بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾[1].
يقول السيد عبد الأعلى السبزواري(ره) في تفسير الآية: (أي: اذكر نعمة أخرى لبني إسرائيل وهي من أهم النّعم، المعنوية والظاهرية، الفردية والنوعية وهي نزول التوراة كتاب يفرق بين الحقّ والباطل، فيه تفصيل كل شيء، وسبب للاهتداء الى الحق المبين والصراط المستقيم، كما قال تعالى: ﴿وَكتبنا لَهُ فِي الألواح مِنْ كُلِّ شيء مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شيء فخذها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بأحسنها سَأُرِيكُمْ دٰارَ الفاسقين﴾[2]، فقد حصل من الميعاد أمران: أحدهما خير الأمور، وهو من الله تعالى، والثاني شر الأمور وهو عبادة العجل وكان من الشيطان، لقانون مقابلة كل حق بباطل حسب ما اقتضته المقادير الإلهية في الأمور النوعية، بل الشخصية أيضا. والفرقان هو ما يفرق بين الحق والباطل. وهذا وصف لكل كتاب سماوي، وشريعة إلهية، قال تعالى: ﴿وأَنْزَلَ التوراة واَلْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنّٰاسِ وأَنْزَلَ اَلْفُرْقانَ﴾.[3] ويمكن أن يكون المراد بالفرقان المعنى الوصفي الشامل للجميع لا خصوص المعنى العلمي للقرآن.
كما يمكن أن يراد من الفرقان هنا المعنى الجامع لكل ما يفرق بين الحق والباطل من التوراة، وفرق البحر، وسائر الآيات والمعجزات التي فرق بها بين الحق والباطل. وكلمة (لعل) إذا استعملت في كلامه تعالى تكون بداعي محبته تعالى لمدخولها ورضائه واشفاقه بالنسبة إليه، لا بمعنى الترجي الحقيقي لاستحالته بالنسبة إليه عزّ وجل، إذ كيف يتصور فيه ذلك وهو عالم الغيب والشهادة من جميع الخصوصيات مما هو موجود وما مضى وما هو آت، فكل شيء حاضر لديه، وعن جمع من المفسرين أنها بمعنى «كي» التعليلية.
وفي هذه الآيات المباركة تعجيب منهم فإنّه مع ظهور الآيات الكثيرة لبني إسرائيل، ليتدبروا فيها، ويعتبروا منها، ويعملوا بما أمرهم الله تعالى به، لكنهم قابلوا تلك بالكفران، ونقض ما أمرهم الله تعالى فكفروا برسالة خاتم النبيين. ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أمر مركوز في أنفسهم وهو انهم كانوا يتوقعون أن يكون خاتم النبيين من بني إسرائيل، لتتم لهم الحركة الدينية ابتداؤها وانتهاؤها لكن جعلها الله تعالى في بني إسماعيل فحصلت المعاداة الفطرية بينهم. ففي هذه الآيات إشارة إلى بعدهم أيضا عن مقام الشكر والاهتداء، لإفراطهم في اللجاجة والعصيان).[4]
وإنزال الكتاب على موسى من أعظم النعم على بني إسرائيل، كما أن إنزال أيّ كتاب إلى أيّ أمة هو أعظم نعمة عليها، لأنه القانون الإلهي الذي يضع البرنامج العملي لهذا الإنسان.
إن الكتاب الإلهي هو الذي يأخذ بيد الإنسان إلى طريق الحق ويوصله إلى مرضاة الله، وهذا الكتاب هو الذي يعيّن للمكلف تكليفه بعد ارتحال الرسول الذي أنزل عليه، خصوصا إذا لم تلعب به يد التحريف والتزييف.
وإن التوراة والإنجيل كتابان إلهيان يؤمن بهما المسلم كما أنزلا على قلب موسى وعيسى، ولكنه على علم الآن من أن الأيدي الآثمة قد تلاعبت بأحكامهما وحرّفت آياتهما، وقد نص القرآن على ذلك وقوله الحق وكلامه الصدق ﴿يُحَرِّفُونَ اَلْكَلِمَ عَنْ مَوٰاضِعِهِ﴾.[5]
وأما القرآن العزيز فهو الوثيقة الإلهية الوحيدة التي لم يطرأ عليها تحريف أو تزييف، بل بقيت على طهرها ونقائها، ونقلت إلينا كما نزلت وحافظ عليها المسلمون وداوموا على قراءتها، ليبقى الكتاب كما تلقاه المسلمون عن النبي صلى اللّه عليه وآله دون زيادة أو نقيصة.
فالمراد بالفرقان هو التوراة، فيكون للتوراة صفتان: إنه كتاب منزل وأنه فرقان يفرق بين الحق والباطل.
وقال بعضهم أن المراد بالفرقان هو: الأحكام الفاصلة بين الحلال والحرام والكفر والإيمان، وبعبارة أخرى بيان أصول الدين وفروعه التي يميّز بها المؤمن من الكافر.
وقال بعضهم: ﴿يَوْمَ اَلْفُرْقانِ﴾ هو يوم النصر وهو يوم بدر.
وقال بعضهم: الفرقان هو ما أعطاه الله لموسى من اليد البيضاء والعصى وانفلاق البحر وغيرها من الآيات.
[1] سورة البقرة، الآية: 53.
[2] سورة الأعراف، الآية: 145.
[3] سورة آل عمران، الآية: 3.
[4] مواهب الرحمن في تفسير القرآن، ج 1، ص 263.
[5] سورة المائدة، الآية:13.
تعليق