إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

معطيات الدعاء ووساوس القنوط

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • معطيات الدعاء ووساوس القنوط

    بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد

    جاء عن الإمام زين العابدين: «المؤمن من دعائه على ثلاث: إمّا أن يدّخر له، وإمّا أن يعجل له، وإمّا أن يدفع عنه بلاءً يريد أن يصيبه».

    يُعَدّ توثيق الصلة بين العباد والخالق تعالى مهمة أساس من مهام الأنبياء والقادة الإلهيين. ذلك أنها تعكس حقيقة قائمة، مفادها أنّ الإنسان مخلوق لله، وأمره بيده سبحانه، وهو مرتبط في كل تفاصيل حياته ووجوده بالله، فالتأكيد على هذه الصلة، إنما هو تجلية وإظهار لحقيقة واقعة، مهما غفل الإنسان عنها.

    كما أنّ صلة الإنسان بربه تعبّر عن حاجة نفسية روحية، هو ذاته أحوج ما يكون لها، فهو المحتاج أولًا وأخيرًا للصلة بربّه وخالقه، لما تتقاذفه من أمواج التحدّيات والمشاكل والضغوطات المختلفة. من هنا يحتاج إلى منبع يرجع إليه ويستلهم منه، لكي يكون صامدًا ثابتًا أمام مشاكل الحياة وضغوطاتها، وليس هناك من منبع أهم وأفضل من الاتصال بالله سبحانه وتعالى. وحيثما تعمّقت صلة الإنسان بربه كان أقدر على مواجهة الضغوط والأزمات، لما في ذلك من لجوء واتّكاء على القوة المطلقة القادرة المهيمنة على الكون والحياة، وهذا ما يمنح الإنسان الصمود والثقة والاطمئنان.

    وتمثل الأزمات الشديدة أكثر الأوقات التي يحتاج فيها الإنسان إلى التواصل مع الله سبحانه وتعالى. حيث لا يحتاج الإنسان في الشدائد إلى من يذكره بربه، إذ يكفيه الشعور بالأزمة، وتزايد الضغط والتحدّي، إلى الاندفاع واللجوء ذاتيًا نحو خالقه، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا..﴾، ومضمون الآية الشريفة: أنه عندما تنزل بالإنسان النازلة، فإنه يندفع بذاته للبحث عمّن يلجأ إليه، في سبيل الخروج من تلك النازلة، فلا يجد أقرب إليه من الله سبحانه وتعالى.

    الاتصال بالله وضبط السلوك
    إنّ الاتصال بالله تعالى عامل أساس في ضبط مسيرة الإنسان وسلوكه. فالإنسان عرضة على نحو دائم لسيطرة الشهوات، والاستسلام للرغبات غير المنضبطة، لتأتي حينها الصلة بالخالق تعالى فتبعث في نفسه الجانب المقابل للنزعات الشهوانية، ألا وهو جانب القيم والميول الفطرية الوجدانية الخيرة.

    ويعتبر الدعاء من أبرز وسائل التواصل المباشر مع الله جلت قدرته. إذ يقوم الدعاء، أكثر من أيّ عبادة أخرى، بمهمة تعزيز التواصل بين العبد وربه، لما ينطوي عليه من شعور عميق بحاجته إلى ربه، وادراكه وتسليمه التام بأنّ كافة الأمور بيده سبحانه. من هنا كان الدعاء من أهمّ العبادات، وضمن هذا السياق نفهم ما ورد عن رسول الله حين قال: «الدعاء مخّ العبادة» ، أي إنّ الدعاء يمثل جوهر العبادة، وورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «أحبّ الأعمال في الأرض إلى الله الدعاء» ؛ لأنّ الدعاء يعني في جوهره التعبير عن صميم الحاجة، وإدراك الأهمية للصلة بالخالق تعالى.

    لقد شددت مختلف الشرائع السماوية على الاهتمام بالدعاء. ولطالما ورد الحثّ على توجه الإنسان إلى بارئه بالدعاء في كلّ حين، وعند كلّ شأن من شؤونه، وقد ورد في الحديث القدسي عنه تعالى مخاطبًا أحد الأنبياء: «يا موسى، سلني كلّ ما تحتاج إليه حتى علف شاتك، وملح عجينك»، وذلك في إشارة إلى أهمية التعلق به تعالى في أصغر الأمور وأكبرها، التي لا يتسنّى للإنسان بلوغها إلا بقدرة الله سبحانه ورحمته، حتى وإنْ كان بمقدار استنشاق الهواء!، لذلك لا بُدّ أن يستحضر الإنسان في نفسه هذه الحالة دائمًا وأبدًا.

    زين العابدين وأدعيته الملهمة
    لقد كان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين من القادة الإلهيين، الذين اهتمّوا أشدّ الاهتمام بمسألة الدعاء. وهذا لا ينتقص على أيِّ نحوٍ من اهتمام سائر الأنبياء والأئمة والأولياء بالدعاء، غير أنّ ظروف كلّ نبيّ أو إمام ربما تدفع باتجاه إبراز بُعد مُعيِّن من الأبعاد، وقد برز الدعاء كأحد أبرز الأبعاد في حياة الإمام زين العابدين. لذلك ترك الإمام للأمة بل للبشرية من بعده تراثًا روحيًّا عظيمًا، متمثلًا في الأدعية الرائعة المروية عنه، ومن أبرزها أدعية الصحيفة السجادية.

    وقد احتوت الصحيفة السجادية على أغراض وأبعاد روحية متعددة. فهناك الأدعية التي غرضها التقرب من الله تعالى ونيل رضاه ومغفرته ورحمته، وهناك في الصحيفة من الأدعية التي غرضها تحصيل المكاسب الأخروية، لينال الإنسان المقام الرفيع والنعيم الكبير الذي أعدّه الله تعالى للمتقين في الآخرة. حيث يتوسل الإنسان المؤمن بالدعاء، مدركًا أن ما يتحصل عليه برحمة الله ولطفه، هو أكثر مما يناله ويستحقه عن جدارة واستحقاق لقاء عمله، ذلك أنه مهما عمل العبد يبقى مقصّرًا تجاه خالقه عزّ وجلّ، ولا ينال أعظم جوائزه في الآخرة إلّا برحمة الله وجوده وكرمه.

    كما تنطوي الصحيفة على غرض ثالث من أغراض الدعاء، وهو بُعد السّمو في آفاق الفضائل والمكارم، وذلك ما يبدو جليًّا في العديد من الأدعية، سيّما دعاء مكارم الأخلاق، الذي حوّل القيم الأخلاقية إلى مطالب ينبغي للإنسان السعي إلى تحصيلها، وطلب توفيق الخالق جلّت قدرته لها، الأمر الذي يعزّز دون شك اندفاع المرء باتجاه تلك القيم.

    كما حفلت أغراض الدعاء في الصحيفة السجادية بجانب الاهتمام بالمصلحة العامة. وخاصة تلك المتعلقة بأوضاع الأمة وأحوال البشرية كافة، على غرار الدّعاء لأهل الثغور ومن فقراته: «أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، وَأَسْبغَ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ» وهذه بأجمعها من أغراض المصلحة العامة.

    إلى ذلك ورد في أدعية الصحيفة أيضًا أغراض متعلقة بمعالجة المشاكل الطارئة التي قد تنتاب الإنسان في مختلف مفاصل حياته، من حالات المرض، وقضاء الحاجات، وحلّ المشاكل، وما إلى ذلك من أغراض ينبغي أن يتوجه فيها الإنسان إلى بارئه لتحقيق خير، أو دفع بلاء.

    استعجال إجابة الدعاء
    ليس من العيب أن يلجأ الإنسان إلى خالقه، لسؤاله تعالى تحقيق جميع مطالبه بالمطلق. بل العكس هو الصحيح، حيث يحبّ سبحانه وتعالى عباده الذين يلجأوون إليه في كلّ صغيرة وكبيرة، لما في ذلك من تعزيز العبودية، والخضوع لله تعالى في نفس الإنسان.

    غير أنّ من أشدّ الأمور خطورة، هو إمكانية انسياب وساوس الشيطان لنفس الإنسان، ذلك أنه قد لا يلمس تحقق بعض مطالبه المتعلقة بمصالح عاجلة وآنية، كأن يكون المرء واقعًا تحت ضغط الحاجة الملحّة، أو الكربة الشديدة، أو المرض العضال، ليتجه حينها إلى الإلحاح والمبالغة في الدعاء، مستعجلًا حلّ مشكلته، وتحقيق مطالبه، وفي حال تأخر الإجابة، تحضر في هذه اللحظة تحديدًا وساوس الشيطان، التي ربما بلغت بالإنسان حدّ التشكيك في صدق وتحقق الوعد الإلهي، الوارد في الآية الكريمة: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾، أو الوساوس التي ربما أصيب معها الإنسان باليأس جرّاء تأخر الاستجابة.

    ومما يحضرني في هذا الصدد، قول مريض زرته ذات مرة، وعندما دعوت له الله تعالى بالشفاء العاجل، أعرب صراحة عن يأسه، قائلًا بأنه لا يظنّ أنّ ثمة فرصة للشفاء مع هذا المرض!. وهذا للأسف باب من أبواب اليأس والقنوط من رحمة الله، وما للإنسان وذاك، فهل المرض والشفاء بيده هو حتى يقنط عندما تعجزه الحيلة!، أوليس كلّ ذلك بيد ربّ العالمين؟ ولطالما رأى الناس من حالات الشفاء من الأمراض المهلكة، لدى من شارفوا على الموت، مما لا يُعَدّ ولا يحصى، وذلك عندما اقتضت حكمة الله أن يظهر قدرته أمام عباده. فلا مفرّ من المصائب، إلّا أنّ الله تعالى برحمته يستنقذ الإنسان منها، وهذا مما لم يعد يخفى على الناس.

    لقد اتّجه الإمام زين العابدين إلى قطع الطريق على وساوس الشيطان التي قد تنتاب الداعين لله سبحانه. فقد ورد عنه أنه قال: «المؤمن من دعائه على ثلاث، إمّا أن يُدّخر له، وإمّا أن يُعجّل له، وإمّا أن يدفع عنه بلاء يريد أن يصيبه» ، وبذلك يقرّر الإمام أن الدعاء سيعود على الإنسان بالمكاسب في جميع الحالات، ومهما كان شكل النتيجة التي يجنيها الإنسان من وراء ذلك. فبحسب الإمام أن الدعاء على ثلاثة أوجه:

    أولاها إنْ لم تظهر الاستجابة لدعاء الإنسان عاجلًا، فهو مدّخر له، أي إنّه سبحانه يدّخر لعباده من الإجابة ما هو خير لهم من ذلك، وبذلك يكون الدعاء هنا أشبه ما يكون بالرصيد المحفوظ للإنسان عند الله تعالى، إنْ على صعيد الحاجات الدنيوية أم العوائد الأخروية. لأنّ الله وحده أعلم بمختلف جوانب المصلحة والمنفعة في حياة العباد، وبيده تعالى أن يحقق هذا أو ويدّخر ذاك.

    والوجه الآخر، هو أن يعجل الخالق سبحانه الإجابة، فيحقق للعبد مراده ويستجيب لطلبه. أما الوجه الثالث، فقد تقتضي الحكمة الإلهية ألّا يحقق الخالق تعالى مراد العبد عاجلًا، إلا أنّه في مقابل ذلك قد يدفع عنه البلاء الذي يوشك أن يحيق به.





  • #2
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X