إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

العبادة هدف أقصى والرحمة هدف أدنى

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • العبادة هدف أقصى والرحمة هدف أدنى

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد



    يظهر من آيات القرآن الكريم أن هناك هدفين لله عز وجل: هناك هدف أدنى، وهناك هدف أقصى. الهدف الأقصى: وصول البشر للعبادة، هذا الهدف قد يتحقق في بعض البشر، وقد لا يتحقق في البعض الآخر، ولكنَّ الهدف الأدنى الذي لا يمكن تخلّفه في كل بشر، الهدف الأدنى الذي من أجله خُلِق البشر: ظهور الله من خلال البشر، كما في الحديث القدسي: ”كنتُ كنزًا مخفيًّا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلقَ لكي أعرف“، الله يتجلى من خلال وجودنا، الوجود البشري مرآة لوجود الله، الوجود البشري حاكٍ عن وجود الله تبارك وتعالى، الوجود البشري مظهرٌ لله تبارك وتعالى، خلقت الخلق لكي أتجلى وأظهر من خلال هذا الخلق.

    ونستفيد هذا من القرآن الكريم من قوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾، ولذلك يعني للاختلاف؟! لا، بل للرحمة، لم يخلقهم للاختلاف، بل خلقهم للرحمة، فما معنى أنه خلقهم للرحمة؟ أبرز صفةٍ من صفات الله هي صفة الرحمة، ولذلك أكبر صفة برزت في القرآن صفة الرحمة، أبرز ثفة لله تبارك وتعالى صفة الرحمة، الله تبارك وتعالى خلقنا لنكون مظهرًا لرحمته، لنكون وجهًا من وجوه رحمته، لنكون حاكين عن رحمته تبارك وتعالى، فنحن مظهرٌ لله من حيث صفة الرحمة، ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾.

    كل إنسانٍ يحمل طاقةً من الرحمة، حتى هذا الإنسان الظالم، حتى هذا الإنسان الديكتاتور، حتى هذا الإنسان الذي استعبد البشر وأذلهم، هتلر وصدّام والحجّاج وأمثال هؤلاء، كل إنسان يمتلك طاقةً من الرحمة وإن سترها، وإن غطّى عليها ببعض أفعاله الانتقامية الخطيرة، لكنه يملك طاقةً من الرحمة، ولو على نفسه، ولو على بعض الموجودات، كل إنسان هو مظهرٌ لرحمة الله تبارك وتعالى شاء أم أبى.

    لأجل ذلك، الرحمة هدفٌ – كما يقول العلماء – مشكّكٌ، أي أن كل مجموعة من البشر تنال قسطًا من هذا الهدف، تنال رتبة من هذا الهدف، بعضهم ينال أقوى المراتب من الرحمة، بعضهم ينال أضعف المراتب من الرحمة، كل إنسانٍ منّا هو مظهرٌ للرحمة، الطبيب من خلال طبه وحنانه وعلاجه مظهرٌ للرحمة بالمريض، العالم الذي يُظْهِر علمَه مظهرٌ للرحمة؛ لأنه يوصل الرحمة إلى قلوب الناس، الرحمة ما هي؟ الرحمة إفاضة الوجود، عندما تعرَّف صفة الرحمة يقال: الرحمة إفاضة الوجود، كل من يفيض وجودًا فهو رحيمٌ.

    العالم يفيض العلم فهو رحيمٌ، المدرّس في المدرسة يفيض معرفته، يفيض تعليمه وإخلاصه، فهو رحيمٌ، كلٌ منا مطالَب بأن يُظْهِر الرحمة، الطاقة الكامنة في ذاته، المدرّس من خلال تدريسه، المعلّم من خلال تعليمه، الطبيب من خلال طبيبه. كذلك هذا الغني الثري، كل من ملك غنى، ثروة، أو ملك مالًا، ليس من اللازم أن يكون غنيًا أو ثريًا، وإنما يملك مالًا، يُظْهِر الرحمة بأمواله، من خلال تفقّد أوضاع الفقراء، وأوضاع المساكين، ﴿لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾، كلٌ بحسب موقعه هو مظهرٌ للرحمة.

    ثم تأتي الآية القرآنية لتؤكد أن الإنسان مظهرٌ للرحمة، تقول الآية القرآنية: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾، هذه الآية إذا تتأمل فيها.. لماذا عبّر بعباد الرحمن؟ لماذا لم يقل: عباد الله؟ لماذا لم يقل: عباد العالم القدير؟ قال: عباد الرحمن، يعني خُلِقوا لكي يكونوا مظهرًا للرحمة، خلقوا لكي يكونوا عباد الرحمن، خلقوا لكي تتجسد الرحمة في أفعالهم وحركاتهم وسكناتهم، خُلِقوا للرحمة ومن أجل تجسيد الرحمة، لذلك إذا أرادوا تحقيق هذا الهدف بأعلى مراتبه فليكونوا عباد الرحمن.

    الرحمة لها عاملان ومظهران: مظهر فعلي، ومظهر انفعالي، هناك فرق بين المظهر الفعلي والمظهر الانفعالي.

    المظهر الفعلي للرحمة
    ﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾، هذا ابتداءً منهم، بدون أن يأمرهم أحد، بدون أن يدلهم أحد، بطبعهم لهم مظهر من الرحمة، مظهر فعلي، يمشون على الأرض هونًا، هل معنى هذه الآية أنهم يمشون ببطء، وإذا أسرعوا في مشيهم لم يكن مشيهم على الأرض هونًا؟! لا، من صفات الرسول أنه يسرع في مشيه إذا مشى، ﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ يعني أنهم متواضعون، هذا كناية عن التواضع، كأن المتواضع خفيفٌ على الأرض، والمتكبّر ثقيلٌ على الأرض، ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾، ﴿يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ كناية عن التواضع، أنهم متواضعون في أنفسهم، التواضع مظهرٌ للرحمة الإلهية.

    لذلك ورد في الحديث عن النبي محمد : ”تخلّقوا بأخلاق الله“، يعني تخلّقوا بخلق الرحمة، جسّدوا صفة الرحمة، ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾، إذن أول مظهر من مظاهر الرحمة – المظهر الفعلي – هو التواضع، فما هو معنى التواضع؟ بعضنا يحسب أن التواضع يعني أنه مبتسمٌ دائمًا، ومطأطئ الرأس دائمًا! ليس هذا هو التواضع، التواضع ألا يرى نفسه فوق الآخرين، الشخص الذي لا يرى نفسه فوق الآخرين، الشخص الذي مهما بلغ من الجاه، من المنصب، من المال، من العلم، من المعرفة، ما زال يقول: هناك من هو أفضل مني، وهناك من هو أعرف مني، وهناك من هو أقرب إلى الله تبارك وتعالى مني، الشخص الذي لا يرى نفسه فوق الآخرين شخصٌ متواضعٌ، الشخص يظهر عليه شاء أم أبى، ”ما أضمر امرؤ في قلبه شيءٌ إلا وظهر على قسمات وجهه أو فلتات لسانه“.

    ورد عن الإمام الصادق : ”من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس“، أي مكان أجلس، إذا دخلت مكانًا ففي أي موقع أجلس، المكان بالمكين، ”من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس، وأن تسلّم على من تلقى“ يعني أنت تبدؤه بالسلام إذا واجهته، ”وأن تترك المراء ولو كنتَ محقًّا“، إذا صار هناك جدال، النقاش تارة نقاش هادف مبني على أسس علمية، وتارة النقاش صراخ وصياح وإصرار على بعض الأمور، ”وأن تترك المراء ولو كنتَ محقًّا“. إذن، التواضع ألا يرى نفسه فوق الآخرين، هذا مظهرٌ فعليٌّ للرحمة.

    المظهر الانفعالي للرحمة
    ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾، إذا حاول الجاهلون إثارته، جاهل يريد أن يثيرك، إنسان عنيد يريد أن يثير مشاعرك، يريد أن يثير عواطفك، يريد أن يحرّك أعصابك، كن باردًا تمامًا، ﴿لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا﴾، عبارة السلام، عبارة الأمن، عبارة الطمأنينة، يعني انفعالهم بالرحمة، لا ينفعلون بالغضب، لا ينفعلون بالشدة، انفعالهم بالرحمة، ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾.

    نحن نحتاج إلى هذا المظهر، نحن مجتمعنا مليءٌ بالعنف، المجتمع الإسلامي مليءٌ بالعنف، مليءٌ بالحدّة، مليءٌ بالتوتر، مليءٌ بشحنات من الأحقاد، من الأكدار، مليءٌ بالتوجّس، بسوء الظن، بنظر بعضنا إلى البعض الآخر نظر التوجس، نظر سوء الظن، نظر المكيدة، نظر المكر، كلٌ منا يعتبر البعض الآخر عدوًا له، قاصدًا لمواجهته! لا، ليس الأمر كذلك، خذ الأمور بالهدوء التام، أنت تعيش مع الآخرين في أرض واحدة لرب واحد في دين واحد والجميع يسير نحو هدف واحد ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾.

    لذلك، ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾، حتى الذي تعتبره عدوًا إذا رأيته حاول أن تبتسم له، حاول أن تضغط على يده، حاول أن تظهر له خلقًا؛ لأن ذلك يغسل القلوب، لأن ذلك يزيل كدارة ما في قلبه، كدارة ما في نفسه، حاول أن تخفّف هذا العبء من نفسه، أن تنزع هذا الفتيل من نفسه، انشر المحبة، انشر الوئام، انشر السلام بين أبناء المجتمع الإسلامي، ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، ازرع الأخوة، ازرع بذور الأخوة.

    لأجل أنني أختلف مع الآخر في الفكر، أو في التوجه، أو في منهج العمل، هذا لا يعني أنه عدوي، ولا يعني أنني أخطط ضده ويخطط ضدي، ولا يعني أنني أزاحمه ويزاحمني، هذا يعني أننا نسير حول هدف واحد وإن اختلفت الأساليب، فلتكن أخلاقنا وآدابنا أسمى من هذه الاختلافات، وأسمى من هذه التباينات في وجهات النظر. إذن، المظهر الانفعالي للرحمة مقابلة الجاهلين بالسلام، بالوئام، مظهر ضروري لأن تعيش مجتمعاتنا تحت ظل السلام، وتحت ظل الوئام.

    الإمام زين العابدين – كما ورد في الدعاء – يقول حول الحكمة الإلهية من خلقة الإنسان: ”اللهم سدّدني لأن أعارض من غشّني بالنصح“، هو يغشني لكنني أنصحه، ”وأجزي من هجرني بالبر، وأكافئ من قطعني بالصلة، وأثيب من حرمني بالبذل، اللهم وفّقني أن أشكر الحسنة، وأغضي عن السيئة“. ولذلك ورد في صفات الإمام زين العابدين أن ابن عم وقف على رأسه، أحيانًا العوائل تختلف في بعض الأمور، هناك ميراث ولم توزعوه، ولم تعطوني حقي من ميراث جد جد جد جد جد جد جد جدي! أحيانًا يحدث ذلك في العوائل، حتى في العائلة الهاشمية، حتى في ذرية فاطمة حصل هذا النوع من النزاع، قضايا الميراث وتوزيعه وما هو من هذا القبيل.

    جاء ابن عم – يعني من أبناء الحسن – وقف على رأسه، وقال فيه كلامًا ثقيلًا، شتمه، الإمام زين العابدين أصغى إلى أن انتهى من كلامه، هذا ابن عمه خرج، رجع إلى بيتهم، الإمام زين العابدين خرج مع أصحابه، قال: أتعرفون كيف ردي عليه؟ قالوا: بلى. جاؤوا إلى بيته، طرق الباب، قال: من الطارق؟ قال: ابن عمك علي بن الحسين، فخرج متوثبًا للشر «هذا أتى يعاركني في بيتي!»، فتح الباب، قال: ماذا تريد؟ قال: ”يا بن العم، إنك وقفت على رأسي وقلتَ ما قلت، فإن كان ما قلتَه فيَّ فأستغفر الله تعالى، وإن كان ما قلتَه ليس فيَّ فغفر الله لك“، ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾​

  • #2

    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتم ويبارك الله بكم
    شكرا لكم كثيرا

    مأجورين

    ​​​​​​

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X