بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ۖ كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.[1]
يبدو أن الغمام الذي تشير إليه الآية الكريمة، ليس من النوع العابر الذي يظهر عادة في سماء الصحراء، ولا يلبث أن يتفرق ويزول، بل هو من نوع خاص تفضل به الله على بني إسرائيل ليستظلوا به بالقدر الكافي.
«المنّ» شيء كالطلّ فيه حلاوة يسقط على الشجر أو بعبارة اخرى هو عصارة شجر ذات طعم حلو، وقيل طعم حلو ممزوج بالحموضة.
و«السّلوى» يعني التسلّي، وقال بعض اللغويين وجمع من المفسرين إنه «طائر».
وروى عن النّبي صلّى الله عليه وآله: ((أَنَّ اَلْكَمْأَةَ مِنَ اَلْمَنِّ)).[2]
وذهب البعض إلى أن «المنّ» هو جميع ما أنعم الله تعالى على بني إسرائيل ومن عليهم.
و«السّلوى» هي جميع المواهب والملكات النفسانية التي توجب لهم التسلية والهدوء النفسي.
وهو مع مخالفته لرأي معظم المفسرين، يخالف ظاهر الآية حيث تقول: كُلُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا رَزَقْنٰاكُمْ وفي هذا التعبير دلالة واضحة على أن المنّ والسلوى نوعان من الطعام.
ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي(ره) في تفسيره: (وتذكر التوراة أن «المنّ» حبّ يشبه بذر الكزبرة يتساقط على الأرض ليلا، وكان بنو إسرائيل يجمعونه ويصنعون منه خبزا ذا طعم خاص.
وثمة احتمال آخر هو أن الأمطار الغزيرة النافعة التي هطلت بفضل الله على تلك الصحراء أثرت على أشجار تلك المنطقة فأفرزت عصارة حلوة استفاد منها بنو إسرائيل.
واحتمل بعضهم أن يكون «المنّ» نوعا من العسل الطبيعي حصل عليه بنو إسرائيل في الجبال والمرتفعات المحيطة بصحراء التيه.
وهذا التّفسير يؤيد ما ورد من شروح على العهدين (التوراة والإنجيل) حيث جاء: «الأراضي المقدسة معروفة بكثرة أنواع الأوراد والأزهار، ومن هنا فإن مجاميع النحل تبني خلاياها في أخاديد الصخور وعلى أغصان الأشجار وثنايا بيوت النّاس، بحيث يستطيع أفقر النّاس أن يتناول العسل».
بشأن «السلوى» قال بعض المفسرين إنه العسل، وأجمع الباقون على أنه نوع من الطير، كان يأتي على شكل أسراب كبيرة إلى تلك الأرض، وكان بنو إسرائيل يتغذون من لحومها.
في النصوص المسيحية تأييد لهذا الرأي حيث ورد في تفسير على العهدين ما يلي: «اعلم أن السلوى تتحرك بمجموعات كبيرة من افريقيا، فتتجه إلى الشمال، وفي جزيرة كابري وحدها يصطاد من هذا الطائر 16 ألفا في الفصل الواحد..
هذا الطائر يجتاز طريق بحر القلزم، وخليج العقبة والسويس، ويدخل شبه جزيرة سيناء وبعد دخوله لا يستطيع أن يطير في ارتفاعات شاهقة لشدّة ما لاقاه من تعب وعناء في الطريق، فيطير على ارتفاع منخفض ولذلك يمكن اصطياده بسهولة..
وورد ذكر ذلك في سفر الخروج وسفر الأعداء من التوراة».
يستفاد من هذا النص أن المقصود بالسلوى طير خاص سمين يشبه الحمام معروف في تلك الأرض.
شاء الله بفضله ومنّه أن يكثر هذا الطير في صحراء سيناء آنئذ لسدّ حاجة بني إسرائيل من اللحوم، ولم تكن هذه الكثرة من الطير طبيعية في تلك المنطقة.
وتعبير «الإنزال» للمنّ والسلوى، قد يشير إلى أن بني إسرائيل كانوا ضيوف الله في الأرض، فاستضافهم بالمن والسلوى.
ويحتمل أن يكون الإنزال بمعنى الهبوط من الأعلى لأن النعم المذكورة وخاصة (السلوى) تهبط إلى الأرض من الأعلى).[3]
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال: ((كَانَ يَنْزِلُ اَلْمَنُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ اَلْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ اَلشَّمْسِ؛ فَمَنْ نَامَ فِي ذَلِكَ اَلْوَقْتِ لَمْ يَنْزِلْ نَصِيبُهُ فَلِذَلِكَ يُكْرَهُ اَلنَّوْمُ فِي هَذَا اَلْوَقْتِ إِلَى بَعْدِ طُلُوعِ اَلشَّمْسِ)).[4]
[1] سورة البقرة، الآية: 57.
[2] مستدرك الوسائل، ج 16، ص 387.
[3] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 1، ص 231.
[4] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 82.
تعليق