بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
خبر المسمار
قد جاء في كتاب منسوب إلى شبل الدولة مقاتل بن عطية ، عرف باسم : " مؤتمر علماء بغداد " الفقرة التالية : " . . . ولما جاءت فاطمة خلف الباب ، لترد عمر وحزبه ، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة ، حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها ، وصاحت فاطمة : يا أبتاه ، يا رسول الله . . . ( 1 ) " .
وقال الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس الله سره :
ولست أدري خبر المسمار * سل صدرها خزانة الأسرار
ونحن لا نستطيع تأكيد أو نفي هذا الأمر ، رغم أننا نناقش في نسبة كتاب مؤتمر علماء بغداد إلى شبل الدولة ، ونحتمل أنه كتاب وضعه بعض من تأخر عنه ولكن ذلك لا يعني : أن ما ورد فيه من معلومات تاريخية أو غيرها غير صحيح أيضا .
( 1 ) مؤتمر علماء بغداد : ص 135 . ( * )
إذن ، فقد يكون مؤلف هذا الكتاب قد أستقي معلوماته من مصادر لم تصل إلينا ، ومناقشتنا في صحة نسبته إلى من ينسب إليه ، لا تعني أن جميع ما ورد فيه أيضا محل مناقشة وريب ، ففيه كثير من المعلومات الصحيحة ، التي تؤيدها الروايات الثابتة والصحيحة بصورة قطعية ، فلا بد من تمييز الغث من السمين ، والصحيح من غيره وفق معايير البحث العلمي وأصوله . .
ونحن نذكر هنا ما نستند إليه في شكنا في نسبة هذا الكتاب ، فنقول . . كتاب مؤتمر علماء بغداد في الميزان : وقد ذكر مؤلف كتاب مؤتمر علماء بغداد : أن كتابه ، أو كتيبه هذا هو خلاصة مناظرة دينية ، يقول : إنها جرت بين عشرة من كبار علماء السنة ، وكبار علماء الشيعة في بغداد بدعوة من السلطان ملك شاه السلجوقي ، ووزيره نظام الملك ، وحضورهما ، ومشاركتهما .
وقد ظهر في هذه المحاورة : التي دامت ثلاثة أيام أن مذهب التشيع هو الحق ، فتشيع السلطان ملك شاه ، وأعلن وزيره نظام الملك تشيعه أيضا ، ولحق بهما عدد من القواد ، وأركان الدولة .
ويطرح هنا سؤال هو : هل هذه المناظرة ، واقعية أم افتراضية ؟ ! وهو ينتظر الجواب الصحيح والصريح . وإذا جاز لنا أن ندلي بدلونا هنا ، فإننا نقول : إن ما نميل إليه هو الخيار الثاني . أي أنها قضية افتراضية .
ونستند في حكمنا هذا إلى عدة أمور ، وإن لم يمكن اعتبار كل واحد منها بمفرده دليلا قاطعا ، ولكنها بمجموعها تمنحنا الجرأة على
تسجيل استبعادنا هذا ، الذي يرقى إلى درجة الاطمئنان بكونها قضية افتراضية ، قد أراد مؤلفها أن ينتصر لمذهب بعينه ، ويصوغ الأدلة المذهبية المستندة إلى وقائع تاريخية مشهورة في كتب المسلمين ، وروايات يعترف بصحتها وبصحة الاستناد إليها المتخاصمون - يصوغها بطريقة مثيرة ، وملفتة ، تثير اهتمام القارئ ، وتأخذ بمشاعره .
والأمور التي نستند إليها في رأينا هذا هي التالية : الأسلوب التعبيري : إن أول ما يلفت نظر القارئ لذلك الكتاب " أو الكتيب " هو أسلوبه التعبيري ، حيث إن كثيرا من الموارد قد استعملت فيها تعابير لم تكن متداولة في تلك الفترة من الزمن .
ونحن نذكر هنا جملة منها مع الإشارة إلى رقم صفحة الكتاب المطبوع في سنة 1415 ه . ق . 1994 م . دار الإرشاد الإسلامي ، بيروت - لبنان . تحقيق وتعليق الشيخ محمد جميل حمود .
فنقول : كلمة " مؤتمر " التي وردت في عنوان الكتاب ، وفي ص 17 و 25 و 26 و 28 و 37 . " لم يكن رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كان شابا منفتحا " ص 17 . " ألفت فيها كتب وموسوعات " ص 25 . " ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات " ص 26 ، وراجع
ص 32 و 34 . " وأن يكون طلب الحق هو رائد الجميع " ص 37 . " إن الذين يسبون لهم منطقهم " ص 46 . " هذا العمل اللا إنساني " ص 96 . " إن بعض رواة السوء ، وبائعي الضمائر " ص 98 . " واعتبر إيمانه إيمانا مثاليا " ص 101 . " يتصورهم أناسا طيبين مؤمنين " ص 111 . " مزق السيد العلوي ستار الصمت " ص 109 . " ولكن المؤهلات في علي بن أبي طالب كانت قليلة " ص 116 . وثمة مورد آخر في نفس الصفحة أيضا . "
الواقع : إن مؤهلات الخلافة والإمامة كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 وراجع ص 117 . " وأقضي غالب أوقاتي بالصيد ، والشؤون الإدارية " ص 153 . " وأخذوا يحيكون المؤامرات ضد الملك ، ونظام الملك ، وحملوه تبعة هذا الأمر ، إذ كان هو العقل المدبر للبلاد ، حتى امتدت إليه يد أثيمة " ص 154 و 155 . " وكان لها نتائج سلبية " ، " وأعطت نتائج سلبية معكوسة " ص 127 . " أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية
الطائشة ، وللوقاية من الفسق والميوعة ؟ ! أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش ، واللواط ، والعادة السرية " ص 124 . ركاكة التعابير : وقد تضمن الكتاب أيضا طائفة من التعابير التي تظهر عليها الركاكة ، والضعف ، وذلك مثل قوله : " رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 . " وكان يحب أهل البيت حبا جما كثيرا " ص 17 . "
ثانيا : رواتها وأسنادها غير صحيحة " ص 76 . " استهزأ به بعض الحاضرين ، وغمزه " ص 18 . " كان صغير العمر ، بينما كان أبو بكر كبير العمر " . ص 113 . " قد كنت أنا حاضر المجلس والمحاورة " ص 156 . " دين التشيع حق لا مراء له " ص 156 . أخطاء نحوية : ووردت في الكتاب أيضا أخطاء نحوية عديدة ، كالموارد التالية : " وإنما انتخبه ثلاثة أو اثنين " ص 61 مع أن الصحيح : اثنان .
" إن الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين " ص 93 . والصحيح : العاديون . " حتى يأتي بعض الناس الجهال ، فيختاروا الأصلح " ص 115 ، والصحيح : فيختارون . " وكان يحضر مجلسه أربعة آلاف تلميذا " ، ص 151 ، والصحيح : تلميذ . " إلى غيرها من بدعكم أنتم أيها السنة التابعين لعمر " ص 149 ، والصحيح : التابعون .
ولتلاحظ الفقرات التالية : " وأمره - أي أمر أبو بكر خالدا - أن يقتل مالك وقومه " ص 131 . " ووزعت واردها الكثير ، ( مئة وعشرون ألف دينار ذهب ، على قول بعض التواريخ في الناس " ص 145 . " علما بأن فدك لو بقيت " . " غصبا فدك " . " غصبا ملكها فدك " . " ورد فدك على أولاد فاطمة " ص 144 و 145 .
تصحيح خطأ : ووقع فيه سهو آخر في آية قرآنية كريمة ، حيث قال : * ( إنا هديناه النجدين ) * ص 89 . والصحيح : وهديناه النجدين . بالإضافة إلى كلمة " وأخذوا يحيكون المؤامرات " والصحيح :
يحوكون . ملك شاه : الجاهل المحب للعلم : وقد وصف ملك شاه السلجوقي بأنه " كان شابا ، منفتحا ، محبا للعلم والعلماء " ص 17 .
مع أن هذا المحب للعلم والعلماء ، لم ينتفع من حبه هذا ، حيث إنه - كما يظهره الكتاب الذي هو مورد البحث - من أجهل الناس حتى بأبسط الأمور ، وبأبده البديهيات الإسلامية والتاريخية ، وكأنه قد عاش في جزيرة ثم دخل بلاد الإسلام لتوه .
حتى أنه لا يعرف بوجود طائفة اسمها الشيعة ، هي نصف المسلمين الذين يحكمهم ، ص 25 و 26 ، بل هو لا يعرف حتى معنى كلمة شيعي ، فضلا عما سوى ذلك من قضايا تاريخية وغيرها .
ولا ندري لماذا أهمل أبوه السلطان ألب ارسلان تأديبه وإعداده للمنصب الذي سيتصدى له ؟
ولماذا لم يحشد له من العلماء والمتخصصين ، أفضلهم ، وأعلمهم ، وأبعدهم صيتا ، وأكثرهم خبرة ؟ . مع أن الملوك والخلفاء كانوا يهتمون بتأديب وتعليم أولادهم ، ولا سيما الذين يرشحونهم لخلافتهم في المناصب لإدارة شؤون البلاد والعباد .
رعونة وطيش : وقد ذكر أيضا : أن ملك شاه السلجوقي يكاد يتخذ قرارا بقتل الشيعة جميعا ، إن لم يقبلوا بالتمذهب بمذهب أهل السنة ، رغم أن وزيره كان قد أخبره بأنهم " يشكلون نصف المسلمين تقريبا " ص 25 . ( * )
ولكن وزيره أخبره بأن قتل نصف المسلمين غير ممكن ، ص 27 . وليس ثمة من رعونة وطيش أعظم من هذا ، فكيف يذكرون عنه ما يدل على الاستقامة والعدل ، وعلى الحنكة والعقل ؟ اغتيال الملك ووزيره وقد ذكر هذا الكتاب : أن نظام الملك قد اغتيل بإيعاز من أهل السنة ، ثم اغتالوا ملك شاه السلجوقي بعد ذلك أيضا . والمذكور في التاريخ : أن قتل نظام الملك كان على يد غلام ديلمي من الباطنية . وذكر ابن الأثير قصة تشير إلى أن الذي دبر قتله هو ملكشاه نفسه . أما ملكشاه ، فيذكرون أنه مرض ومات ( 1 ) .
الملك لا يثق إلا بوزيره : ورغم أن المجتمعين قد كانوا كبار علماء أهل السنة في بغداد ، لكننا نجد : أن هذا الملك لا يزال يستفهم وزيره عن كل شئ ، وهذا الوزير بدوره قد دأب على الإجابة بقوله : هكذا ذكر المفسرون ، أو المؤرخون ، أو الرواة ، أو نحو ذلك . فلماذا لا يثق بكبار علماء الإسلام ، ولا يقبل منهم ما ينقلونه ويتداولونه ؟
( 1 ) راجع ذلك في : الكامل في التاريخ : ج 10 ص 204 - 205 وص 210 . ( * )
من هم المجتمعون ؟ ! والذي زاد في تحيرنا : أنه رغم أن بغداد كانت تعج بالعلماء المعروفين في تلك الفترة ، سواء من الشيعة ، أو من أهل السنة ، فإن هذا الكتاب لم يذكر لنا اسم أي من هؤلاء العلماء العشرين المشاركين في المناظرة الذين وصفهم بأنهم كبار العلماء في بغداد من الفريقين .
نعم ، وردت أربعة أسماء ادعى المؤلف أنها أسماء علماء هي : الحسين بن علي ، الملقب بالعلوي . أحمد عثمان . السيد جمال الدين . الشيخ حسن القاسمي . ولم نستطع أن نحصل على أي معلومات عن أصحاب هذه الأسماء ، وعن درجاتهم العلمية ، وعن دورهم وأثرهم في البلاد والعباد .
فكيف غاب مشاهير علماء بغداد من سنة وشيعة عن هذه المناظرة الحساسة والمصيرية ، أو فقل : كيف لم يعلن أسماء أي من هؤلاء المشاهير .
مفارقة أخرى لا مبرر لها :
وقد ذكر الكتاب : أن الوزير نظام الملك ، وكذلك العباسي ، الذي كان يناظر عن أهل السنة ، وكذلك العلماء الذين كانوا معه ، قد سكتوا ، وأحجموا عن الإجابة على سؤال حول سعي طلحة والزبير في قتل عثمان . وعلق المؤلف على ذلك بقوله : " ماذا يقولون ؟ ! أيقولون الحق ؟ !
وهل الشيطان يسمح بالاعتراف بالحق ؟ ! وهل ترضى النفس الأمارة بالسوء أن تخضع للحق والواقع ؟ ! أتظن أن الاعتراف بالحق أم سهل وبسيط ؟ ! . كلا ، إنه صعب جدا ، لأنه يستدعي سحق العصبية الجاهلية ، ومخالفة الهوى ، والناس أتباع الهوى وبالباطل ، إلا المؤمنين ، وقليل ما هم ؟ ! " ص 109 .
ونقول : إننا ندعو القارئ الكريم للتأمل فيما يلي :
أ : إن المؤلف نفسه قد وصف نظام الملك في أول الكتاب بقوله : " كان رجلا حكيما فاضلا ، زاهدا ، عازفا في الدنيا ، قوي الإرادة ، يحب الخير وأهله ، يتحرى الحقيقة دائما " ص 17 .
ب : إن الوزير نظام الملك كان قد أجاب على جميع الأسئلة التقريرية للملك ، مع أن الكثير منها كان أشد إحراجا له من هذا السؤال العادي جدا ، حيث إن بعضها يتعلق بالخليفتين الأولين أبي بكر ، وعمر بالذات .
ج : إن نظام الملك قد عاد واعترف للملك بصحة استدلال العلوي ، فلما سأله عن سبب سكوته في بادئ الأمر ، قال : " لأني أكره أن أطعن في أصحاب رسول الله ( ص ) " ص 11 . مع أنه هو نفسه قد أجاب بالايجاب حين طعن العلوي في إيمان عمر ( رض ) . وعمر عنده قد كان أعظم بكثير من طلحة ، ومن عثمان أيضا ، فراجع ص 100 .
خلافة أم إمامة ؟
ونلاحظ : أن هذا العلوي قد خلط في حديثه عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، بين مفهومي الإمامة والخلافة ، وهو يتحدث عن الخلافة بطريقة الحديث عن الإمامة ، فراجع ما ذكره ص 111 حينما قال : " لم يتخذهم كل المسلمين خلفاء ، وإنما أهل السنة فقط " .
فإن هذه العبارة تعني : إن الحديث عن الإمامة لا عن الخلافة ، لأن خلافتهم وحكومتهم إنما هي حدث تاريخي لا يمكن إنكاره من شيعي أو سني . ولكن الكلام والجدل إنما هو في أن هذه الحكومة هل هي مشروعة أم لا ؟ كما أن الكلام إنما هو في إمامة علي ( ع ) ، التي تكون الحكومة أحد مظاهرها ، فغصب الحكومة إنما هو تعد على الإمام في بعض شؤون إمامته . تناقضات لا مبرر لها : ونجده يقع أحيانا في تناقضات لا مبرر لها ، وقد حصل له ذلك في موردين :
الأول : نفاق الذين انتخبوا عثمان : فنجده في حين يصف الذين تحيزوا إلى عثمان في الشورى ، وبايعوه . بالمنافقين . راجع ص 106 . يعود في الصفحة نفسها ليذكر ما يشير إلى عدم كونهم من المنافقين ، بل هم من الأتقياء المؤمنين ، فيقول : إنهم " عدلوا عن عثمان
عندما رأوا طغيانه ، وهتكه لأصحاب رسول الله ، ومشورته في أمور المسلمين مع كعب الأحبار ، وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان ، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان " .
ويقصد بهؤلاء الثلاثة : طلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد كنا نود أن نراه يضيف إلى الأسباب التي ذكرها : أنهم لم يجدوا عند عثمان ما كانوا أملوه من إشراكهم في الأمر ، حيث آثر أقاربه بكل شئ دونهم . والكل يعلم : أن طلحة قد حارب عليا أيضا بسبب أنه لم يستجب لمطالبه التي تغذي طموحاته ، ولسعد بن أبي وقاص ، موقف من علي بسبب ذلك أيضا .
الثاني : من الذين انتخبوا عثمان : وفي حين نجده يقول : " إن عثمان لم يأت إلى الحكم إلا بوصية من عمر ، وانتخاب ثلاثة من المنافقين فقط وفقط ، وهم : طلحة : وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف " ص 106 . فإننا نجده يشكك في هؤلاء الثلاثة ويقول : " إنما انتخبه ثلاثة ، أو اثنين ( كذا ) منهم " ص 61 . مع العلم بأن عمر لم يوص بالخلافة إلى عثمان كما زعم . كما أن قوله : إنه جاء بوصية من عمر ، وبانتخاب ثلاثة غير منسجم ولا متوازن . إلا أن يكون مراده : أن عمر قد ركب الشورى بحيث يصبح انتخاب عثمان حتميا . فاعتبر ذلك بمثابة وصية بالخلافة له .
موارد تعوزها الدقة التاريخية :
ثم إن هناك العديد من الموارد التي تعوزها الدقة التاريخية ، ونذكر منها :
1 - قوله عن معاوية : أنه كان يسب عليا أمير المؤمنين ( ع ) ، " إلى أربعين سنة ، وقد امتد سب الإمام إلى سبعين سنة " ص 48 . ونقول : أما بالنسبة للنقطة الأولى ، فنقول : إن معاوية قد أعلن بسب علي ( عليه السلام ) حوالي 23 سنة . وهو يقل عن العدد الذي ذكره بـ 17 سنة . وأما بالنسبة للنقطة الثانية ، فقد امتد سبهم لعلي ( ع ) أكثر من ثمانين سنة ، فراجع كتب التاريخ .
2 - قال : " أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل لم يكونوا في عصر النبي ( ص ) بل جاؤا بعده بمائتي سنة تقريبا سنة تقريبا " ص 150 . مع أن أبا حنيفة قد ولد سنة 80 للهجرة ، ومات سنة 150 ه . أما مالك فولد سنة 93 ومات سنة 170 ه . والشافعي ولد سنة 150 ومات سنة 204 ه . وأحمد بن حنبل ولد سنة 164 ومات سنة 233 ه .
3 - وذكر " أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول الله . ولكن العلماء يأخذون بأحاديثه الكاذبة " ص 82 .
ومن المعلوم : أن سياسة الخليفة الثاني كانت تقضي بمنع نقل الحديث عن رسول الله ( ص ) . وقد ضرب أبا هريرة لأجل ذلك ، فإنه أكثر من نقل الحديث كما صرح به نفسه ، لا لأجل كذبه على رسول الله ( ص ) كما زعم المستدل .
4 - جمع القرآن : وقد جاء في هذا الكتاب ما يلي : " قال العلوي : بل من بدعكم أنتم السنة أنكم لا تعترفون بالقرآن . والدليل على ذلك أنكم تقولون : إن القرآن جمعه عثمان ، فهل كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان ؟ ! " ص 48 .
ثم يستمر في كلامه الذي يهدف من خلاله إلى إبطال جمع عثمان للقرآن ، وإثبات أنه قد جمع في عهد رسول الله ( ص ) .
ونقول :
أ - إن من الواضح : إن حديث جمع عثمان للقرآن ، لا يعني عدم الاعتراف بالقرآن . فالاستدلال بالأول على الثاني في غير محله .
ب : إن عثمان لم يجمع القرآن ، وإنما جمع الناس على قراءة واحدة ، وذلك حينما عبر له حذيفة بن اليمان عن تخوفه من اختلاف قراءات الناس . وقد أيده أمير المؤمنين علي ( ع ) في ذلك ، أي في جمع الناس على قراءة واحدة ، وقال - حسبما روي - لو وليت لفعلت مثلما فعل ( 1 ) .
ولعل هذا المستدل يقصد : أن القرآن قد جمع على عهد رسول
( 1 ) راجع كتابنا : حقائق هامة حول القرآن الكريم . ( * )
الله ( ص ) ، ولكن الخليفتين الأول والثاني قد رفضا مصحف رسول الله ( ص ) ، لأنه كان يتضمن التنزيل ، والتأويل وأسباب النزول والتفسير . وغير ذلك مما كان من شأنه أن يحرج الكثيرين ممن لا يرضى الحكام بإحراجهم ، ولا بإشاعة حقائق ترتبط بهم . وجمعوا هم آيات القرآن في مصحف واحد ، بعد أن أسقطوا التفسير والتأويل وأسباب النزول منه ، كما هو معلوم .
طريقة الاستدلال أحيانا :
وإن معظم الاستدلالات الواردة في الكتاب . وإن كانت جيدة وصحيحة . ولكن ثمة موارد في الكتاب لم يكن الاستدلال فيها صالحا . رغم أنه قد كان بالامكان أن تكون هي الأخرى على درجة عالية من القوة والصحة ، لو استبدلت بعناصر تجعلها أكثر دقة ، وأبعد أثرا .
والموارد التي لاحظناها هي التالية :
1 - السب واللعن : قد حصل خلط في الكتاب بين السب واللعن ، حيث ادعى الكتاب جواز سب الصحابي المنحرف ، ولكنه استدل بما يثبت جواز اللعن لا السب ، فراجع ص 47 و 48 .
ومن الواضح : أن عليا ( ع ) قد نهى في صفين أصحابه عن سب معاوية وأصحابه ، وطلب منهم بدلا من سبهم أن يصفوا أعمالهم .
كما أن الإمام الصادق ( ع ) قد أمر أصحابه بأن ينزهوه عن السب ، ولا يكونوا قوما سبابين ، ليقال : رحم الله جعفرا قد أدب أصحابه فأحسن تأديبهم . أما اللعن الذي معناه الدعاء على الشخص بأن يبعده الله عن رحمته ، فهو شأن آخر ، وقد لعن الله سبحانه في كتابه الكريم فئات كثيرة .
كما أنه سبحانه قد أظهر الرضى عن لعن المؤمنين لبعض الفئات ، حين قال : * ( أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) * . ولعل سبب ذلك هو أن اللعن يستبطن إعلان البراءة والإدانة للانحراف الذي اختاروه ، ولكل سلوك عدواني ، أو عمل إجرامي اقترفوه . ولا يستهدف الانتقاص الشخصي منهم ، كما هو الحال بالنسبة للسب .
2 - شك النبي في نبوته : وذكر أيضا : " إن السنة يقولون : إن رسول الله كان شاكا في نبوته " . واستدل على ذلك بما رووه عن النبي ( ص ) : أنه قال : " ما أبطأ علي جبرائيل مرة إلا وظننته أنه نزل على ابن الخطاب " ص 91.
وقد كان بإمكان المستدل أن يضيف إلى ما ذكره الآية القرآنية الدالة على أنه ( ص ) خاتم النبيين ، والحديث الصريح بأنه ( ص ) لا نبي بعده . ليتم الاستدلال بذلك . إذ بدون ذلك قد يجاب عنه بأنه لا مانع من اجتماع نبيين في آن واحد ، مثل موسى وهارون ( ع ) ، وغيرهما من الأنبياء .
3 - أهل السنة وتحريف القرآن : ويقول : " أما السنة فيقولون : إن القرآن زيد فيه ونقص عنه " ص 51 و 52 ، وراجع ص 92 . وقال : " بل المشهور عندكم أيها السنة : إنكم تقولون بتحريف القرآن . قال العباسي : هذا كذب صريح . قال العلوي : ألم ترووا في كتبكم : أنها نزلت على رسول الله آيات حول الغرانيق ، ثم نسخت تلك الآيات ، وحذفت من القرآن " ص 72 وراجع ص 76 .
ونسجل هنا :
أ : لقد أجمعت الأمة على عدم الزيادة في القرآن الكريم .
ب : إن نسبة القول بالزيادة والنقيصة إلى أهل السنة أو إلى المشهور فيهم بعنوان كونهم طائفة ، ليس دقيقا أيضا . ولو أنه قال لهم : إن هناك روايات رواها أهل السنة في صحاحهم الستة وكتبهم المعتبرة ، لو التزم أهل السنة بمضمونها لانتهوا إلى القول بالتحريف الذي دلت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدمه لكان صحيحا ومتينا جدا .
ج : إن الرواية التي تتحدث عن مدح الغرانيق ، التي هي الأصنام قد ردها وفندها كثير من علماء السنة . وإن كان يظهر من البخاري أنه لا يأبى عن قبولها .
د : إن الحديث الغرانيق ليس فيه أن عبارة : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " . آية قرآنية ، وليس فيه ولا في غيره : أن هناك من يدعي : أنها كانت في القرآن ثم نسخت ! ! وحذفت منه ! ! . بل تدعي تلك الرواية المكذوبة : إن الشيطان هو الذي ألقى تلك العبارة على لسان النبي ( ص ) . ثم جاءه جبرائيل فأطلعه على حقيقة الحال .
4 - عبس وتولى : وقال عن آية : عبس وتولى : " الأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبي ، الذي نزل القرآن في بيوتهم تقول : إنها نزلت في عثمان بن عفان " . ص 97 . وهو كلام غير دقيق ، فإن الرواية إنما ذكرها القمي في تفسيره ، وذكرها الطبرسي في مجمع البيان ، فلا يوجد أحاديث ( بصيغة الجمع ) ، بل إن رواية الطبرسي عن الإمام الصادق ( ع ) لم تصرح باسم عثمان ، بل قالت : نزلت في رجل من بني أمية .
كما أن وصف هذه الرواية بالصحة الظاهر بالصحة من حيث السند ، قد يعد تساهلا في التعبير . مع التذكير بأن عدم توفر سند يتصف بالصحة بالمصطلح المعروف لا يعني : أن مضمون الرواية باطل ومكذوب . ومهما يكن من أمر ، فقد حقق هذا الموضوع الأخ العلامة الشيخ رضوان شرارة في كتاب مستقل بعنوان : " عبس وتولى في من نزلت " فليراجع .
5 - إيمان الخلفاء الثلاثة : وزعم الكتاب : أن " الشيعة يعتقدون أنهم - أي الثلاثة - كانوا غير مؤمنين قلبا وباطنا ، وإن أظهروا الإسلام لسانا وظاهرا " . ثم فرع على إسلامهم الظاهري صحة " مصاهرة النبي لهم ، ومصاهرتهم للنبي " ص 98 و 99 .
ولنا على هذا الأمر عدة مؤاخذات ، نذكر منها :
أ : إن هذا الاعتقاد لم يسجله الشيعة - كطائفة - في كتبهم الاعتقادية ، ولا وقفوا عنده في تكوين البنية العقيدية ، وبلورة مفرداتها .
ب : إن مصاهرة النبي لهم إنما تستند إلى إيمان بناتهم ، ولا ربط لها بإيمان ولا حتى بإسلام والد البنت ، إذ لا ضير في زواج المسلم بل وحتى النبي ( ص ) بابنة غير المسلم ، فكيف بمن يظهر الإسلام والإيمان ؟ ! ج : أما بالنسبة لمصاهرة عثمان للنبي ( ص ) ، فلم تثبت ، لأننا قد أثبتنا أن عثمان إنما تزوج ربيبتي النبي ، ولم يتزوج بنتيه ( 1 ) .
6 - خيانة أبي بكر كيف تثبت : وقد استدل في الكتاب على خيانة أبي بكر للنبي ( ص )
أولا : بقوله تعالى : * ( لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) * .
ثانيا : بلعن النبي ( ص ) من تخلف عن جيش أسامة ، وأبو بكر
( 1 ) راجع كتابنا : بنات النبي أم ربائبه . ( * )
ممن تخلف ، راجع ص 99 . وهو استدلال غير موفق ، لأن الآية المباركة لا ربط لها بخيانتهم للنبي ( ص ) . نعم هي تدل على عدم إيمان من لا يرضى بحكم النبي ( ص ) ، إلا إذا كانوا يظهرون القبول ، ثم إذا خلوا إلى أنفسهم غمزوا في حكمه ( ص ) . كما أن لعن النبي للمتخلف لا يدل على خيانة المتخلف . بل يدل على عصيانه ومخالفته لأمر النبي ( ص ) .
ويدل أيضا على عدم إيمان من يلعنه النبي ( ص ) . وقد يكون مقصود المستدل : أنهم حين رفضوا حكم النبي ، وعصوا أمره ، لم يفعلوا ذلك بصورة علنية بل بصورة خيانية فيها التفاف وتملص واحتيال ، وإظهار خلاف الواقع ، ظهر منه أن ما يظهرونه من إيمان وطاعة وحرص عليه في مرضه لم يكن على حقيقته .
7 - شك عمر في النبوة : واستدل على أن أن عمر كان شاكا دائما في نبوة النبي بقول عمر في الحديبية : " ما شككت في نبوة محمد مثل شكي يوم الحديبية " ص 100 .
ونقول : إن قول عمر هذا لا يدل على أنه كان شاكا دائما في نبوة نبينا ( ص ) ، وإنما يدل على أنه كان يشك كثيرا في النبوة ، وأن ذلك قد حصل له مرارا عديدة ، لكن شكه في الحديبية كان أشدها وأعمقها .
8 - لا تجتمع أمتي على خطأ ، وقتل عثمان : إنه استدل بقول النبي ( ص ) : " لا تجتمع أمتي على خطأ " على صحة قتل الناس عثمان بن عفان . وجعل ذلك دليلا على عدم إيمانه ص 103 .
وغني عن البيان : إن الإجماع على قتل من ارتكب جريمة يستحق لأجلها القتل ، لا يعني الإجماع على سلب صفة الإيمان عنه ، لأن الإيمان شئ ، وارتكاب الجرائم الموجبة للقتل شئ آخر ، قد يجتمعان ، وقد يختلفان . والحديث الشريف إنما يدل على استحقاقه للعقوبة ، ولا يدل على إجماعهم على عدم إيمانه . وعدم إيمانه إنما يثبت بدلائل أخرى ، لا بد من تلمسها ، والتأمل فيها . هذا كله بالإضافة إلى أن عليا ، وكثيرا ممن كانوا معه لم يشاركوا في قتله . وذلك معروف ومشهور . وإن كان قتله لم يسر عليا ولم يسؤه كما روي عنه ( ع ) .
9 - حديث العشرة المبشرة : وقد حكم العلوي ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة ، واستدل على ذلك بعدة أدلة : منها : إن طلحة قد آذى النبي ( ص ) حين ذكر أنه سينكح زوجته من بعده ، فنزل قوله تعالى : * ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ) * الأحزاب 53 .
ومنها : إن طلحة والزبير قد سعيا في قتل عثمان ، وقد قال رسول الله ( ص ) القاتل والمقتول في النار ، ص 107 .
ونقول : إننا وإن كنا نؤيد ما ذكره من نزول الآية في طلحة ، وإيذائه للنبي ( ص ) ، وندفع ما يدعيه البعض من أن طلحة قد تاب بعد ذلك ، وعمل صالحا ، ثم جاء حديث بشارة العشرة ، فبشره بالجنة . ندفعه بأن إثبات توبة طلحة دونه خرط القتاد .
كما أن بشارته بالجنة تصطدم بخروجه على إمام زمانه علي : ( ع ) ، بعد ذلك والخارج على إمام زمانه في النار .
كما أنها تصطدم بنكثه بيعة أمير المؤمنين ( ع ) . نعم ، إننا وإن كنا نؤيد ذلك ، ولكننا نقول : إن الاستدلال بحديث القاتل والمقتول في النار ، لا يصح في كل مورد ، فلا يصح في مورد خروج طلحة على إمام زمانه المنصوص على إمامته من رسول الله ( ص ) .
وأما خروجه على عثمان ، فقد يدعى أنه مبرر ، من حيث أن خلافة عثمان جاءت مستندة إلى صحة خلافة عمر ، وخلافة عمر مستندة في صحتها إلى خلافة أبي بكر ، وهي غير شرعية ، لأنها جاءت إبطالا للتدبير الإلهي الحاسم ، الذي قرر إمامة وخلافة علي دون سواه ، فخروجه على عثمان ، بعد أن أحدث ، له حكم ، وخروجه على علي المنصوص على إمامته وخلافته له حكم آخر .
10 - المتعة لأجل الحصول على المال : ونستغرب كثيرا قوله في الكتاب : أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهن اليتامى " ص 124 . فإن هذا الكلام قد يوهم أن تشريع المتعة إنما هو لتكون سببا في الحصول على المال والمتاجرة بالأعراض ، وهذا أمر غير معقول ولا مقبول . فإن المهر في المتعة كالمهر في الزواج الدائم . وللمتعة أهدافها النبيلة ومبرراتها الموضوعية ، كما للزواج الدائم . حيث إنه يتضمن حلا شرعيا وصحيا لمعضلات يواجهها هذا الإنسان . فراجع كتابنا : " الزواج المؤقت في الإسلام " .
11 - أقيلوني فلست بخيركم : ثم إننا نجده يقول : " إنه ( ع ) كان مستغنيا عن غيره ، وغيره كان محتاجا إليه . ألم يقل أبو بكر : أقيلوني فلست بخير فيكم ، وعلي فيكم " ص 119 .
والذي يلفت نظرنا هنا :
أولا : إن النص المتداول والمعروف هو قوله : أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، وهي تفيد معنى يختلف عن قوله : لست بخير فيكم .
ثانيا : إن قول أبي بكر : أقيلوني الخ . . لا ربط له بالاستغناء والحاجة إلى علي ( ع ) . فإن أعلم العلماء قد لا يكون هو خير الناس ، لأن الخيرية ، أمر ، الاستغناء والحاجة أمر آخر . . . .
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
خبر المسمار
قد جاء في كتاب منسوب إلى شبل الدولة مقاتل بن عطية ، عرف باسم : " مؤتمر علماء بغداد " الفقرة التالية : " . . . ولما جاءت فاطمة خلف الباب ، لترد عمر وحزبه ، عصر عمر فاطمة بين الحائط والباب عصرة شديدة ، حتى أسقطت جنينها ونبت مسمار الباب في صدرها ، وصاحت فاطمة : يا أبتاه ، يا رسول الله . . . ( 1 ) " .
وقال الفيلسوف المحقق آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس الله سره :
ولست أدري خبر المسمار * سل صدرها خزانة الأسرار
ونحن لا نستطيع تأكيد أو نفي هذا الأمر ، رغم أننا نناقش في نسبة كتاب مؤتمر علماء بغداد إلى شبل الدولة ، ونحتمل أنه كتاب وضعه بعض من تأخر عنه ولكن ذلك لا يعني : أن ما ورد فيه من معلومات تاريخية أو غيرها غير صحيح أيضا .
( 1 ) مؤتمر علماء بغداد : ص 135 . ( * )
إذن ، فقد يكون مؤلف هذا الكتاب قد أستقي معلوماته من مصادر لم تصل إلينا ، ومناقشتنا في صحة نسبته إلى من ينسب إليه ، لا تعني أن جميع ما ورد فيه أيضا محل مناقشة وريب ، ففيه كثير من المعلومات الصحيحة ، التي تؤيدها الروايات الثابتة والصحيحة بصورة قطعية ، فلا بد من تمييز الغث من السمين ، والصحيح من غيره وفق معايير البحث العلمي وأصوله . .
ونحن نذكر هنا ما نستند إليه في شكنا في نسبة هذا الكتاب ، فنقول . . كتاب مؤتمر علماء بغداد في الميزان : وقد ذكر مؤلف كتاب مؤتمر علماء بغداد : أن كتابه ، أو كتيبه هذا هو خلاصة مناظرة دينية ، يقول : إنها جرت بين عشرة من كبار علماء السنة ، وكبار علماء الشيعة في بغداد بدعوة من السلطان ملك شاه السلجوقي ، ووزيره نظام الملك ، وحضورهما ، ومشاركتهما .
وقد ظهر في هذه المحاورة : التي دامت ثلاثة أيام أن مذهب التشيع هو الحق ، فتشيع السلطان ملك شاه ، وأعلن وزيره نظام الملك تشيعه أيضا ، ولحق بهما عدد من القواد ، وأركان الدولة .
ويطرح هنا سؤال هو : هل هذه المناظرة ، واقعية أم افتراضية ؟ ! وهو ينتظر الجواب الصحيح والصريح . وإذا جاز لنا أن ندلي بدلونا هنا ، فإننا نقول : إن ما نميل إليه هو الخيار الثاني . أي أنها قضية افتراضية .
ونستند في حكمنا هذا إلى عدة أمور ، وإن لم يمكن اعتبار كل واحد منها بمفرده دليلا قاطعا ، ولكنها بمجموعها تمنحنا الجرأة على
تسجيل استبعادنا هذا ، الذي يرقى إلى درجة الاطمئنان بكونها قضية افتراضية ، قد أراد مؤلفها أن ينتصر لمذهب بعينه ، ويصوغ الأدلة المذهبية المستندة إلى وقائع تاريخية مشهورة في كتب المسلمين ، وروايات يعترف بصحتها وبصحة الاستناد إليها المتخاصمون - يصوغها بطريقة مثيرة ، وملفتة ، تثير اهتمام القارئ ، وتأخذ بمشاعره .
والأمور التي نستند إليها في رأينا هذا هي التالية : الأسلوب التعبيري : إن أول ما يلفت نظر القارئ لذلك الكتاب " أو الكتيب " هو أسلوبه التعبيري ، حيث إن كثيرا من الموارد قد استعملت فيها تعابير لم تكن متداولة في تلك الفترة من الزمن .
ونحن نذكر هنا جملة منها مع الإشارة إلى رقم صفحة الكتاب المطبوع في سنة 1415 ه . ق . 1994 م . دار الإرشاد الإسلامي ، بيروت - لبنان . تحقيق وتعليق الشيخ محمد جميل حمود .
فنقول : كلمة " مؤتمر " التي وردت في عنوان الكتاب ، وفي ص 17 و 25 و 26 و 28 و 37 . " لم يكن رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كان شابا منفتحا " ص 17 . " ألفت فيها كتب وموسوعات " ص 25 . " ونرى نحن من خلال المحادثات والمناقشات " ص 26 ، وراجع
ص 32 و 34 . " وأن يكون طلب الحق هو رائد الجميع " ص 37 . " إن الذين يسبون لهم منطقهم " ص 46 . " هذا العمل اللا إنساني " ص 96 . " إن بعض رواة السوء ، وبائعي الضمائر " ص 98 . " واعتبر إيمانه إيمانا مثاليا " ص 101 . " يتصورهم أناسا طيبين مؤمنين " ص 111 . " مزق السيد العلوي ستار الصمت " ص 109 . " ولكن المؤهلات في علي بن أبي طالب كانت قليلة " ص 116 . وثمة مورد آخر في نفس الصفحة أيضا . "
الواقع : إن مؤهلات الخلافة والإمامة كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 وراجع ص 117 . " وأقضي غالب أوقاتي بالصيد ، والشؤون الإدارية " ص 153 . " وأخذوا يحيكون المؤامرات ضد الملك ، ونظام الملك ، وحملوه تبعة هذا الأمر ، إذ كان هو العقل المدبر للبلاد ، حتى امتدت إليه يد أثيمة " ص 154 و 155 . " وكان لها نتائج سلبية " ، " وأعطت نتائج سلبية معكوسة " ص 127 . " أليست المتعة هي الحل الوحيد لهم للخلاص من القوة الجنسية
الطائشة ، وللوقاية من الفسق والميوعة ؟ ! أليست المتعة أفضل من الزنا الفاحش ، واللواط ، والعادة السرية " ص 124 . ركاكة التعابير : وقد تضمن الكتاب أيضا طائفة من التعابير التي تظهر عليها الركاكة ، والضعف ، وذلك مثل قوله : " رجلا متعصبا أعمى " ص 17 . " كانت متوفرة كاملا في علي " ص 116 . " وكان يحب أهل البيت حبا جما كثيرا " ص 17 . "
ثانيا : رواتها وأسنادها غير صحيحة " ص 76 . " استهزأ به بعض الحاضرين ، وغمزه " ص 18 . " كان صغير العمر ، بينما كان أبو بكر كبير العمر " . ص 113 . " قد كنت أنا حاضر المجلس والمحاورة " ص 156 . " دين التشيع حق لا مراء له " ص 156 . أخطاء نحوية : ووردت في الكتاب أيضا أخطاء نحوية عديدة ، كالموارد التالية : " وإنما انتخبه ثلاثة أو اثنين " ص 61 مع أن الصحيح : اثنان .
" إن الرسول يفعل ما لا يفعله حتى الناس العاديين " ص 93 . والصحيح : العاديون . " حتى يأتي بعض الناس الجهال ، فيختاروا الأصلح " ص 115 ، والصحيح : فيختارون . " وكان يحضر مجلسه أربعة آلاف تلميذا " ، ص 151 ، والصحيح : تلميذ . " إلى غيرها من بدعكم أنتم أيها السنة التابعين لعمر " ص 149 ، والصحيح : التابعون .
ولتلاحظ الفقرات التالية : " وأمره - أي أمر أبو بكر خالدا - أن يقتل مالك وقومه " ص 131 . " ووزعت واردها الكثير ، ( مئة وعشرون ألف دينار ذهب ، على قول بعض التواريخ في الناس " ص 145 . " علما بأن فدك لو بقيت " . " غصبا فدك " . " غصبا ملكها فدك " . " ورد فدك على أولاد فاطمة " ص 144 و 145 .
تصحيح خطأ : ووقع فيه سهو آخر في آية قرآنية كريمة ، حيث قال : * ( إنا هديناه النجدين ) * ص 89 . والصحيح : وهديناه النجدين . بالإضافة إلى كلمة " وأخذوا يحيكون المؤامرات " والصحيح :
يحوكون . ملك شاه : الجاهل المحب للعلم : وقد وصف ملك شاه السلجوقي بأنه " كان شابا ، منفتحا ، محبا للعلم والعلماء " ص 17 .
مع أن هذا المحب للعلم والعلماء ، لم ينتفع من حبه هذا ، حيث إنه - كما يظهره الكتاب الذي هو مورد البحث - من أجهل الناس حتى بأبسط الأمور ، وبأبده البديهيات الإسلامية والتاريخية ، وكأنه قد عاش في جزيرة ثم دخل بلاد الإسلام لتوه .
حتى أنه لا يعرف بوجود طائفة اسمها الشيعة ، هي نصف المسلمين الذين يحكمهم ، ص 25 و 26 ، بل هو لا يعرف حتى معنى كلمة شيعي ، فضلا عما سوى ذلك من قضايا تاريخية وغيرها .
ولا ندري لماذا أهمل أبوه السلطان ألب ارسلان تأديبه وإعداده للمنصب الذي سيتصدى له ؟
ولماذا لم يحشد له من العلماء والمتخصصين ، أفضلهم ، وأعلمهم ، وأبعدهم صيتا ، وأكثرهم خبرة ؟ . مع أن الملوك والخلفاء كانوا يهتمون بتأديب وتعليم أولادهم ، ولا سيما الذين يرشحونهم لخلافتهم في المناصب لإدارة شؤون البلاد والعباد .
رعونة وطيش : وقد ذكر أيضا : أن ملك شاه السلجوقي يكاد يتخذ قرارا بقتل الشيعة جميعا ، إن لم يقبلوا بالتمذهب بمذهب أهل السنة ، رغم أن وزيره كان قد أخبره بأنهم " يشكلون نصف المسلمين تقريبا " ص 25 . ( * )
ولكن وزيره أخبره بأن قتل نصف المسلمين غير ممكن ، ص 27 . وليس ثمة من رعونة وطيش أعظم من هذا ، فكيف يذكرون عنه ما يدل على الاستقامة والعدل ، وعلى الحنكة والعقل ؟ اغتيال الملك ووزيره وقد ذكر هذا الكتاب : أن نظام الملك قد اغتيل بإيعاز من أهل السنة ، ثم اغتالوا ملك شاه السلجوقي بعد ذلك أيضا . والمذكور في التاريخ : أن قتل نظام الملك كان على يد غلام ديلمي من الباطنية . وذكر ابن الأثير قصة تشير إلى أن الذي دبر قتله هو ملكشاه نفسه . أما ملكشاه ، فيذكرون أنه مرض ومات ( 1 ) .
الملك لا يثق إلا بوزيره : ورغم أن المجتمعين قد كانوا كبار علماء أهل السنة في بغداد ، لكننا نجد : أن هذا الملك لا يزال يستفهم وزيره عن كل شئ ، وهذا الوزير بدوره قد دأب على الإجابة بقوله : هكذا ذكر المفسرون ، أو المؤرخون ، أو الرواة ، أو نحو ذلك . فلماذا لا يثق بكبار علماء الإسلام ، ولا يقبل منهم ما ينقلونه ويتداولونه ؟
( 1 ) راجع ذلك في : الكامل في التاريخ : ج 10 ص 204 - 205 وص 210 . ( * )
من هم المجتمعون ؟ ! والذي زاد في تحيرنا : أنه رغم أن بغداد كانت تعج بالعلماء المعروفين في تلك الفترة ، سواء من الشيعة ، أو من أهل السنة ، فإن هذا الكتاب لم يذكر لنا اسم أي من هؤلاء العلماء العشرين المشاركين في المناظرة الذين وصفهم بأنهم كبار العلماء في بغداد من الفريقين .
نعم ، وردت أربعة أسماء ادعى المؤلف أنها أسماء علماء هي : الحسين بن علي ، الملقب بالعلوي . أحمد عثمان . السيد جمال الدين . الشيخ حسن القاسمي . ولم نستطع أن نحصل على أي معلومات عن أصحاب هذه الأسماء ، وعن درجاتهم العلمية ، وعن دورهم وأثرهم في البلاد والعباد .
فكيف غاب مشاهير علماء بغداد من سنة وشيعة عن هذه المناظرة الحساسة والمصيرية ، أو فقل : كيف لم يعلن أسماء أي من هؤلاء المشاهير .
مفارقة أخرى لا مبرر لها :
وقد ذكر الكتاب : أن الوزير نظام الملك ، وكذلك العباسي ، الذي كان يناظر عن أهل السنة ، وكذلك العلماء الذين كانوا معه ، قد سكتوا ، وأحجموا عن الإجابة على سؤال حول سعي طلحة والزبير في قتل عثمان . وعلق المؤلف على ذلك بقوله : " ماذا يقولون ؟ ! أيقولون الحق ؟ !
وهل الشيطان يسمح بالاعتراف بالحق ؟ ! وهل ترضى النفس الأمارة بالسوء أن تخضع للحق والواقع ؟ ! أتظن أن الاعتراف بالحق أم سهل وبسيط ؟ ! . كلا ، إنه صعب جدا ، لأنه يستدعي سحق العصبية الجاهلية ، ومخالفة الهوى ، والناس أتباع الهوى وبالباطل ، إلا المؤمنين ، وقليل ما هم ؟ ! " ص 109 .
ونقول : إننا ندعو القارئ الكريم للتأمل فيما يلي :
أ : إن المؤلف نفسه قد وصف نظام الملك في أول الكتاب بقوله : " كان رجلا حكيما فاضلا ، زاهدا ، عازفا في الدنيا ، قوي الإرادة ، يحب الخير وأهله ، يتحرى الحقيقة دائما " ص 17 .
ب : إن الوزير نظام الملك كان قد أجاب على جميع الأسئلة التقريرية للملك ، مع أن الكثير منها كان أشد إحراجا له من هذا السؤال العادي جدا ، حيث إن بعضها يتعلق بالخليفتين الأولين أبي بكر ، وعمر بالذات .
ج : إن نظام الملك قد عاد واعترف للملك بصحة استدلال العلوي ، فلما سأله عن سبب سكوته في بادئ الأمر ، قال : " لأني أكره أن أطعن في أصحاب رسول الله ( ص ) " ص 11 . مع أنه هو نفسه قد أجاب بالايجاب حين طعن العلوي في إيمان عمر ( رض ) . وعمر عنده قد كان أعظم بكثير من طلحة ، ومن عثمان أيضا ، فراجع ص 100 .
خلافة أم إمامة ؟
ونلاحظ : أن هذا العلوي قد خلط في حديثه عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، بين مفهومي الإمامة والخلافة ، وهو يتحدث عن الخلافة بطريقة الحديث عن الإمامة ، فراجع ما ذكره ص 111 حينما قال : " لم يتخذهم كل المسلمين خلفاء ، وإنما أهل السنة فقط " .
فإن هذه العبارة تعني : إن الحديث عن الإمامة لا عن الخلافة ، لأن خلافتهم وحكومتهم إنما هي حدث تاريخي لا يمكن إنكاره من شيعي أو سني . ولكن الكلام والجدل إنما هو في أن هذه الحكومة هل هي مشروعة أم لا ؟ كما أن الكلام إنما هو في إمامة علي ( ع ) ، التي تكون الحكومة أحد مظاهرها ، فغصب الحكومة إنما هو تعد على الإمام في بعض شؤون إمامته . تناقضات لا مبرر لها : ونجده يقع أحيانا في تناقضات لا مبرر لها ، وقد حصل له ذلك في موردين :
الأول : نفاق الذين انتخبوا عثمان : فنجده في حين يصف الذين تحيزوا إلى عثمان في الشورى ، وبايعوه . بالمنافقين . راجع ص 106 . يعود في الصفحة نفسها ليذكر ما يشير إلى عدم كونهم من المنافقين ، بل هم من الأتقياء المؤمنين ، فيقول : إنهم " عدلوا عن عثمان
عندما رأوا طغيانه ، وهتكه لأصحاب رسول الله ، ومشورته في أمور المسلمين مع كعب الأحبار ، وتوزيعه أموال المسلمين بين بني مروان ، فبدأ هؤلاء الثلاثة بتحريض الناس على قتل عثمان " .
ويقصد بهؤلاء الثلاثة : طلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وقد كنا نود أن نراه يضيف إلى الأسباب التي ذكرها : أنهم لم يجدوا عند عثمان ما كانوا أملوه من إشراكهم في الأمر ، حيث آثر أقاربه بكل شئ دونهم . والكل يعلم : أن طلحة قد حارب عليا أيضا بسبب أنه لم يستجب لمطالبه التي تغذي طموحاته ، ولسعد بن أبي وقاص ، موقف من علي بسبب ذلك أيضا .
الثاني : من الذين انتخبوا عثمان : وفي حين نجده يقول : " إن عثمان لم يأت إلى الحكم إلا بوصية من عمر ، وانتخاب ثلاثة من المنافقين فقط وفقط ، وهم : طلحة : وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف " ص 106 . فإننا نجده يشكك في هؤلاء الثلاثة ويقول : " إنما انتخبه ثلاثة ، أو اثنين ( كذا ) منهم " ص 61 . مع العلم بأن عمر لم يوص بالخلافة إلى عثمان كما زعم . كما أن قوله : إنه جاء بوصية من عمر ، وبانتخاب ثلاثة غير منسجم ولا متوازن . إلا أن يكون مراده : أن عمر قد ركب الشورى بحيث يصبح انتخاب عثمان حتميا . فاعتبر ذلك بمثابة وصية بالخلافة له .
موارد تعوزها الدقة التاريخية :
ثم إن هناك العديد من الموارد التي تعوزها الدقة التاريخية ، ونذكر منها :
1 - قوله عن معاوية : أنه كان يسب عليا أمير المؤمنين ( ع ) ، " إلى أربعين سنة ، وقد امتد سب الإمام إلى سبعين سنة " ص 48 . ونقول : أما بالنسبة للنقطة الأولى ، فنقول : إن معاوية قد أعلن بسب علي ( عليه السلام ) حوالي 23 سنة . وهو يقل عن العدد الذي ذكره بـ 17 سنة . وأما بالنسبة للنقطة الثانية ، فقد امتد سبهم لعلي ( ع ) أكثر من ثمانين سنة ، فراجع كتب التاريخ .
2 - قال : " أبو حنيفة ، ومالك بن أنس ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل لم يكونوا في عصر النبي ( ص ) بل جاؤا بعده بمائتي سنة تقريبا سنة تقريبا " ص 150 . مع أن أبا حنيفة قد ولد سنة 80 للهجرة ، ومات سنة 150 ه . أما مالك فولد سنة 93 ومات سنة 170 ه . والشافعي ولد سنة 150 ومات سنة 204 ه . وأحمد بن حنبل ولد سنة 164 ومات سنة 233 ه .
3 - وذكر " أن عمر منع أبا هريرة عن نقل الحديث لكذبه على رسول الله . ولكن العلماء يأخذون بأحاديثه الكاذبة " ص 82 .
ومن المعلوم : أن سياسة الخليفة الثاني كانت تقضي بمنع نقل الحديث عن رسول الله ( ص ) . وقد ضرب أبا هريرة لأجل ذلك ، فإنه أكثر من نقل الحديث كما صرح به نفسه ، لا لأجل كذبه على رسول الله ( ص ) كما زعم المستدل .
4 - جمع القرآن : وقد جاء في هذا الكتاب ما يلي : " قال العلوي : بل من بدعكم أنتم السنة أنكم لا تعترفون بالقرآن . والدليل على ذلك أنكم تقولون : إن القرآن جمعه عثمان ، فهل كان الرسول جاهلا بما عمله عثمان ؟ ! " ص 48 .
ثم يستمر في كلامه الذي يهدف من خلاله إلى إبطال جمع عثمان للقرآن ، وإثبات أنه قد جمع في عهد رسول الله ( ص ) .
ونقول :
أ - إن من الواضح : إن حديث جمع عثمان للقرآن ، لا يعني عدم الاعتراف بالقرآن . فالاستدلال بالأول على الثاني في غير محله .
ب : إن عثمان لم يجمع القرآن ، وإنما جمع الناس على قراءة واحدة ، وذلك حينما عبر له حذيفة بن اليمان عن تخوفه من اختلاف قراءات الناس . وقد أيده أمير المؤمنين علي ( ع ) في ذلك ، أي في جمع الناس على قراءة واحدة ، وقال - حسبما روي - لو وليت لفعلت مثلما فعل ( 1 ) .
ولعل هذا المستدل يقصد : أن القرآن قد جمع على عهد رسول
( 1 ) راجع كتابنا : حقائق هامة حول القرآن الكريم . ( * )
الله ( ص ) ، ولكن الخليفتين الأول والثاني قد رفضا مصحف رسول الله ( ص ) ، لأنه كان يتضمن التنزيل ، والتأويل وأسباب النزول والتفسير . وغير ذلك مما كان من شأنه أن يحرج الكثيرين ممن لا يرضى الحكام بإحراجهم ، ولا بإشاعة حقائق ترتبط بهم . وجمعوا هم آيات القرآن في مصحف واحد ، بعد أن أسقطوا التفسير والتأويل وأسباب النزول منه ، كما هو معلوم .
طريقة الاستدلال أحيانا :
وإن معظم الاستدلالات الواردة في الكتاب . وإن كانت جيدة وصحيحة . ولكن ثمة موارد في الكتاب لم يكن الاستدلال فيها صالحا . رغم أنه قد كان بالامكان أن تكون هي الأخرى على درجة عالية من القوة والصحة ، لو استبدلت بعناصر تجعلها أكثر دقة ، وأبعد أثرا .
والموارد التي لاحظناها هي التالية :
1 - السب واللعن : قد حصل خلط في الكتاب بين السب واللعن ، حيث ادعى الكتاب جواز سب الصحابي المنحرف ، ولكنه استدل بما يثبت جواز اللعن لا السب ، فراجع ص 47 و 48 .
ومن الواضح : أن عليا ( ع ) قد نهى في صفين أصحابه عن سب معاوية وأصحابه ، وطلب منهم بدلا من سبهم أن يصفوا أعمالهم .
كما أن الإمام الصادق ( ع ) قد أمر أصحابه بأن ينزهوه عن السب ، ولا يكونوا قوما سبابين ، ليقال : رحم الله جعفرا قد أدب أصحابه فأحسن تأديبهم . أما اللعن الذي معناه الدعاء على الشخص بأن يبعده الله عن رحمته ، فهو شأن آخر ، وقد لعن الله سبحانه في كتابه الكريم فئات كثيرة .
كما أنه سبحانه قد أظهر الرضى عن لعن المؤمنين لبعض الفئات ، حين قال : * ( أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) * . ولعل سبب ذلك هو أن اللعن يستبطن إعلان البراءة والإدانة للانحراف الذي اختاروه ، ولكل سلوك عدواني ، أو عمل إجرامي اقترفوه . ولا يستهدف الانتقاص الشخصي منهم ، كما هو الحال بالنسبة للسب .
2 - شك النبي في نبوته : وذكر أيضا : " إن السنة يقولون : إن رسول الله كان شاكا في نبوته " . واستدل على ذلك بما رووه عن النبي ( ص ) : أنه قال : " ما أبطأ علي جبرائيل مرة إلا وظننته أنه نزل على ابن الخطاب " ص 91.
وقد كان بإمكان المستدل أن يضيف إلى ما ذكره الآية القرآنية الدالة على أنه ( ص ) خاتم النبيين ، والحديث الصريح بأنه ( ص ) لا نبي بعده . ليتم الاستدلال بذلك . إذ بدون ذلك قد يجاب عنه بأنه لا مانع من اجتماع نبيين في آن واحد ، مثل موسى وهارون ( ع ) ، وغيرهما من الأنبياء .
3 - أهل السنة وتحريف القرآن : ويقول : " أما السنة فيقولون : إن القرآن زيد فيه ونقص عنه " ص 51 و 52 ، وراجع ص 92 . وقال : " بل المشهور عندكم أيها السنة : إنكم تقولون بتحريف القرآن . قال العباسي : هذا كذب صريح . قال العلوي : ألم ترووا في كتبكم : أنها نزلت على رسول الله آيات حول الغرانيق ، ثم نسخت تلك الآيات ، وحذفت من القرآن " ص 72 وراجع ص 76 .
ونسجل هنا :
أ : لقد أجمعت الأمة على عدم الزيادة في القرآن الكريم .
ب : إن نسبة القول بالزيادة والنقيصة إلى أهل السنة أو إلى المشهور فيهم بعنوان كونهم طائفة ، ليس دقيقا أيضا . ولو أنه قال لهم : إن هناك روايات رواها أهل السنة في صحاحهم الستة وكتبهم المعتبرة ، لو التزم أهل السنة بمضمونها لانتهوا إلى القول بالتحريف الذي دلت الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على عدمه لكان صحيحا ومتينا جدا .
ج : إن الرواية التي تتحدث عن مدح الغرانيق ، التي هي الأصنام قد ردها وفندها كثير من علماء السنة . وإن كان يظهر من البخاري أنه لا يأبى عن قبولها .
د : إن الحديث الغرانيق ليس فيه أن عبارة : " تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى " . آية قرآنية ، وليس فيه ولا في غيره : أن هناك من يدعي : أنها كانت في القرآن ثم نسخت ! ! وحذفت منه ! ! . بل تدعي تلك الرواية المكذوبة : إن الشيطان هو الذي ألقى تلك العبارة على لسان النبي ( ص ) . ثم جاءه جبرائيل فأطلعه على حقيقة الحال .
4 - عبس وتولى : وقال عن آية : عبس وتولى : " الأحاديث الصحيحة الواردة عن أهل بيت النبي ، الذي نزل القرآن في بيوتهم تقول : إنها نزلت في عثمان بن عفان " . ص 97 . وهو كلام غير دقيق ، فإن الرواية إنما ذكرها القمي في تفسيره ، وذكرها الطبرسي في مجمع البيان ، فلا يوجد أحاديث ( بصيغة الجمع ) ، بل إن رواية الطبرسي عن الإمام الصادق ( ع ) لم تصرح باسم عثمان ، بل قالت : نزلت في رجل من بني أمية .
كما أن وصف هذه الرواية بالصحة الظاهر بالصحة من حيث السند ، قد يعد تساهلا في التعبير . مع التذكير بأن عدم توفر سند يتصف بالصحة بالمصطلح المعروف لا يعني : أن مضمون الرواية باطل ومكذوب . ومهما يكن من أمر ، فقد حقق هذا الموضوع الأخ العلامة الشيخ رضوان شرارة في كتاب مستقل بعنوان : " عبس وتولى في من نزلت " فليراجع .
5 - إيمان الخلفاء الثلاثة : وزعم الكتاب : أن " الشيعة يعتقدون أنهم - أي الثلاثة - كانوا غير مؤمنين قلبا وباطنا ، وإن أظهروا الإسلام لسانا وظاهرا " . ثم فرع على إسلامهم الظاهري صحة " مصاهرة النبي لهم ، ومصاهرتهم للنبي " ص 98 و 99 .
ولنا على هذا الأمر عدة مؤاخذات ، نذكر منها :
أ : إن هذا الاعتقاد لم يسجله الشيعة - كطائفة - في كتبهم الاعتقادية ، ولا وقفوا عنده في تكوين البنية العقيدية ، وبلورة مفرداتها .
ب : إن مصاهرة النبي لهم إنما تستند إلى إيمان بناتهم ، ولا ربط لها بإيمان ولا حتى بإسلام والد البنت ، إذ لا ضير في زواج المسلم بل وحتى النبي ( ص ) بابنة غير المسلم ، فكيف بمن يظهر الإسلام والإيمان ؟ ! ج : أما بالنسبة لمصاهرة عثمان للنبي ( ص ) ، فلم تثبت ، لأننا قد أثبتنا أن عثمان إنما تزوج ربيبتي النبي ، ولم يتزوج بنتيه ( 1 ) .
6 - خيانة أبي بكر كيف تثبت : وقد استدل في الكتاب على خيانة أبي بكر للنبي ( ص )
أولا : بقوله تعالى : * ( لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) * .
ثانيا : بلعن النبي ( ص ) من تخلف عن جيش أسامة ، وأبو بكر
( 1 ) راجع كتابنا : بنات النبي أم ربائبه . ( * )
ممن تخلف ، راجع ص 99 . وهو استدلال غير موفق ، لأن الآية المباركة لا ربط لها بخيانتهم للنبي ( ص ) . نعم هي تدل على عدم إيمان من لا يرضى بحكم النبي ( ص ) ، إلا إذا كانوا يظهرون القبول ، ثم إذا خلوا إلى أنفسهم غمزوا في حكمه ( ص ) . كما أن لعن النبي للمتخلف لا يدل على خيانة المتخلف . بل يدل على عصيانه ومخالفته لأمر النبي ( ص ) .
ويدل أيضا على عدم إيمان من يلعنه النبي ( ص ) . وقد يكون مقصود المستدل : أنهم حين رفضوا حكم النبي ، وعصوا أمره ، لم يفعلوا ذلك بصورة علنية بل بصورة خيانية فيها التفاف وتملص واحتيال ، وإظهار خلاف الواقع ، ظهر منه أن ما يظهرونه من إيمان وطاعة وحرص عليه في مرضه لم يكن على حقيقته .
7 - شك عمر في النبوة : واستدل على أن أن عمر كان شاكا دائما في نبوة النبي بقول عمر في الحديبية : " ما شككت في نبوة محمد مثل شكي يوم الحديبية " ص 100 .
ونقول : إن قول عمر هذا لا يدل على أنه كان شاكا دائما في نبوة نبينا ( ص ) ، وإنما يدل على أنه كان يشك كثيرا في النبوة ، وأن ذلك قد حصل له مرارا عديدة ، لكن شكه في الحديبية كان أشدها وأعمقها .
8 - لا تجتمع أمتي على خطأ ، وقتل عثمان : إنه استدل بقول النبي ( ص ) : " لا تجتمع أمتي على خطأ " على صحة قتل الناس عثمان بن عفان . وجعل ذلك دليلا على عدم إيمانه ص 103 .
وغني عن البيان : إن الإجماع على قتل من ارتكب جريمة يستحق لأجلها القتل ، لا يعني الإجماع على سلب صفة الإيمان عنه ، لأن الإيمان شئ ، وارتكاب الجرائم الموجبة للقتل شئ آخر ، قد يجتمعان ، وقد يختلفان . والحديث الشريف إنما يدل على استحقاقه للعقوبة ، ولا يدل على إجماعهم على عدم إيمانه . وعدم إيمانه إنما يثبت بدلائل أخرى ، لا بد من تلمسها ، والتأمل فيها . هذا كله بالإضافة إلى أن عليا ، وكثيرا ممن كانوا معه لم يشاركوا في قتله . وذلك معروف ومشهور . وإن كان قتله لم يسر عليا ولم يسؤه كما روي عنه ( ع ) .
9 - حديث العشرة المبشرة : وقد حكم العلوي ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة ، واستدل على ذلك بعدة أدلة : منها : إن طلحة قد آذى النبي ( ص ) حين ذكر أنه سينكح زوجته من بعده ، فنزل قوله تعالى : * ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ) * الأحزاب 53 .
ومنها : إن طلحة والزبير قد سعيا في قتل عثمان ، وقد قال رسول الله ( ص ) القاتل والمقتول في النار ، ص 107 .
ونقول : إننا وإن كنا نؤيد ما ذكره من نزول الآية في طلحة ، وإيذائه للنبي ( ص ) ، وندفع ما يدعيه البعض من أن طلحة قد تاب بعد ذلك ، وعمل صالحا ، ثم جاء حديث بشارة العشرة ، فبشره بالجنة . ندفعه بأن إثبات توبة طلحة دونه خرط القتاد .
كما أن بشارته بالجنة تصطدم بخروجه على إمام زمانه علي : ( ع ) ، بعد ذلك والخارج على إمام زمانه في النار .
كما أنها تصطدم بنكثه بيعة أمير المؤمنين ( ع ) . نعم ، إننا وإن كنا نؤيد ذلك ، ولكننا نقول : إن الاستدلال بحديث القاتل والمقتول في النار ، لا يصح في كل مورد ، فلا يصح في مورد خروج طلحة على إمام زمانه المنصوص على إمامته من رسول الله ( ص ) .
وأما خروجه على عثمان ، فقد يدعى أنه مبرر ، من حيث أن خلافة عثمان جاءت مستندة إلى صحة خلافة عمر ، وخلافة عمر مستندة في صحتها إلى خلافة أبي بكر ، وهي غير شرعية ، لأنها جاءت إبطالا للتدبير الإلهي الحاسم ، الذي قرر إمامة وخلافة علي دون سواه ، فخروجه على عثمان ، بعد أن أحدث ، له حكم ، وخروجه على علي المنصوص على إمامته وخلافته له حكم آخر .
10 - المتعة لأجل الحصول على المال : ونستغرب كثيرا قوله في الكتاب : أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن وأطفالهن اليتامى " ص 124 . فإن هذا الكلام قد يوهم أن تشريع المتعة إنما هو لتكون سببا في الحصول على المال والمتاجرة بالأعراض ، وهذا أمر غير معقول ولا مقبول . فإن المهر في المتعة كالمهر في الزواج الدائم . وللمتعة أهدافها النبيلة ومبرراتها الموضوعية ، كما للزواج الدائم . حيث إنه يتضمن حلا شرعيا وصحيا لمعضلات يواجهها هذا الإنسان . فراجع كتابنا : " الزواج المؤقت في الإسلام " .
11 - أقيلوني فلست بخيركم : ثم إننا نجده يقول : " إنه ( ع ) كان مستغنيا عن غيره ، وغيره كان محتاجا إليه . ألم يقل أبو بكر : أقيلوني فلست بخير فيكم ، وعلي فيكم " ص 119 .
والذي يلفت نظرنا هنا :
أولا : إن النص المتداول والمعروف هو قوله : أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ، وهي تفيد معنى يختلف عن قوله : لست بخير فيكم .
ثانيا : إن قول أبي بكر : أقيلوني الخ . . لا ربط له بالاستغناء والحاجة إلى علي ( ع ) . فإن أعلم العلماء قد لا يكون هو خير الناس ، لأن الخيرية ، أمر ، الاستغناء والحاجة أمر آخر . . . .
تعليق