بِسْمِ اَللهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِيمِ
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّد
قال الله تعالى في كتابه الكريم:﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾.[1]
﴿هذه اَلْقَرْيَةَ﴾ أي بيت المقدس بدليل قوله تعالى في مكان آخر: اُدْخُلُوا اَلْأَرْضَ اَلْمُقَدَّسَةَ وقيل: هي أريحا، القرية القريبة من القدس التي كان يسكنها بقايا العمالقة برئاسة عوج بن عنق.
قال لهم بعد الخلاص من التّيه: ادخلوها فَكُلُوا منها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً كلوا ما أردتم من أنواع الأطعمة أكلا رغدا: واسعا هنيئا.
وقد نصب إما على كونه حالا من ضمير «كلوا» أو على أنه صفة للمقدّر: «أكلا». واُدْخُلُوا الباب مدخل القرية أو القبّة التي كانوا يصلّون إليها سُجَّداً خاضعين ساجدين شكرا لله.
﴿وقُولُوا حِطَّةٌ﴾ أي سجودنا حطّة: أي إنزال لذنوبنا، من حطّ الحمل عن ظهر الدابّة: أنزله.
يعني: قولوا حال سجودكم: نرجو أن يكون فعلنا سببا لحطّ ذنوبنا وكفّارة لخطايانا.
فإذا قلتم ذلك نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ تجاوز عن ذنوبكم السالفة، ونزيل أوزاركم عن ظهوركم وسَنَزِيدُ اَلْمُحْسِنِينَ مع المغفرة زيادة أجر، ونكثر لمن أطاع وأحسن منكم.
وهذه الجملة جاءت في مقام تشويق للتائبين وترغيب لممتثلي أوامر الله المصدّقين بدعوة داعيه.
وهو سبحانه أعرف وأعلم بما قال.
علما أن السبب كان في إنزال المن، والسلوى، عليهم أنه لما ابتلاهم بالتيه لقولهم أرنا الله، فوقعوا في التيه، فصاروا كلما ساروا وأصبحوا فاذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه حتى تمت المدة وهي أربعون سنة، وفي التيه توفى موسى وهارون، ثم خرج يوشع بن نون وصي موسى (عليهما السلام). وقد نشأ جيل جديد بقيادة يوشع (عليه السلام) فدخل المدينة وفتحها بعون الله. ولكنهم بدلا من أن يدخلوها سجدا كما أمرهم الله، علامة على التواضع والخشوع ويقولوا: حِطَّةٌ.. أي حط عنا ذنوبنا واغفر لنا.. دخلوها في غير الهيئة التي أمروا بها، وقالوا قولا آخر غير الذي أمروا به.
والسياق يواجههم بهذا الحادث في تاريخهم وقد كان مما وقع بعد الفترة التي يدور عنها الحديث هنا - وهي عهد موسى (عليه السلام) - ذلك انه يعتبر تاريخهم كله وحدة قديمة كحديثه ووسطه لطرفيه، كله مخالفة وتمرد وعصيان وانحراف خارج عن المتعارف بأجمعه.
وورد عَنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ اَلرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: ((لِكُلِّ أُمَّةٍ صِدِّيقٌ وفَارُوقٌ، وصِدِّيقُ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وفَارُوقُهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَلِيّاً سَفِينَةُ نَجَاتِهَا وبَابُ حِطَّتِهَا)).[2]
وفِي ذكر مَنَاقِبِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وَتِعْدَادِهَا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: ((وَأَمَّا (المَنْقَبَةٌ) اَلْعِشْرُونَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اَللهِ صَلَّى اَللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَقُولُ لِي مَثَلُكَ فِي أُمَّتِي مَثَلُ بَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَنْ دَخَلَ فِي وَلاَيَتِكَ فَقَدْ دَخَلَ اَلْبَابَ كَمَا أَمَرَهُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)).[3]
ويَقُولُ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ آبَائِهِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ: ((وَنَحْنُ بَابُ حِطَّةٍ وَهُوَ بَابُ اَلسَّلاَمِ مَنْ دَخَلَهُ نَجَا وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَوَى)).[4]
وفِي كِتَابِ اَلتَّوْحِيدِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فِي خُطْبَتِهِ: ((أَنَا بَابُ حِطَّتِهِ)).[5]
وفِي خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ وهِيَ خُطْبَةُ اَلْوَسِيلَةِ قَالَ فِيهَا عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ((أَلاَ وَإِنِّي فِيكُمْ أَيُّهَا اَلنَّاسُ كَهَارُونَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ وَكَبَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ)).[6]
فِي مَجْمَعِ اَلْبَيَانِ ورَوَى عَنِ اَلْبَاقِرِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: ((نَحْنُ بَابُ حِطَّتِكُمْ)).[7]
[1] سورة البقرة، الآية: 58.
[2] عيون الأخبار، ج 2، ص 13.
[3] الخصال (للصدوق)، ج 2، ص 572.
[4] الخصال (للصدوق)، ج 2، ص 610.
[5] تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 83.
[6] الكافي، ج 8، ص 18.
[7] تفسير العياشي، ج 1، ص 45.
تعليق