بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿إِذۡ قُلۡتُمۡ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ألله جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّـاعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ﴾[1].
حوار لجوج حدث بين نبي الله موسى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) وبين قومه، وفيه العجب لكل لبيب.
فقالوا لن نصدّقك ونعترف بنبوّتك وبأن الله تعالى أرسلك حَتّٰى نَرَى الله جَهْرَةً ننظر إليه عيانا وعلنا، لنسأله عما تدّعيه من أنك نبيّ وصاحب كتاب وشريعة منزلة من عند الله! وجهرة: مصدر منصوب على أنه حال من المفعول المطلق - رؤية جهرة - أو من نرى الله: ويقال جهر بصوته في القراءة: رفعه وعرّضه للسّماع، وهنا استعيرت للمعاينة. فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ذلك أنهم سألوا أمرا عظيما عنده سبحانه إذ طلبوا رؤيته مع أن المرئيّ ينبغي أن يكون مواجها وأن يكون جسما وهذا محال بحقه تعالى. وقد صدرت الآية عن تعنيف لهم على طلبهم فأخذتهم الصاعقة السماوية بغتة لخطورة ما رغبوا فيه، فأحرقتهم بلا مهلة حريق استئصال. أو أنها كانت صيحة عذاب، أو قصف رعد مهلك، فماتوا في الحال التي هم عليها وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم. فما أحرى المسلمين بأن ينظروا إلى تعنّت اليهود وعنادهم حيث يرون العذاب ينزل عليهم ونبيّهم فيهم، ثم لا يتوبون ولا يرعوون لقساوة قلوبهم التي طبع عليها بالكفر بل لا يتوسّلون بنبيّهم لرفع العذاب! في حين أنّ الله تعالى كرّم المسلمين تكرمة لسيّد المرسلين إذ قال عزّ من قائل: وما كنت معذّبهم وأنت فيهم!
وقد ورد عَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) - فِي كَلاَمِهِ لاِبْنِ اَلْكَوَّاءِ - قَالَ لَهُ: «اِسْأَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ». فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّ أُنَاساً مِنْ أَصْحَابِكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُرَدُّونَ بَعْدَ اَلْمَوْتِ؟ فَقَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): «نَعَمْ، تَكَلَّمْ بِمَا سَمِعْتَ، ولاَ تَزِدْ فِي اَلْكَلاَمِ، فَمَا قُلْتَ لَهُمْ». قَالَ: قُلْتُ: لاَ أُؤْمِنُ بشيء مِمَّا قُلْتُمْ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ اَللهِ عَلَيْهِ): «وَيْلَكَ، إِنَّ اَللهَ عَزَّ وجَلَّ اِبْتَلَى قَوْماً بِمَا كَانَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، فَأَمَاتَهُمْ قَبْلَ آجَالِهِمُ اَلَّتِي سُمِّيَتْ لَهُمْ، ثُمَّ رَدَّهُمْ إِلَى اَلدُّنْيَا لِيَسْتَوْفُوا رِزْقَهُمْ، ثُمَّ أَمَاتَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ». قَالَ: فَكَبُرَ عَلَى اِبْنِ اَلْكَوَّاءِ وَلَمْ يَهْتَدِ لَهُ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ: «وَيْلَكَ تَعْلَمُ أَنَّ اَللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي كِتَابِهِ: واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقٰاتِنٰا فَانْطَلَقَ بِهِمْ لِيَشْهَدُوا لَهُ إِذَا رَجَعُوا عِنْدَ اَلْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ رَبِّي قَدْ كَلَّمَنِي، فَلَوْ أَنَّهُمْ سَلَّمُوا ذَلِكَ لَهُ وَ صَدَّقُوهُ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا لِمُوسَى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى الله جَهْرَةً قَالَ اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ يَعْنِي اَلْمَوْتَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ* ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فَتَرَى - يَا اِبْنَ اَلْكَوَّاءِ - أَنَّ هَؤُلاَءِ رَجَعُوا إِلَى مَنَازِلِهِمْ بَعْدَ مَا مَاتُوا؟». فَقَالَ اِبْنُ اَلْكَوَّاءِ: ومَا ذَلِكَ، ثُمَّ أَمَاتَهُمْ مَكَانَهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ): «لاَ، وَيْلَكَ! أَ ولَيْسَ قَدْ أَخْبَرَكَ فِي كِتَابِ اَللهِ حَيْثُ يَقُولُ: وظَلَّلْنٰا عَلَيْكُمُ اَلْغَمٰامَ وأَنْزَلْنٰا عَلَيْكُمُ اَلْمَنَّ واَلسَّلْوىٰ؟ فَهَذَا بَعْدَ اَلْمَوْتِ إِذْ بَعَثَهُمْ».[2]
فمن الممكن أنّ هذا الطلب ينم عن جهل بني إسرائيل؛ لأنّ إدراك الإنسان الجاهل لا يتعدّى حواسه، ولذلك يرمي إلى أن يرى الله بعينه.
وربما يحكي هذا الطلب عن ظاهرة لجاج القوم وعنادهم التي يتميزون بها دوماً.
نعم اغتم موسى لما حدث بشدة، لأنّ هلاك سبعين نفراً من كبار بني إسرائيل، قد يوفّر الفرصة للمغامرين من أبناء القوم أن يثيروا ضجّة بوجه نبيهم، لذلك تضرع موسى إلى الله أن يعيدهم إلى الحياة، فقبل طلبه وعادوا إلى الحياة: ﴿ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.[3]
وتشير هذه الآية ضمناً إلى إمكان «الرجعة»، أي الرجوع إلى هذه الحياة الدنيا بعد الموت، لأنّ وقوعها في مورد يدل على إمكان الوقوع في موارد اُخرى.
[1]سورة البقرة، الآية: 55.
[2] مختصر البصائر، ج 1، ص 102.
[3] سورة البقرة، الآية: 56.
تعليق