكنهم لم ينفوا إقدام قنفذ على هذا الأمر أيضا ، فرواية دلائل الإمامة وغيرها مما سيأتي شطر كبير منه تثبت مشاركته في هذا الفعل أيضا ، كما أن المغيرة أيضا قد شارك في ضرب الزهراء حتى أدماها ، كما سيأتي في قسم النصوص والآثار ، فلا مانع من أن يشارك الجميع في أمر كهذا ، ويتسببون في الاسقاط ، فيصح نسبته إليهم جميعا ، وإلى كل واحد منهم أيضا ، لتسببهم به . فهذه النسبة لا تعني أن كل واحد منهم كان علة مستقلة في الاسقاط .
ثانيا : لقد أوضحت النصوص كما سترى : أن الهجوم قد تكرر على بيت فاطمة عليها السلام ، كما أن مبايعات أبي بكر قد تكررت أيضا ( 1 ) ، وقد حصلت إحدى هذه المرات وهي محاولة الإحراق ، فيما
( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 188 . ( * )
كان أبو بكر جالسا على المنبر يبايع له ، ويرى ما يجري ولم ينكر ذلك ، ولم يغيره ، كما ورد في أمالي المفيد رحمه الله ، وحصول هجومات عديدة نجده في العديد من الروايات بصورة صريحة حينا ، وهو مقتضى الجمع بين الروايات ، حيث تلاحظ خصوصيات الأشخاص والتصرفات التي ميزت كل هجوم حينا آخر .
بل بعض الروايات تؤكد : أن أبا بكر نفسه كان يصدر الأوامر بالهجوم ، وقد سبق الهجوم تهديدات بالاحراق ، وجمع للحطب . ثم أضرمت النار بصورة جزئية ، ثم كسر الباب ، وضربت الصديقة الطاهرة ، من أكثر من شخص من المهاجمين ، وسقطت إلى الأرض ، ورفسها ذلك الرجل برجله أيضا . وكل ذلك سيأتي في قسم النصوص الآتي إن شاء الله تعالى . . وبعض روايات إسقاط المحسن صحيحة السند . كما أن بعض الروايات المثبتة للضرب وشبهه أيضا صحيحة . وقد أشار نفس المعترض إلى صحة رواية الطبري في دلائل الإمامة .
والروايات بمجموعها متواترة عن أهل بيت العصمة ، فإذا ضم إليها ما سواها من نصوص فإنها تفوق حد التواتر . مع أن ذكر غير الشيعة لأمر كهذا يعتبر أمرا ملفتا ، بملاحظة أن ذلك الغير يرغب في تبرئة الفاعلين من ذلك كله .
وقد ورد هذا الأمر في كلمات كثير من أعلامهم ، كالجويني ، والكنجي ، والمسعودي ، والنظام ، وأبي جعفر النقيب أستاذ المعتزلي ، وأحمد بن محمد بن السري وغيرهم ممن سنذكر كلماتهم في الفصل المخصص لذلك إن شاء الله تعالى . وصرح بوجود هجومات عديدة ابن حمزة الزيدي ، وهو يجيب على اعتراض بعضهم بوجود تناقض بين الروايات . حيث إن واحدة تقول : إن عليا قعد عن البيعة في بيته ، وفر إليه طلحة والزبير ، ولم يخرجوا من البيت حتى جاء عمر ، وأراد إحراق البيت عليهم .
وأخرى تقول : إن أبا بكر خرج إلى المسجد يصلي ، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد بالصلاة إلى جنبه ، ثم قتله حينما ينطق أبو بكر بالتسليم في صلاته . وثالثة تقول : إنه أتي بعلي ملببا ، فبايع مكرها . فأجابه ابن حمزة بقوله : " إن ذلك كان في أوقات مختلفة ، وليس بين ذلك تناقض ، ولا تدافع ( 1 ) " . وذلك يعني : أن محاولة إحراق البيت قد كانت في وقت وفي هجوم ، مستقل عن الهجوم الذي تم فيه إخراج علي ملببا للبيعة . .
( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 202 . ( * )
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يقول البعض : إن بعض الروايات تقول : إن المهاجمين لبيت الزهراء ( ع ) لم يدخلوا البيت ، فكيف يصح قول من يقول : إنهم ضربوها عليها السلام ، وأسقطوا جنينها ، وغير ذلك ؟ ! .
والجواب :
أولا : إن ما جرى على الزهراء من مصائب وبلايا ، لا يحتاج إلى دخول البيت ، فقد تعصر الزهراء بين الباب والحائط ، ثم يضربها المهاجمون دون أن يدخلوا البيت ، وهذا هو صريح النصوص التي تحدثت عن هذا الأمر . هذا إذا كان مراده بالدخول معناه المتبادر منه . ولو اعتذر عنه بأن مراده الهجوم ، فقول القائل . . . وددت أني لم اكشف باب فاطمة . ثم النصوص الكثيرة الدالة على دخولهم إلى البيت يرد هذا القول ويدفعه .
وثانيا : لماذا يقتصر هذا البعض على رواية عدم دخولهم البيت ، مع أنها لم تصرح بعدم الدخول ، بل اكتفت بالسكوت والاكتفاء بذكر جانب مما جرى . ولو سلمنا صراحة رواية ما بذلك ، فهي معارضة بالروايات الكثيرة الأصح سندا ، والأكثر عددا ، التي تقول : إنهم قد دخلوا بيتها ، وانتهكوا حرمته وحرمتها .
وثالثا : إن ضرب الزهراء عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، ليس أمرا عاديا ، بل هو حدث هائل ، لا يمكن أن يقبله منهم أي مسلم صادق الإيمان .
ولسوف يجهر بالاعتراض عليهم والتقريع لهم ، إذا لم يكن ثمة خوف من سيف أو سوط . فليس من مصلحة الحكام ، ولا من مصلحة محبيهم أن يتناقل الناس هذه الواقعة ، ولا أن يعرفوا تفاصيلها ، فلم يكونوا يسمحون لأنفسهم ، ولا لغيرهم بنقلها وتداولها ، بل لقد رأينا البعض يعتبرون نقل هذه القضية جريمة لها تبعاتها على ناقلها ، وننقل من شواهد ذلك الموارد التالية :
1 - لا تروه عني : يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : إنه قرأ على شيخه أبي جعفر النقيب قصة زينب حين روعها هبار بن الأسود ، فقال له أبو جعفر : " إن كان رسول الله ( ص ) أباح دم هبار ، لأنه روع زينب ، فألقت ذا بطنها ، فظاهر الحال أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها . فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم : إن فاطمة روعت ، فألقت المحسن ؟ ! فقال : لا تروه عني ، ولا ترو عني بطلانه ، فإني متوقف في هذا الموضع ، لتعارض الأخبار عندي فيه ( 1 ) " .
( 1 ) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي : ج 14 ص 193 ، والبحار : ج 28 ص 323 ، وإثبات الهداة : ج 2 ص 360 و 337 / 338 . ( * )
فأبو جعفر النقيب يتراجع عن موقفه بسرعة عند توجيه المعتزلي هذا السؤال الحساس إليه ، رغم أنه كان قد أطلق حكمه بصورة قاطعة في أول الأمر . ولعل سبب تراجعه أنه رأى أن شيوع هذا الأمر عنه سوف يتسبب له بمشاكل هو في غني عنها .
2 - أنا لا أقول ، بل علي ( ع ) ! ويشبه هذه الحادثة ، ما ذكروه في مورد آخر يتميز بحساسيته وخطورته أيضا ، من أن شيخا آخر للمعتزلي قد تراجع بنفس هذه الطريقة ، ومع المعتزلي نفسه أيضا ، لكي ينأى بنفسه عن مواجهة مشاكل لا يريد أن يواجهها .
فقد ذكر المعتزلي الشافعي : أن أستاذه ذكر له قول علي عليه السلام : أن عائشة هي التي أمرت أباها بالصلاة بالناس في مرض النبي ( ص ) الذي توفي فيه ، قال : " فقلت له رحمه الله : أفتقول أنت : أن عائشة عينت أباها للصلاة ، ورسول الله ( ص ) لم يعينه ؟ ! فقال : أما أنا فلا أقول ذلك ، ولكن عليا كان يقوله ، وتكليفي غير تكليفه ، كان حاضرا ولم أكن حاضرا ، فأنا محجوج بالأخبار التي اتصلت بي ، وهي تتضمن تعيين النبي ( ص ) لأبي بكر في الصلاة ، وهو محجوج بما كان قد علمه الخ . . " ( 1 ) .
( 1 ) شرح النهج للمعتزلي : ج 9 ص 198 . ( * )
3 - سماع رواية " ضرب فاطمة " أسقطه ! وقالوا عن أحمد بن محمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم المحدث : " كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ، ورجل يقرأ عليه : " أن عمر رفس فاطمة حتى أسقطت بمحسن " ( 1 ) . إذن ، فقراءة هذه القضية عليه أخرجته عن جادة الاستقامة التي لازمها عامة دهره ، وصار ذلك سببا للطعن عليه ، وجرحه ، وبالتالي إسقاطه عن الاعتبار .
4 - الطعن على النظام : إنهم يعتبرون رواية ما جرى على فاطمة من أهم الطعون على النظام الذي كان أحد أعاظم شيوخ المعتزلة ، حتى إن الشهرستاني يقول عنه : " وزاد في الفرية ، فقال : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم السلام ( 2 ) " .
( 1 ) ميزان الاعتدال : ج 1 ص 139 ، ولسان الميزان : ج 1 ص 268 ، رقم 824 ، وسير أعلام النبلاء : ج 15 ص 578 .
( 2 ) الملل والنحل : ج 1 ص 57 ، وستأتي إنشاء الله مصادر أخرى في قسم النصوص . ( * )
وعد البغدادي قول النظام عن عمر : " أنه ضرب فاطمة ، ومنع ميراث العترة " من ضلالاته . 5 - تحريف كتاب المعارف : بل إنهم لأجل قضية إسقاط المحسن ، نجدهم لا يتورعون عن تحريف الكتب أيضا ، فقد حرفوا كتاب " المعارف " لابن قتيبة حسبما ذكره لنا ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ه ، حيث قال : " . .
وفي معارف القتيبي : أن محسنا فسد من زخم قنفذ العدوي ( 1 ) " .
وقال الكنجي الشافعي المتوفى سنة 685 ه ، عن الشيخ المفيد : " وزاد على الجمهور ، وقال : إن فاطمة عليها السلام أسقطت بعد النبي ذكرا ، كان سماه رسول الله ( ص ) محسنا ، وهذا شئ لم يوجد عند أحد من أهل النقل إلا عند ابن قتيبة " ( 2 ) .
ويظهر : أنه يقصد بذلك : نقل ابن قتيبة له في كتاب المعارف ، لا في الإمامة والسياسة ، وذلك بقرينة كلام ابن شهرآشوب المتقدم . لكن الموجود في كتاب " المعارف " لابن قتيبة المطبوع سنة 1353 ه ص 92 هو العبارة التالية : " وأما محسن بن علي فهلك ، وهو صغير " .
( 1 ) مناقب آل أبي طالب : ج 3 ص 407 ( ط دار الأضواء ) ، والبحار ج 43 ص 233 .
( 2 ) كفاية الطالب : ص 413 . ( * )
وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن ، فلماذا هذا التحريف ، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى ؟ ! .
رواية " قنفذ " تعارض إجماع " الشيخ " :
يقول البعض : " إن الشيخ الطوسي ينقل اتفاق الشيعة على عبارة النظام من أن عمر ضرب بطن فاطمة حتى أسقطت ، في الوقت الذي جاءت الرواية عن دلائل الإمامة وغيره أن قنفذا هو الذي قام به " . وهو بذلك يريد أن يقول : إن هذه المنقولات متناقضة فتسقط عن الاعتبار .
والجواب :
أولا : إن الشيعة قد اتفقوا على الأول ، ولكنهم لم ينفوا إقدام قنفذ على هذا الأمر أيضا ، فرواية دلائل الإمامة وغيرها مما سيأتي شطر كبير منه تثبت مشاركته في هذا الفعل أيضا ، كما أن المغيرة أيضا قد شارك في ضرب الزهراء حتى أدماها ، كما سيأتي في قسم النصوص والآثار ، فلا مانع من أن يشارك الجميع في أمر كهذا ، ويتسببون في الاسقاط ، فيصح نسبته إليهم جميعا ، وإلى كل واحد منهم أيضا ، لتسببهم به . فهذه النسبة لا تعني أن كل واحد منهم كان علة مستقلة في الاسقاط .
ثانيا : لقد أوضحت النصوص كما سترى : أن الهجوم قد تكرر على بيت فاطمة عليها السلام ، كما أن مبايعات أبي بكر قد تكررت أيضا ( 1 ) ، وقد حصلت إحدى هذه المرات وهي محاولة الإحراق ، فيما
( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 188 . ( * )
كان أبو بكر جالسا على المنبر يبايع له ، ويرى ما يجري ولم ينكر ذلك ، ولم يغيره ، كما ورد في أمالي المفيد رحمه الله ، وحصول هجومات عديدة نجده في العديد من الروايات بصورة صريحة حينا ، وهو مقتضى الجمع بين الروايات ، حيث تلاحظ خصوصيات الأشخاص والتصرفات التي ميزت كل هجوم حينا آخر .
بل بعض الروايات تؤكد : أن أبا بكر نفسه كان يصدر الأوامر بالهجوم ، وقد سبق الهجوم تهديدات بالاحراق ، وجمع للحطب . ثم أضرمت النار بصورة جزئية ، ثم كسر الباب ، وضربت الصديقة الطاهرة ، من أكثر من شخص من المهاجمين ، وسقطت إلى الأرض ، ورفسها ذلك الرجل برجله أيضا . وكل ذلك سيأتي في قسم النصوص الآتي إن شاء الله تعالى . . وبعض روايات إسقاط المحسن صحيحة السند . كما أن بعض الروايات المثبتة للضرب وشبهه أيضا صحيحة . وقد أشار نفس المعترض إلى صحة رواية الطبري في دلائل الإمامة .
والروايات بمجموعها متواترة عن أهل بيت العصمة ، فإذا ضم إليها ما سواها من نصوص فإنها تفوق حد التواتر . مع أن ذكر غير الشيعة لأمر كهذا يعتبر أمرا ملفتا ، بملاحظة أن ذلك الغير يرغب في تبرئة الفاعلين من ذلك كله .
وقد ورد هذا الأمر في كلمات كثير من أعلامهم ، كالجويني ، والكنجي ، والمسعودي ، والنظام ، وأبي جعفر النقيب أستاذ المعتزلي ، وأحمد بن محمد بن السري وغيرهم ممن سنذكر كلماتهم في الفصل المخصص لذلك إن شاء الله تعالى . وصرح بوجود هجومات عديدة ابن حمزة الزيدي ، وهو يجيب على اعتراض بعضهم بوجود تناقض بين الروايات . حيث إن واحدة تقول : إن عليا قعد عن البيعة في بيته ، وفر إليه طلحة والزبير ، ولم يخرجوا من البيت حتى جاء عمر ، وأراد إحراق البيت عليهم .
وأخرى تقول : إن أبا بكر خرج إلى المسجد يصلي ، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد بالصلاة إلى جنبه ، ثم قتله حينما ينطق أبو بكر بالتسليم في صلاته . وثالثة تقول : إنه أتي بعلي ملببا ، فبايع مكرها . فأجابه ابن حمزة بقوله : " إن ذلك كان في أوقات مختلفة ، وليس بين ذلك تناقض ، ولا تدافع ( 1 ) " . وذلك يعني : أن محاولة إحراق البيت قد كانت في وقت وفي هجوم ، مستقل عن الهجوم الذي تم فيه إخراج علي ملببا للبيعة . .
( 1 ) الشافي لابن حمزة : ج 4 ص 202 . ( * )
تعليق